الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

العنصریة جزء من الشخصیة الإسرائیلیة

الدکتور فوزی الأسمر

 

منذ عام 1948 والتمییز العنصری ضدّ الفلسطینیین فی إسرائیل قائم. ولکن نجحت حکومات إسرائیل فی أن تبرر کل ما تقوم به ضدّ مواطنیها غیر الیهود، لأنها عللت کل تصرفاتها العنصریة بأنها من أجل "أمن الدولة" و"منع قیام طابور خامس" و"حمایة کیانها" وغیر ذلک من التبریرات.

وکان الرأی العام العالمی یصدقها لدرجة أنه کان یرفض أیة انتقادات لهذه السیاسة، وطالما سمعنا أنه یحق لإسرائیل أن تحمی نفسها: "لأنها محاطة بأعداء یریدون تدمیرها وقذف الیهود إلى البحر". ووراء هذا الستار من التبریرات استطاعت حکومات إسرائیل تنفیذ سیاستها العنصریة فی الإستیلاء على الأراضی العربیة، وتنفیذ برامجها الاستعماریة والتی کان هدفها، ولا یزال محاصرة الفلسطینیین داخل الدولة وتهوید ما یمکن تهویده من المناطق والأراضی العربیة على غرار مشروع "تهوید الجلیل".

فحتى عندما قامت إسرائیل عشیة حرب 1956 بمجزرة کفر قاسم التی ذهب ضحیتها 49 عاملة وعاملا کانوا عائدین من عملهم إلى منازلهم فی القریة، استطاعت أن تبرر جریمتها هذه على أساس أن "أمن الدولة" کان یتطلب ذلک.

وخلال السنین حذّر الکثیرون من المثقفین الیهود فی إسرائیل، وفی مقدمتهم الفیلسوف یشعیاهو لیفوفیش من أن الممارسات الصهیونیة ضدّ المواطنین العرب، لن یقتصر علیهم، لأن العنصریة لا تعترف بالقومیة أو الدین أو اللون ومن یمارس العنصریة فإنه سیمارسها على الجمیع. ولکن ذهبت أصواتهم أدراج الریاح.

 

فالنظام القائم على أساس دینی، وعلى أساس أیدیولوجیة عنصریة، وفی هذه الحالة هی الأیدیولوجیة الصهیونیة، لا یمکن أن یکون نظاما دیمقراطیا یعطی مساواة لکل المواطنین. وهناک العشرات من الأمثلة التی یمکن الإشارة إلیها. فعلى سبیل المثال هناک قانون "الحاضر الغائب" الذی تمارسه إسرائیل لغایة الیوم ضدّ المواطنین العرب، والمتعلق بحقهم على ممتلکاتهم خصوصا الأراضی، وعن طریقه استطاعت حکومات إسرائیل سرقة معظم أراضی الفلسطینیین الذین بقوا تحت حکمها فی عام 1948. وهناک قانون "حق العودة" الذی یقتصر على الیهود فقط، وغیرها من الممارسات العنصریة.

ومن أفضل الأمثلة هو مثال الطائفة الدرزیة فی إسرائیل، حیث یقوم شبابها بالخدمة الإجباریة فی الجیش الإسرائیلی، ولکن التمییز ضدّ هذه الطائفة یضرب أطنابه. فقد نشر الصحفی الدرزی، رفیق حلبی، مقالا فی صحیفة "یدیعوت أحرونوت" "11/ 7/ 2010" تحدث فیه عن العنصریة التی یواجهها الجنود الدروز من جانب الیهود الإسرائیلیین، خصوصا هؤلاء الذین یخدمون فی الأراضی المحتلة.

یقول الکاتب إن الجنود الدروز یواجهون: "المزید من الشتائم من جانب المستوطنین الیهود". ویضیف: إن المستعمرین الیهود یصرخون فی وجه الجنود الدروز: "سنعیدکم بالقطار"، وهو رمز لما کان یفعله النازیون بالیهود، وقصص القطار مشهورة فی تلک الفترة التاریخیة، وکتب عنها الکثیر فی أدبیات الحرب العالمیة الثانیة. وقد أدى هذا التصرف إلى درجة أن وزیر الخارجیة الإسرائیلی، أفیغدور لیبرمان، المعروف بعنصریته ضد العرب، طالب بالتحقیق فی هذا الأمر "معاریف 11/ 7/ 2010". ونقلت صحیفة "هآرتس" "21/ 7/ 2010" عن مستعمر یهودی وجه کلامه إلى جنود یهود متواجدون فی الأراضی المحتلة قوله: "وأنتم أیضا سنعیدکم بالقطارات"، الشیء الذی أثار حفیظة الضابط المسؤول.

وفی هذه الأیام یتذکر الکثیرون التحذیر الذی أطلقه یشعیهو لیفوفیتش؛ فمنذ فترة ووسائل الإعلام الإسرائیلیة تتناقل أخبار مدرسة دینیة للبنات فی مستعمرة "عمانوئیل" فی الأراضی الفلسطینیة المحتلة. فقد رفض القائمون علیها، وهم من الیهود الأوروبیین، "الأشکناز" أن تکون المدرسة مشترکة للبنات من الطوائف الشرقیة الیهودیة "السفاردیم". ووصل الوضع إلى إقامة حاجز یفصل بین الطالبات. "هآرتس 6/ 7/ 2010".

وقد أدى ذلک إلى إحداث ضجة تدخل فیها أعضاء من الکنیست ووصل الوضع إلى المحاکم للبت فیه، حیث صدر قرار بإجبار المسؤولین عن المدرسة بفتح أبوابها أمام الطالبات الشرقیات، وعندما رفضوا تنفیذ القرار ألقی القبض على أمهات الطالبات اللواتی رفضن تنفیذ القرار ومنعن بناتهنّ من الذهاب إلى المدرسة، وأدخلنّ السجون.

واتخذت مستعمرة یهودیة أخرى "نکودیم" التی یسکن فیها وزیر الخارجیة الإسرائیلیة، أفیغدور لیبرمان، قرارا برفض قبول أیة عائلة یکون أحد الزوجین فیها لیس یهودیا. وتکثر هذه الحالة بین الیهود الروس حیث تکون الزوجة أو الزوج من غیر الیهود؛ والأسباب کثیرة، فقد نقلت صحیفة "هآرتس" "11/ 7/ 2010" عن أحد المسؤولین فی هذه المستعمرة قوله: "یجب الابتعاد عن الأغیار "أی غیر الیهود" بشکل عام وبالأخص العیش معهم".

وسبب آخر نقلته الصحیفة المذکورة عن یوسی هایمان السکرتیر العام فی تلک المستعمرة وهو: "إذا ما قبلنا عائلات غیر یهودیة وعندها شباب فقد یحدث أن یقع الشاب غیر الیهودی فی حب ابنتک وهذا أمر مرفوض".

إن العنصریة المتفشیة فی إسرائیل نابعة من الثقافة التی یتلقاها الیهود فی إسرائیل، خصوصا فیما یتعلق بالعرب، وتلک التی یترعرعون علیها فی مواطنهم الأصلیة، وهی فی الأساس ثقافة الأقلیات بشکل عام، والتی تتلخص فی عدم الثقة؟!

هذا هو أحد الأسباب الرئیسیة التی تمنع أی تقدم نحو السلام بین إسرائیل والفلسطینیین. وعدم الثقة هذه یفسرها قادة إسرائیل بـ"الضمانات"، فهم یطالبون بالضمان المطلق، وهو أمر غیر واقعی.

إن الحیاة أخذ وعطاء، فیها أخطاء وفیها تنفیذ واقع، والإنسان الذی یتطلع إلى حل یتحتم علیه أن یواجه الأخطاء ویطور الإیجابیات إذا أراد أن یصل إلى بر الأمان. ولکن إسرائیل لیست بهذا الوارد، وقد برهن قادتها أنهم غیر قادرین على تحقیق السلام العادل ولهذا یطالبون العرب والفلسطینیین بمزید من التنازلات والضمانات شبه المستحیلة، وفی الواقع ما یطلبونه هو الاستسلام الکامل والتنازل عن جمیع الحقوق. وبطبیعة الحال فإن مثل هذه المطالب تزید من عنصریة المجتمع ومن رفضه المستمر للواقع.

ن/25


| رمز الموضوع: 139842







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)