نتنیاهو وأوباما.. وجهان لعملة واحدة!
نتنیاهو وأوباما.. وجهان لعملة واحدة!
الدکتور أیمن أبو ناهیة
جمیع الأنظار اتجهت نحو لقاء نتنیاهو أوباما، حیث یعتقد البعض أن اللقاء کان"ساخناً" وقد یغیر الکثیر من سیاسة الأول بما یتعلق بعملیة السلام فی الشرق الأوسط ووقف الاستیطان فی الأراضی الفلسطینیة المحتلة، وفی الحقیقة أن هذا الاعتقاد مبالغ فیه، فماذا فعل أوباما حین أعلن نتنیاهو من عقر دار أمریکا أمام "الایباک" أثناء زیارته السابقة بأنه لا عودة للمفاوضات دون إسقاط شروط الفلسطینیین، وذهب إلى أبعد من ذلک، وأعلن أن القدس لیست مستوطنة بل هی کـ"تل أبیب" وستبقى عاصمة موحدة أبدیة لدولة الاحتلال، لا بل أکثر من ذلک حین أعلنت وزیرة خارجیته، هیلاری کلینتون، التزام بلادها بالحفاظ على أمن دولة الاحتلال بتقدیم الدعم المطلق لها سیاسیاً وعسکریاً واقتصادیاً. فإذا کان هذا هو نهج الإدارة الأمریکیة، إذن ما هو المنتظر من لقاء نتنیاهو أوباما؟!
أعتقد أن لقاء الاثنین لم یأت من أجل وقف الاستیطان والمفاوضات، بل ما هو أبعد من ذلک وأعمق بکثیر، لأن الاستیطان فی الحقیقة لم یتوقف فی أی وقت من أوقات التفاوض بین الطرفین، وکان یستمر حتى بعد توقیع الاتفاق على وقفه! وبطبیعة الحال ینعکس الأمر سلباً على المفاوضات، لأن الهدف الاستراتیجی للکیان الصهیونی الذی قام على الاستیطان والاحتلال والقهر والقوة مستمر ومدعوم أمریکیاً.
أما إدارة أوباما التی کانت قد طلبت سابقاً وقف الاستیطان کلیاً لکی تبدأ المفاوضات، فقد ابتلعت قرارها ذاک وتراجعت عنه، معتبرة أن الاستیطان من حقوق دولة الاحتلال الطبیعیة. وضغطت على أبو مازن لیقبل التفاوض مع استمرار الاستیطان، وسهلت علیه النزول عما سموه "تسلق الشجرة" بقرار تغطیة من لجنة متابعة المبادرة العربیة، الذی اتخذه وزراء الخارجیة العرب فی اجتماعهم الأخیر الشهر الماضی فی الجامعة العربیة، وکان هو المظلة والدافع لقبول التفاوض لمدة أربعة أشهر.
أعتقد أن الهدف التکتیکی لأوباما من تمسکه بالمفاوضات المباشرة وغیر المباشرة یصب فی سببین أساسیین مرتبطین ببعضهما البعض:
الأول، خشیته من توجیه صفعة أخرى لسیاسته الخارجیة، مما یؤثر سلباً على مستقبله الانتخابی، حیث یترجم هذا على أنه فشل آخر لدبلوماسیته فی الشرق الأوسط.
الثانی، حرصه على عدم ممارسة ضغوطات على نتنیاهو أثناء اللقاء، بل على العکس یحاول الحفاظ على علاقات جیدة مع دولة الاحتلال کما صرح مراراً وتکراراً بأن بلاده ترتبط معها بعلاقات استراتیجیة حمیمة، إرضاءً للوبی الصهیونی والجماعات الیهودیة فی الولایات المتحدة لإنقاذ ماء وجهه على أقل تعدیل فی هذه المرحلة الحرجة بالنسبة له، لإخراج حزبه من مأزق الانتخابات النصفیة للکونغرس الأمریکی فی الخریف المقبل تمهیدا لتجدید ولایته الثانیة فی الانتخابات الرئاسیة أواخر عام 2012م.
ورب سائل یسأل؛ على أی أساس یتعاطى نتنیاهو جزئیاً وهو المشبع، والمعنی بتقویض أی جهود أمریکیة ودولیة للتسویة؟، إذ أنه على قدر من الدهاء وربما یکون استنزافه لعام ونیف من ولایة أوباما دونما نتائج تذکر، إما لکسب المزید من الوقت لفرض وقائع دیموغرافیة وطوبوغرافیة وجیوسیاسیة على المدى البعید، تخل عملیاً بانسجام رؤیة حل الدولتین لشعبین، وتعین على فرض رؤیة سیاسیة بحل مفترض وفق تصور صهیونی یفصل أسس ومقومات الحل السیاسی، بناء على مرجعیات توراتیة أیدیولوجیة تستحوذ على القدس وغلافها الحیوی وتجعل من المفهوم حلاً فضفاضاً.
وقد تبین لنا ذلک، سیما إذا ما أمعنا النظر فی استعادة سیاسات وآلیات الحکومات الإسرائیلیة المتعاقبة التی تنطوی على ذات العقیدة التی تقول بأن القدس عاصمة أبدیة وغیر قابلة للتأویل والتقسیم، وأن لا سیادة فلسطینیة کاملة حتى فیما یتعلق الأمر بالمعابر، ما یعنی أن الحل من منظور نتنیاهو وأوباما لا یعدو إلا ضرباً من ضروب الاستحقاق والتنکر والاستهتار بالحقوق الفلسطینیة المشروعة وحیلة من حیل نتنیاهو المعهودة توفر له هامش المناورة على صعید الداخل الإسرائیلی والعلاقات الدولیة.
فإذا کانت الإدارة الأمریکیة الحالیة کما هی السابقة لم تستطع إلزام دولة الاحتلال بالتراجع عن مشاریعها الاستیطانیة التوسعیة، بعد أن تراجع أوباما نفسه عن قراراه هذا، فکیف بنا کعرب عامة وفلسطینیین خاصة أن نجدد الثقة مع الإدارة الأمریکیة؟!
فنتنیاهو وأوباما، وجهان لعملة واحدة، ولقاؤهما هو مجرد لقاء لتبادل المصالح بینهما لیس إلا؛ نتنیاهو یخدم أوباما فی مسألة الضغط على اللوبی الصهیونی فی الولایات المتحدة لتأیید الأخیر، مقابل عدم الضغط على الأول لتغییر سیاسته الاستیطانیة، الأمر الذی قد یجهض حکومته أمام منافسیه من حزب العمل وحزب کادیما، خاصة وأن الأحزاب الیمینیة المتطرفة التی تشکل 80 فی المئة منها قد سبق لها أن هددت بالانسحاب من حکومته، إذا تخلى عن سیاسة الاستیطان.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS