ملعوب أمریکی جدید
لقد نشرت جریدة «الشروق» فی 19/4 الحالی تقریراً عن المؤتمر. فهمنا منه أن منتدى رجال الأعمال المصری الأمریکی أجرى مفاوضات حول الموضوع مع مسؤولی برنامج رعایة الأعمال الذی ترعاه الخارجیة الأمریکیة بهدف تشجیع مشروعات ریادة الأعمال ونشر ثقافة العمل الحر. إلى هنا والبراءة ظاهرة فی العملیة. لکن هناک أسباباً کثیرة للشک فی مقاصدها، أحد هذه الشکوک أن المؤتمر بدا وکأنه من أصداء الخطاب الذی ألقاه الرئیس أوباما من القاهرة إلى العالم الإسلامی فی العام الماضی، حتى وصفه التقریر المنشور بأنه مؤتمر «أوباما لرعایة الأعمال فی العالم الإسلامی»، ورغم أن هذا عنوانه، إلا أننا فوجئنا بأن "إسرائیل" مدعوة إلیه، ضمن 17 دولة أخرى غیر مسلمة (مجموع الدول المشارکة 95 دولة یفترض أن یمثلها 250 شخصاً). ورغم أن المؤمن لا یلدغ من جحر مرتین، إلا أننا لم نمانع فی ذلک فیما بدا، فالرئیس أوباما حین جاء إلى القاهرة فی العام الماضی لکی یخاطب العالم الإسلامی نظم له لقاء مع سبعة صحفیین یفترض أنهم یمثلون ذلک العالم، وکانت المفاجأة أن بینهم صحفیاً إسرائیلیاً. وکما هو معلوم فإننی انسحبت من اللقاء احتجاجاً على هذا التوریط الذی تفوح منه رائحة الاستعباط. هذه المرة تکرر الأمر حین رتب مؤتمر لرعایة الأعمال فی العالم الإسلامی، وأقحمت فیه أو فرضت علیه "إسرائیل"، ولا أستبعد أن یکون إدراج بقیة الدول غیر الإسلامیة الست عشرة قد تم خصیصاً لتبریر وتغطیة إقحام إسرائیلی بین الحضور.
من تلک الشکوک أیضاً أن عملیة التحضیر للمؤتمر بدأت باتصالات جرت مع مصر وإندونیسیا، والأولى أکبر دولة عربیة والثانیة أکبر دولة إسلامیة، لأن ضمان حضور هاتین الدولتین یقوی من صورة المؤتمر ویعزز مکانته. وفی الوقت الذی دعیت فیه البرازیل والنرویج وفنلندا وباراجوای، واستبعدت إیران والسودان. بما یعنی أن السیاسة حاضرة وأن الاختیار کان انتقائیاً، ولیس صحیحاً أن المؤتمر کان خالصاً لا لریادة الأعمال ولا لنشر ثقافة العمل الحر.
من الشکوک أیضاً أن الرئیس أوباما لم یستطع أن ینجز شیئاً مما وعد به فیما خص العلاقات بین الفلسطینیین والإسرائیلیین، وکان التعنت والاستکبار اللذان مارستهما "إسرائیل" سبباً رئیسیاً فی إفشال جهود التسویة السیاسیة، فما کان من إدارته إلا أن التفت حول الفشل وسعت إلى تحقیق التواصل على الصعید الاقتصادی، فی حیلة جدیدة لمد الجسور بین الإسرائیلیین والعرب.
أضف إلى ما سبق أن فکرة مد جسور التعاون الاقتصادی قفزاً فوق جوهر المشکلة لیست نهجاً جدیداً. فهی کامنة فی مشروع بیریز لإقامة ما سماه بالشرق الأوسط الجدید، وکامنة وراء مشروع إدارة الرئیس بوش حول الشرق الأوسط الکبیر، وکامنة بدرجة أو أخرى فی سیاسة نتنیاهو التی دعت إلى إقامة ما سماه بالسلام الاقتصادی مع الفلسطینیین مع تجاهل الشق السیاسی. وهو النموذج الذی تم تطبیقه فی رام الله التی شجع الإسرائیلیون النشاط الاقتصادی فیها، فی الوقت الذی مارسوا فیه الاعتقالات والتصفیات وتهوید القدس وحصار قطاع غزة، لإقناع الفلسطینیین بأن الاستسلام ل"إسرائیل" هو طریق التقدم والرخاء.
فی التقریر المنشور أن 16 من رجال الأعمال المصریین سوف یشارکون فی مؤتمر ریادة الأعمال. وأغلب الظن أن السفارة الأمریکیة التی اختارتهم لمست فیهم استعداداً وعدم «ممانعة» فی بلع الطعم والتجاوب مع الإسرائیلیین فی الاقتصاد، ولا أعرف ما إذا کان هؤلاء المشارکون وأمثالهم یدرکون أن احتلال فلسطین لا یزال مستمراً ویزداد شراسة ووقاحة أم لا، لکن الذی أعرفه جیداً أن الذین یتجاهلون هذه الحقیقة یسجلون أسماءهم فی قوائم الخزی السوداء، التی إذا سوغها البعض أو بارکوها فی هذا الزمان فلن یغفرها لهم التاریخ.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS