الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

لیست لعبة ..!!

لیست لعبة "بوکر"..!!

 

نقولا ناصر

 

فی مواجهة إجماع شعبی وسیاسی فلسطینی على رفض استئناف أی مفاوضات مباشرة أو غیر مباشرة مع دولة الاحتلال الإسرائیلی لم یتمخض عن جولاتها العلنیة والسریة التی لم تنقطع منذ مؤتمر مدرید عام 1991 سوى إطالة أمد الاحتلال العسکری وترسیخ الاحتلال الاستیطانی وتوسعه، وهو إجماع لا یشذ عنه سوى القیادة التی ارتهنت القضیة الوطنیة والقرار الفلسطینی للخیار الواحد الوحید المتمثل فی "التفاوض فقط"، فأوصلت حرکة التحرر الوطنی الفلسطینیة إلى وضعها الراهن المشلول، تبحث هذه القیادة الآن عن "تطمینات" و"ضمانات" دولیة، وبخاصة أمیرکیة، کمسوغ لاستئناف هذه المفاوضات، وسط توقعات باحتمال لجوئها إلى الدبلوماسیة السریة لاحتواء ردود الفعل الوطنیة الرافضة.

وقد حصلت هذه القیادة، کما کان متوقعا، فی القاهرة یوم الخمیس الماضی على "غطاء" اللجنة الوزاریة لمتابعة مبادرة السلام العربیة التی ترکت لها اتخاذ قرار "توقیت" استئناف المفاوضات المباشرة، وهذا مخرج یسمح لکلا الطرفین بتحمیل الطرف الآخر المسؤولیة عن استئناف المفاوضات المباشرة، فوزراء خارجیة لجنة المتابعة یمکنهم القول، إذا استؤنفت المفاوضات ولم تنجح، کما هو متوقع، إن القرار کان بید الرئیس الفلسطینی محمود عباس، وبالمثل یمکن لعباس أن یقول فی هذه الحالة إن قرار استئناف المفاوضات کان قرارهم هم وإنه کان الموکل بتنفیذه فحسب، أما إذا نجحت المفاوضات فإنها تخریجة تسمح لکلا الطرفین بادعاء الفضل فیها.

واحتمال اللجوء إلى الدبلوماسیة السریة واقعی تماما، لأن مثل هذه الدبلوماسیة، أولا، هی التی أنتجت الوضع الراهن فی المقام الأول، ولأنها ثانیا جزء لا یتجزأ من الممارسة التاریخیة لهذه القیادة منذ أبرمت اتفاق أوسلو عام 1993 من وراء ظهر الوفد الفلسطینی المفاوض فی واشنطن ومن وراء بعض حلفائها العرب الذین تتدثر حالیا بغطائهم لاستئناف التفاوض العلنی المباشر، ولأنها ثالثا دبلوماسیة سریة لم تنقطع، لا اتصالا ولا تفاوضا، بالرغم من أن ثمارها السیاسیة لم تکن أفضل من نتائج الدبلوماسیة العلنیة، بل أثبتت بأنها الأسوأ.

وهو احتمال واقعی لیس فقط لأن محللین خبراء یتوقعونه مثل فخری الطهطاوی، استاذ العلوم السیاسیة بجامعة القاهرة، وعماد جاد، خبیر الشؤون الإسرائیلیة فی مرکز الأهرام، بل لأن الرفض الشعبی والسیاسی الفلسطینی لاستئناف المفاوضات لیس إلا أحد العوامل التی تدفع باتجاه الدبلوماسیة السریة.

ومن العوامل الأخرى ارتهان القیادة المفاوضة لمنظمة التحریر الفلسطینیة لخیار "التفاوض فقط" الذی یجعل مسارها السیاسی فی اتجاه واحد فقط، أمیرکی– إسرائیلی طبعا، یغلق کل الخیارات المفتوحة الأخرى أمام حرکة النضال الوطنی.

ثم إن الضغوط الأمیرکیة التی جندت معها الضغوط الأوروبیة لاستئناف المفاوضات المباشرة هی عامل ثالث لاقبل لهذه القیادة بمقاومته وإلا قطعت شریان الحیاة التی یمدها بأسباب البقاء، لتکون الدبلوماسیة السریة هی المخرج الوحید المفتوح أمامها للرضوخ لهذه الضغوط وتفادی مواجهة مکشوفة مع الرفض الوطنی لاستئناف المفاوضات.

وهی على کل حال دبلوماسیة لا یوجد أی دلیل على أن هذه القیادة لا تمارسها فعلا الآن فی غیاب المفاوضات المباشرة العلنیة، ربما لتضمن "نجاح" المفاوضات، کما حدث فی أوسلو قبل سبعة عشر عاما، قبل أن تنقلها إلى العلن.

والوضع الذی یجد نفسه فیه الیوم القائد التاریخی للمسیرة التفاوضیة الفلسطینیة، محمود عباس، هو وضع لا یحسد علیه، فهو "عاجز" أمام شعبه عن الانتقال إلى مفاوضات مباشرة، دون "أجندة" ودون "ضمانات" ودون "مرجعیة"، لأنه سوف "یقوض تماما" الأسس التی یقف علیها-- وهو قد "غامر بسمعته فعلا ببدء المفاوضات غیر المباشرة" بوساطة أمیرکیة عندما ناشد شعبه أن "یعطیه فرصة" بعد أن تلقى رسالة من الإدارة الأمیرکیة تحثه على الدخول فی محادثات کهذه-- ما لم یحدث "تغییر فی السیاسة الإسرائیلیة"، کما قال کبیر مفاوضیه صائب عریقات للفایننشال تایمز البریطانیة یوم الأربعاء الماضی. ولا یوجد أی مؤشر إلى احتمال حدوث أی تغییر کهذا فی المدى المنظور، لا فی سیاسة حکومة دولة الاحتلال، ولا فی السیاسة الأمیرکیة خصوصا عشیة انتخابات الکونغرس النصفیة بعد أقل من مئة یوم.

لا بل إن الأسوشیتدبرس قالت الأسبوع الماضی إنها حصلت على وثیقة فلسطینیة کشفت بأن المبعوث الرئاسی الأمیرکی جورج میتشل خلال جولته السادسة الأخیرة فی المنطقة قد "حذر عباس" بأنه إذا لم یوافق على استئناف المفاوضات المباشرة فإن "الرئیس باراک أوباما لن یکون قادرا على مساعدة الفلسطینیین فی تحقیق دولة خاصة بهم"!

فالرئیس الأمیرکی، الذی یضغط على هذه القیادة بقدر ما یضغط على حلفائه وحلفائها العرب من أجل استئناف المفاوضات العلنیة التی لم تنقطع سرا على کل حال، یتباهى بأنه لاعب "بوکر" جید، کما کتب جون فیفر فی "فورین بولیسی إن فوکاس" فی 16/9/2009، ملمحا إلى أن أوباما یتعامل مع "عملیة السلام" نفسها کلاعب بوکر، بدأ اللعبة فی بدایة عهده برفع "الرهان" عالیا عندما طالب دولة الاحتلال بوقف کل أشکال التوسع الاستیطانی، کشرط لاستئناف هذه العملیة، لیجر معه قیادة التفاوض الفلسطینیة إلى الرهان على رهانه الذی خسره بطریقة مهینة، لیتبین بأن "القوة العظمى الوحیدة فی العالم إنما کانت تخادع فحسب"، لتترک هذه القیادة "معلقة فوق الشجرة"، کما یقول المصطلح السیاسی الدارج إعلامیا الیوم، لا تستطیع النزول عنها لکی ترضخ للضغوط من أجل استئناف المفاوضات المباشرة.

لکن قضیة حق الشعب الفلسطینی فی تقریر مصیره وإنهاء احتلال وطنه کشرطین للسلام الذی لا یوجد فی العالم الیوم شعب أحوج منه إلیه لیست "لعبة بوکر"، وقد آن لهذه اللعبة أن تتوقف، ولیست المفاوضات العقیمة التی یضغطون من أجل استئنافها الیوم إلا جزء لا یتجزأ منها.

ویلفت النظر فی الأیام الأخیرة البحث عن "تطمینات" وضمانات" یتخذ المفاوض الفلسطینی منها مسوغا یسترضی بها شعبه من جهة و"تنزله عن الشجرة" التی صعد إلیها على سلم رهانات أوباما فی لعبة سیاسیة کـ"البوکر" من جهة أخرى. فقد طالب الأمین العام لجامعة الدول العربیة أمس الأول بـ"ضمانات مکتوبة". و"طمأن" وزیر الخارجیة الاسبانی میغیل موراتینوس مفاوض منظمة التحریر الأربعاء الماضی بأن بیان الاتحاد الأوروبی الأخیر الذی کرر بیاناته السابقة یوفر "المرجعیة" التی یبحث عنها هذا المفاوض کـ"ضمانة" ولذلک حث بدوره عباس على الاجتماع مع رئیس وزراء دولة الاحتلال بنیامین نتنیاهو "على عجل، ومباشرة، ودون شروط".

وفی القاهرة أعلن المتحدث باسم الرئاسة المصریة، سلیمان عوض، فی الیوم نفسه أن مصر حصلت على "تطمینات أمیرکیة" تساعد فی استئناف المفاوضات المباشرة. وکان الرئیس حسنی مبارک حتى قبل الحصول على هذه "التطمینات" قد نشر مقالا نادرا باسمه فی الوول ستریت جورنال أواخر الشهر الماضی قال فیه إن"تسویة تاریخیة هی فی متناول الید" الآن وإن أوباما "قد أظهر استعدادا للقیادة من أجل تحقیق السلام فی الشرق الأوسط، ویجب على العالم العربی أن یرد بالمثل". وقال وزیر الخارجیة المصری أحمد أبو الغیط إن وزراء خارجیة لجنة المتابعة العربیة کانوا یتطلعون یوم الخمیس الماضی إلى الاستماع من عباس عن "التطمینات" التی تلقاها من الأمیرکیین، وکأنما الوزیر المصری لیس مطلعا فعلا على کل ما فی جعبة عباس الذی یطلع نظیره المصری علیه قبل أن یطلع حتى المؤسسات الفلسطینیة علیه.

لکن عباس نفسه أبلغ المجلس "الثوری" لحرکة "فتح" مؤخرا بأن میتشل قد نقل "تطمینات أوباما الخاصة بالمفاوضات" لکنها "لیست واضحة" بما یکفی، وأن المباحثات غیر المباشرة لم تحرز تقدما، ولا یوجد جدید یقنعه بالذهاب إلى المفاوضات المباشرة.

فما هی "التطمینات" و"الضمانات" الجدیدة التی یمکنها أن تکون أکثر مصداقیة من کل مثیلاتها السابقة التی لا تساوی قیمة الورق التی کتبت علیه، کما أثبت تطور الأحداث، والتی تسوغ استئناف المفاوضات، مباشرة کانت أم غیر مباشرة، سریة أم علنیة، بدءا من رسالة التطمینات الأمیرکیة التی قدمت للمفاوض الفلسطینی فی مؤتمر مدرید فی 18/10/1991، التی تعهدت بکل ما یطالب به هذا المفاوض من تطمینات حالیا، مرورا بـ"خریطة الطریق" وما سبقها وما أعقبها من "تطمینات أمیرکیة" وانتهاء ب"تطمینات" مؤتمر أنابولیس عام 2007؟

وما هو الأمر "المباشر" الجدید الذی یجعل أی مفاوضات مباشرة یتم استئنافها الآن تتمیز نوعیا عن مثیلاتها المستمرة منذ توقیع اتفاق أوسلو والتی قاد فشلها إلى الوضع الراهن المشلول؟

إنها کما یبدو مجرد لعبة بوکر أمیرکیة، أدمن علیها کل "اللاعبین". لکن نتیجة ما یسمى "عملیة السلام" کانت صفرا حتى الآن لأن القضیة الفلسطینیة لیست لعبة بوکر، بل مصیر شعب ووطن تحت الاحتلال..!!.

ن/25

 

 

 

 

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 139852







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)