الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

إسرائیل وتهدید الأمن المائی المصری

 

السفیر الدکتور عبد الله الأشعل

 

النیل هو مصدر الحیاة لمصر، ظل یجرى بالخیر، حتى إن إله النیل کان من آلهة المصریین القدماء محل الاعتبار والتقدیس.

ولما کانت مصر تعتمد اعتماداً مطلقاً على میاه النیل، فقد کان من الضروری تأمین هذا المورد، وإبعاده عن عبث العابثین، لأنه ما دام النهر ینبع فی دول أخرى بعیدة، ویمر عبر دول أخرى کثیرة، فإن تأمین حصة مصر تقتضى دبلوماسیة مائیة متکاملة. وقد کانت مصالح مصر المائیة مضمونة عندما کانت مصر هی رائد حرکة التحرر العربی والإفریقی، وکان عبد الناصر هو معبود الأفارقة، ولا یزال ماندیلا یؤکد أن عبد الناصر کان مثله الأعلى، وهو الذی قاد حرباً شعواء على النظام العنصری فی جنوب إفریقیا فی الخمسینات وخاصة فی الستینات، وکان ذلک لسببین أولهما هو أن النظام العنصری یصادر حریة الأفارقة وحقهم فی الحیاة، والسبب الثانی هو هذا التحالف الآثم بین جنوب إفریقیا العنصریة، وبین "إسرائیل"، خاصة وأن الطیارین الیهود الذین هاجموا مصر والدول العربیة الأخرى عام 1967 کانوا من موالید جنوب إفریقیا.

أما "إسرائیل" فقد کانت تعیق حرکة التحرر الوطنی، وتزرع الفتن لتهدید استقلال الدول الإفریقیة، وتشجع الانقلابات العسکریة عن طریق المرتزقة، وکان وجودها فی إفریقیا "تسللا"، وکان لمصر القَدَحُ المُعَلَّى لدرجة أن الدعم الإفریقی للقضیة الفلسطینیة ظل لمدة طویلة یعتمد على مکانة مصر، وعندما خاضت مصر حرب التحریر فی أکتوبر 1973، قطعت 23 دولة إفریقیة علاقاتها مع "إسرائیل" فی یوم واحد.

بدأت مشکلة مصر مع إفریقیا بمعاهدة السلام بین مصر و"إسرائیل"، حیث أدت الاتفاقیة إلى تحجیم دور مصر الإقلیمی، وأدى تطبیع العلاقات المصریة الإسرائیلیة إلى دفع الحرج والحظر عن "إسرائیل" فی إفریقیا. المعادلة الجدیدة هی أن مصر بمعاهدة السلام مع "إسرائیل" قد خسرت دورها الإقلیمی العربی أولا، وترکت الساحة لتوحش "إسرائیل" فی المنطقة، ثم لکی تناهض المصالح المصریة فی إفریقیا.

والسؤال: هل هناک مشکلة مع دول النیل؟ وهل هی مشکلة قانونیة أم سیاسیة أم فنیة؟

الحق أنها مشکلة مرکبة، ظاهرها قانونی، وباطنها هو تدهور مکانة مصر فی الإقلیم، وتآمر "إسرائیل" وحلفائها ضد المصالح المصریة. لقد فهمت "إسرائیل" السلام مع مصر على أنه إطلاق یدها للإضرار بمصر ومصالحها.

الحل الفوری هو وضع إستراتیجیة تفاوضیة واضحة، وتقییم السلوک التفاوضی السابق طوال السنوات الماضیة. تشمل الإستراتیجیة أیضاً تنمیة العلاقات المصریة مع إفریقیا، وجنوب إفریقیا، ومع دول الحوض، ثم اعتدال العلاقات المصریة الإسرائیلیة، بحیث لا یجوز أن تظل مصر تراعی "إسرائیل" على حساب المصالح المصریة، بینما تمعن "إسرائیل" فی الإضرار بالمصالح المصریة. معنى ذلک أن المسألة مرکبة ومعقدة، وبالملف جوانب موضوعیة، وقانونیة، ولکن الأزمة هی أهم سلبیات السلام الموهوم بین مصر و"إسرائیل".

عندما عقدت مصر اتفاقیة السلام مع "إسرائیل" عام 1979 نظر کل طرف، ومعهما الولایات المتحدة، إلى هذه الاتفاقیة من زوایا متباینة. أما مصر فقد توهمت أن هذه الاتفاقیة سوف تجلب لسکانها أنهار العسل واللبن، وتوفر نفقات الصراع العسکری والسیاسی لخطط التنمیة، فتزدهر الحیاة على ضفاف النیل، ویعم الرخاء، ویعلو البناء. کذلک حلمت مصر أن هذه الاتفاقیة هی مقدمة لکی یظلل السلام الحقیقی کل المنطقة العربیة، وکان هذا الفهم المصری قاصراً عن فهم طبیعة المشروع الصهیونی الذی اعتبر هذه الاتفاقیة أکبر إنجازاته، وأنها لا تقل فی آثارها وخطورتها عن واقعة قیام "إسرائیل" عام 1948، ولذلک اعتبرها الساسة الإسرائیلیون الجائزة الکبرى لصمود "إسرائیل" وکسرها للإرادة العربیة بإطفاء أنوار العروبة فی القاهرة، وإخراج القاهرة من دائرة الفعل الإقلیمی، ودفعها إلى غربة طویلة عن إقلیمها العربی والإسلامی والإفریقی.

ولذلک لا یمکن القول إن هناک قصوراً مصریاً تجاه إفریقیا، وإنما هناک مؤامرة صهیونیة على مصر فی إفریقیا. فلا شک عندما تتفاوض مصر مع هذه الدول وهی مدعومة عربیاً، واستقام عودها فی مواجهة "إسرائیل"، واستمعت إلیهم بعقل مفتوح، یتفاوضون معها بحسن نیة، خاصة وإن هذه الدول لم تکن تنازع عملیا فی حقوق مصر، ولکن المؤامرة الصهیونیة هی التی حرضتهم على ذلک. من ذلک یتبین أن أحدث نتائج معاهدة السلام هو تهدید الأمن المائی لمصر، وهو خط البقاء الأخیر، لعل مصر الرسمیة تعید النظر فی حساباتها على ضوء هذا الخطر.

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 139813







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)