الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

هل أصبحت "المفاوضات بلا سلام" خیاراً إستراتیجیاً؟!

جواد البشیتی

 

13 دولة عربیة، یَنْتَظِم وزراء خارجیتها فی مؤسَّسة جدیدة، مثیرة للجدل والخلاف، وأُطْلِق علیها اسم "اللجنة العربیة "الوزاریة" لمتابعة مبادرة السلام العربیة"؛ وصفة "الطارئ" هی التی تَغْلُب على اجتماعاتها فی القاهرة، مقر جامعة الدول العربیة.

لا شیء من عملها، أو جهودها، أو قراراتها، یمتُّ بصلة واضحة ومباشِرة إلى تلک "المبادرة"، التی، على ما أقسموا ووعدوا وتعهَّدوا، لن تبقى على الطاولة إلى الأبد، وإنْ ظلُّوا على التزامهم "الذی لا أثر فیه لمعنى الفضیلة" للسلام "مع إسرائیل" خیاراً إستراتیجیاً "لا یُشْرِکون به خیاراً آخر".

"مبادرتهم"، التی وُلِدَت "سطراً واحداً"، فنَمَت حتى أصبحت "فقرات"، لم "تَقْتَنِع" إسرائیل بأهمیتها وجدواها وضرورتها؛ لأنّّها لم ترَ منها أنیاباً، ولا حتى أظافر، وکانت، وظلَّت، أشبه بصلوات کاهن؛ وإنِّى لأتوقَّع أنْ تقرِّر قمَّة عربیة مقبلة التخلِّی نهائیاً عن التزام السلام "المتأتی من طریق التفاوض" خیاراً إستراتیجیاً، وإعلان التزام الدول العربیة المفاوضات "وإنْ لم تؤدِّ إلى السلام" خیاراً إستراتیجیاً جدیداً!

"اللجنة"، وفی اجتماعها الطارئ الأخیر، فی القاهرة"، برَّت بوعدها، فالانتقال من المفاوضات غیر المباشِرة إلى المفاوضات المباشِرة لن یکون آلیاً، تلقائیاً، ولو کرهت حکومة نتنیاهو؛ ولقد اجتمعوا، واطِّلعوا، وتدارسوا، وحلَّلوا، واتَّصلوا؛ ثمَّ أعلنوا وقرَّروا، مُتحدِّین عقلاء العالم جمیعاً أن یفهموا شیئاً مِمَّا أعلنوا وقرَّروا؛ فإنَّ "عدم الوضوح "غیر الخلاَّق" والتناقض فی المنطق وَجَعْل البسیط من الأمور مسْتَغْلَقاً على الفهم" أصبح سیاسة عربیة خالصة.

فی قرارهم المُعْلَن، والوجیز، والذی فیه فحسب رکَّزوا کل ما لدیهم من وضوح، أو توضیح، قالوا لإدارة الرئیس أوباما "الجادة الصادقة فی سعیها إلى السلام، والتی تبدی وتُضْمِر کثیراً من النیَّات الحسنة الطیِّبة"، إنَّ "اللجنة" فوَّضت إلى رئیس السلطة الفلسطینیة محمود عباس أمْر الذهاب إلى المفاوضات المباشِرة"، تارکةً له أنْ یقرِّر هو بنفسه "متى یذهب"، أو "متى تبدأ هذه المفاوضات".

ما الذی فعله، أو اجترحه، "المُفَوِّضون" العرب، الذین فوَّضوا أمْرَهم إلى إدارة الرئیس أوباما، المٌفوِّضة أمْرها إلى نتنیاهوـ لیبرمان؟ عن هذا السؤال، أو التساؤل، أجابنا الأمین العام لجامعة الدول العربیة عمرو موسى إذ قال: "حاول نتنیاهو أن یضع الکرة فی ملعبنا، فلم ینجح؛ فنحن لم نمنحه هذه الفرصة، وأرجعنا الکرة إلى الملعب الإسرائیلی مرَّة أخرى"!

کلاَّ، لیس هذا هو الذی حدث، فنتنیاهو حاول وضع الکرة فی ملعب "اللجنة العربیة"، فما کان من هذه اللجنة إلاَّ أنْ وضعت الکرة فی ملعب عباس، إذ قرَّرت أنَّ رئیس السلطة الفلسطینیة هو وحده المخوَّل الآن، أو من الآن وصاعداً، أنْ یحدِّد ویقرَّر متى یذهب إلى المفاوضات المباشِرة مع نتنیاهو، فإذا انتهت هذه المفاوضات إلى ما انتهت إلیه مفاوضات التقریب غیر المباشِرة، فلن یتحمَّل المسؤولیة غیر هذا الذی لم یُحسِن تحدید وتقریر موعد بدء المفاوضات المباشِرة، التی صوَّرها نتنیاهو وباراک على أنَّها عصا موسى "النبی لا الأمین العام" التی بها سیُشقُّ البحر!

فی اجتماعهم "الطارئ"، وفی جلسته المُغْلَقَة، عرض الرئیس عباس "تقریراً مفصَّلاً عن نتائج المفاوضات غیر المباشِرة" التی تنتهی مهلتها "العربیة" فی الثامن من أیلول المقبل.

هذا "التقریر"، الذی فصَّل فیه عباس نتائج تلک المفاوضات، والتی فیها من معانی الفشل والإخفاق ما یسوِّغ فحسب إنهاء کل تفاوض مع حکومة نتنیاهو، ظلَّ طیِّ الکتمان، فإنَّ فی إذاعته على الملأ ما یُحْرِج کثیراً "اللجنة" وأعضاءها ودولها.

سؤالان وجَّههما عباس من قَبْل إلى حکومة نتنیاهو عبر إدارة الرئیس أوباما ولم یتلقَّ الجواب "الإسرائیلی" عنهما حتى الآن، وهما: "هل تقبل إسرائیل قیام دولة فلسطینیة بحدود 1967؟"، و"هل تقبل وقفاً تاماً للاستیطان فی الضفة الغربیة والقدس الشرقیة؟".

وإنِّی لأسْأل "هل یقرِّر عباس الذهاب إلى المفاوضات المباشِرة حتى قبل تلقِّیه الجواب "الإسرائیلی"؟".

عن السؤال الأوَّل، لم یُجِبْ نتنیاهو؛ ولکنَّ أوباما أجاب إذا أبلغ إلى الرئیس عباس فی رسالة اطَّلع علیها أعضاء "اللجنة" أنَّ الولایات المتحدة ما زالت مستمسکة بحلِّ الدولتین، وإقامة دولة فلسطینیة، وما زالت ترى فی إقامة هذه الدولة مصلحة حیویة لها.

رسالة أوباما هذه کانت خطِّیة، ولم تکن شفویة؛ ولقد اکتشف فیها عمرو موسى ما لتلک "اللجنة" من مصلحة فی اکتشافه، إذ قال: "تضمَّنت الرسالة من الإیجابیات ما یصلح أرضیة للمفاوضات". ردَّاً على هذه الرسالة، التی لم تُنْشَر، ولا ترقى إلى مستوى "الضمانات والتأکیدات الخطِّیة"، کتب وزراء الخارجیة العرب رسالة، سلَّموها إلى سفیرة الولایات المتحدة فی القاهرة، بعد خمس دقائق من انتهاء اجتماعهم، لتسلِّمها إلى الرئیس أوباما. رسالتهم، على ما قالوا، تضمَّنت شرحاً واضحاً وافیاً للموقف العربی فی شأن "اُسُس بدء المفاوضات المباشِرة"، وفی شأن "بعض الأُسُس والثوابت التی تخصُّ عملیة السلام برمتها".

وبحسب تصریح أدلى به عمرو موسى، تضمَّنت الرسالة العربیة "المتطلبات "لا الشروط" العربیة "للتفاوض ولعملیة السلام""، ومنها "وقف الاستیطان"، و"وقف تهوید القدس"، و"أن تکون المفاوضات المباشرة نهائیة، هذه المرَّة"، و"أن یکون لها سقف زمنی وجدول زمنی محدَّدین"، وأن "تتناول قضایا الوضع النهائی"، و"أن ینتهی حصار غزة"، وأن "تقدِّم إدارة أوباما "للفلسطینیین والعرب" ضمانات مکتوبة".

وبعد هذه "الصلابة" العربیة المغشوشة والخادعة والکاذبة بدأ "التمییع"، فبعض الدول العربیة حضَّت الرئیس عباس على ألاَّ یظل مصرَّاً على تلقِّیه "ضمانات وتأکیدات مکتوبة" من إسرائیل أو الولایات المتحدة، فإنَّ حصوله على "وعود شفهیة" فی أمْر إقامة دولة فلسطینیة بحدود 1967 یمکن أن یکون کافیاً، فأعضاء اللجنة أکَّدوا ما أکَّدوه غیر مرَّة من قبل ألا وهو عدم ثقتهم بأنَّ تقدُّماً فی عملیة السلام "وفی المفاوضات غیر المباشِرة والمباشِرة" یمکن أن یتحقَّق ما بقی نتنیاهو على رأس الحکومة الإسرائیلیة، وإصرارهم، فی الوقت نفسه، على المضی قُدُماً فی سعیهم إلى إقناع العالم، وإدارة الرئیس أوباما على وجه الخصوص، بأنَّهم قد أعطوا السلام من التنازل حتى فرغت أیادیهم، ولم یحصلوا، فی المقابل، من حکومة نتنیاهو إلاَّ على کل ما من شأنه أن یزیدهم کفراً بالسلام مع إسرائیل!

إنَّ لدیهم إیماناً لا یتزعزع، على ما أظهروا، بأنْ لا سلام مع إسرائیل ما بقی نتنیاهو رئیساً لحکومتها، وبأنَّ التفاوض مع هذه الحکومة، أکان غیر مباشِر أم مباشِر، هو مضیعة للوقت؛ ولکن لدیهم، فی الوقت نفسه، ثقة "لا أعرف من أین استمدُّوها" بجدیة إدارة الرئیس أوباما، وبنیَّاته؛ ثمَّ استخذوا، ولو قلیلاً، لسلطان "الحکمة"، فتساءلوا عمَّا إذا کان من الواقعیة فی شیء أن نتوقَّع تحقُّق السلام بـ "النیِّات الطیبة والصادقة" وحدها، وهم الذین لا یملکون أکثر ممَّا تملکه إدارة الرئیس أوباما "إذا ما افترضنا أنَّها تملکه" وهو "النیَّات الطیِّبة"!

فی الثامن من أیلول المقبل، تنتهی المهلة العربیة للمفاوضات غیر المباشِرة؛ وترید الولایات المتحدة "تلبیةً لمطلب إسرائیلی" الانتقال الآن وفوراً إلى المفاوضات المباشِرة، التی فوَّضت "اللجنة العربیة" إلى الرئیس عباس أمْر تقریر متى یذهب إلیها؛ أمَّا الرئیس عباس فینتظر الآن "الضمانات المطلوبة"، والتی قبل حصوله علیها لن یستطیع، على ما أعلن وأکَّد، فی القاهرة، الذهاب إلى المفاوضات المباشِرة.

وهذه "الضمانات" التی قد تصله من نتنیاهو مباشَرةً، أو عبر طرف غیر إسرائیلی، یجب أن تتضمَّن ما یؤکِّد قبول إسرائیل إقامة دولة فلسطینیة بحدود 1967، وقبولها، أیضاً، وقف الاستیطان.

وفی السابع عشر من أیلول المقبل، ستجتمع "اللجنة العربیة" لتقویم الوضع برمته، على ما أعلن عمرو موسى، قبل أن یلوِّح بـ "موقف عربی آخر" فی حال عدم نجاح المفاوضات المباشِرة، أو فی حال إقدام إسرائیل على أعمال استفزازیة فی أثناء تلک المفاوضات.

وفی السادس والعشرین من أیلول المقبل، ینتهی العمل بقرار الحکومة الإسرائیلیة "التجمید المؤقت" للنشاط الاستیطانی فی الضفة الغربیة، والذی اتَّخذته فی تشرین الثانی الماضی؛ وقد استبعد نتنیاهو احتمال "تمدید هذا التجمید".

إنَّ کثیراً من النشاط الاستیطانی قد عرفته الضفة الغربیة "والقدس الشرقیة على وجه الخصوص" بعد، وبفضل، هذا "التجمید"، الذی یمکن أن تصوِّر إدارة الرئیس أوباما نجاحها فی إقناع حکومة نتنیاهو بـ"تمدیده"، فی أثناء المفاوضات المباشِرة، على أنَّه إنجاز ما بعده إنجاز بالنسبة إلى الفلسطینیین وعملیة السلام!

لماذا قَبِلَت "لجنة المتابعة العربیة"، من حیث المبدأ، الانتقال إلى المفاوضات المباشِرة، تارکةً للرئیس عباس تحدید وتقریر متى یذهب إلى هذه المفاوضات؟ فی إجابة هذا السؤال، قالوا إنَّهم لم یقبلوا ذلک إلاَّ لإظهار حرصهم على إعطاء مزید من الفرص لعملیة السلام، ولتأکید ثقتهم بجدیة ونیَّات إدارة الرئیس أوباما. ولکنَّهم قالوا أیضاً غیر ذلک، وأهم منه، فوزراء الخارجیة العرب کانوا عازمین على رفض الانتقال من المفاوضات غیر المباشِرة إلى المفاوضات المباشِرة؛ ثمَّ "غیَّروا موقفهم بسبب الوضع العربی، والوضع المحیط بالدول العربیة"؛ ثمَّ سکتوا عن الکلام المباح، ولم یوضِّحوا معنى هذا الذی قالوا!

قبل بضعة أیام من اجتماع "اللجنة" فی القاهرة، قُلْنا إنَّ "مفاوضات التقریب "غیر المباشِرة"" نجحت فحسب فی تقریب مواقف إدارة الرئیس أوباما من مواقف حکومة نتنیاهو والتی هی مواقف تصلح لمنع کل تفاوض بینها وبین الفلسطینیین؛ وقلنا إنَّ هذا التقریب، أو التقارب، قد اقْتَرَن بـ "تباعُد" بین إدارة الرئیس أوباما والفلسطینیین، وإنَّ هذا "التباعد" یُشدِّد الحاجة إلى "طرف ثالث"، أو إلى "میتشل آخر"، یتوفَّر على التقریب بینهما فی وجهات النظر والمواقف.

وقلنا: إنَّ هذا "الطرف الثالث"، أو "میتشل الآخر"، إمَّا أن یتوفَّر على التقریب بین إدارة الرئیس أوباما والفلسطینیین من خلال إقناع تلک الإدارة بضرورة وأهمیة "التراجع عن تراجعها"، وبأن تصبح وسیطاً غیر منحاز، أو أقل انحیازاً، إلى إسرائیل، وإمَّا أن یتوفَّر على التقریب "السلبی" بینهما من خلال "إقناعه" السلطة الفلسطینیة بضرورة وأهمیة أن تبتعد عمَّا تلتزمه حتى الآن من مواقف ومطالب وشروط، لتقترب من إدارة الرئیس أوباما التی تزداد اقتراباً من نتنیاهو، أو من نتنیاهوـ لیبرمان.. وإنَّ أخشى ما نخشاه هو أن تأتی النتائج متَّفٍِقة مع توقُّعنا، الذی هو أنْ یتولَّى العرب "وقد تولُّوا" عبر "اللجنة" التی استحدثوها لتفویض المفاوِض الفلسطینی، بعد نیله تفویضاً فلسطینیاً، مهمَّة "إقناع" السلطة الفلسطینیة بضرورة وأهمیة أن تجنح لهذا التقریب السلبی "فلسطینیاً" بینها وبین إدارة الرئیس أوباما.

وقلنا أخیراً: إذا قُطِعَت، وأُنْهِیت، المفاوضات غیر المباشِرة والتقریبیة قبل انتهاء مهلتها، أو قبل انتهاء فترة "تجمید" الحکومة الإسرائیلیة للنشاط الاستیطانی، والذی لیس فیه شیء من التجمید، فإنَّ إدارة الرئیس أوباما یمکنها أن تدَّعی أنَّ المفاوضات المباشِرة قد بدأت، وتجرى، فی مناخ "التجمید" لهذا النشاط الذی هو أقرب إلى "النَشِط" منه إلى "المجمَّد"، وکأنَّ هذا "التجمید" یفیض عن حاجة المفاوضات غیر المباشرة، ویکفی حتى لبدء واستمرار المفاوضات المباشِرة!

لقد اقتربت مواقف الرئیس أوباما، واقتربت کثیراً، من مواقف "نتنیاهو ـ لیبرمان"؛ ثمَّ تولَّى الرئیس أوباما مهمة "إقناع" الدول العربیة و"لجنتها" بضرورة وأهمیة أن یَحْمِلوا السلطة الفلسطینیة على أنْ تقترب بمواقفها من مواقفه، التی شرحها وأوضحها على خیر وجه فی رسالته إلى الرئیس عباس، والتی اطَّلع علیها أعضاء "اللجنة" فی اجتماعهم الأخیر فی القاهرة.

الرئیس أوباما، فی رسالته تلک، دعا الرئیس عباس إلى البدء فوراً "وفی آب الجاری" بمفاوضات مباشِرة مع إسرائیل، محذِّراً إیَّاه من مغبة الرَّفْض، أی من مغبَّة البقاء مستمسکاً بمطالبه وشروطه، والتی فی مقدَّمها الوقف التام للنشاط الاستیطانی، وقبول حکومة نتنیاهو إقامة دولة فلسطینیة بحدود 1967.

وهذا "التحذیر" هو ما حَمَل "اللجنة" على إعلان قبولها المبدئی الانتقال إلى المفاوضات المباشِرة، وعلى "تفویض" أمْر "متى تبدأ" هذه المفاوضات إلى الرئیس عباس نفسه؛ وهذا "التفویض" لا یمکن فهمه إلاَّ على أنَّه دعم لأوباما ضدَّ عباس، وإنْ لیس فی الظاهر.

فی رسالته، "توقَّع" أوباما أن یشمل التفاوض المباشِر "کل قضایا الحل النهائی"، والتی تشمل، على ما أوضح أوباما وفصَّل، القدس الشرقیة وغور الأردن والبحر المیت وقطاع غزة. إنَّه "توقُّع" لیس إلاَّ؛ وتحقُّقه إنَّما یعنی أن یسمح نتنیاهو لعباس بأن "یناقِش" معه قضایا "مُحرَّمة" کقضیة القدس الشرقیة؛ ولن یصبح هذا "النقاش" تفاوضاً، یمکن أن یتوَّج بـ"اتِّفاق" إلاَّ إذا ارتضى "المفاوِض الفلسطینی" حلاًّ نهائیاً یلبِّی فیه معظم وجوهر الشروط والمطالب الإسرائیلیة.

تلک کانت "جَزَرة" أوباما الأولى؛ أمَّا "جَزَرته" الثانیة فکانت إعادة تأکید التزامه إقامة الدولة الفلسطینیة، واستعداده لـ "مساعدة الفلسطینیین على إقامتها فی حال لبُّوا طلبه البدء الفوری بمفاوضات مباشِرة مع إسرائیل"؛ فإذا لم یُلبُّوا لن یقدِّم إلیهم هذه المساعدة!

إنَّ أوباما، فی "جَزَرته" الثانیة، لم یأتِ على ذِکْر "خطِّ الرابع من حزیران "1967"" بصفة کونه المبدأ والأساس فی تعیین الحدود النهائیة والدائمة بین الدولة الفلسطینیة وإسرائیل.

وفی "جَزَرته" الثالثة، وعد الرئیس أوباما الرئیس عباس بأن یسعى فی إقناع نتنیاهو بـ "تمدید تجمید "الحکومة الإسرائیلیة" النشاط الاستیطانی"؛ فإذا لم یذهب الفلسطینیون "فی آب الجاری" إلى المفاوضات المباشِرة فلن یتمکَّن أوباما من مساعدتهم فی هذا الأمر، أی لن یتمکَّن من إقناع نتنیاهو بـ "بتمدید التجمید"، وکأنَّ هذا "التجمید"، الذی جاء بمزیدٍ من الاستیطان، هو الطریقة التی فیها فحسب یلبِّی أوباما "ونتنیاهو" مطلب عباس "الوقف التام للنشاط الاستیطانی"!

وإذا کان الرئیس عباس یشترط "لذهابه إلى المفاوضات المباشِرة" انهاء الحصار لقطاع غزة، فها هو الرئیس أوباما یحیطه عِلْماً بأنَّ طلبه "أو شرطه" هذا "قد تحقَّق" بما یسمح ببدء تلک المفاوضات.

ومع ذِکْر وشرح بعض "العصی" التی تضمَّنتها رسالة أوباما إلى الرئیس عباس، یصبح ممکناً التوصُّل إلى "فَهْم أدق" لقول عمرو موسى، فی معرض تعلیقه على تلک الرسالة، "إنَّها تصلح أرضیة لمفاوضات السلام"!

أوباما أبلغ إلى عباس أنَّ نتنیاهو أصبج جاهزاً الآن "أی بعد محادثاته معه فی البیت الأبیض" للانتقال إلى المفاوضات المباشِرة؛ وعلیه أن یکون مثله جاهزاً، فساعة المفاوضات المباشِرة أزفت؛ وإدارته لن تقبل أبداً رفض اقتراحها الانتقال فوراً إلى هذه المفاوضات، ولن تظل على ثقتها بالرئیس الفلسطینی إذا ما اختار الرفض؛ ولن تقبل أیضاً التوجُّه إلى الأمم المتحدة بدلاً من التوجُّه إلى المفاوضات المباشِرة؛ ولسوف یبدأ "وقد بدأ فعلاً" حشد التأیید العربی "تأیید دول "لجنة المتابعة"" والتأیید الدولی "تأیید الاتحاد الأوروبی وروسیا والأمین العام للأمم المتحدة على وجه الخصوص" لمطلبها الانتقال الفوری إلى المفاوضات المباشِرة.

قبل، أو قبیل، قرار "اللجنة" القبول المبدئی للانتقال إلى المفاوضات المباشِرة، وترک أمْر تحدید موعد الذهاب إلیها للرئیس عباس، کانت السلطة الفلسطینیة، أو بدت، مستمسکة بشرط، أو مطلب، "الوقف التام للنشاط الاستیطانی"؛ ولقد شرعنا الآن نرى التخلِّی عن هذا الشرط، أو المطلب، یُصاغ فی طریقة "ثوریة"، فـ"المُفَوَّض" الفلسطینی یقول "لن نقبل أبداً أن یعیش بیننا "فی أراضی الدولة الفلسطینیة" إسرائیلی "أی مستوطن" واحد"، وکأنَّه یرید أن یقول "سنذهب إلى المفاوضات المباشِرة، متخلِّین عن شرطنا، أو مطلبنا، الوقف التام للنشاط الاستیطانی؛ ولکنَّنا لن نقبل أبداً وجود ولو مستوطن واحد فی إقلیم دولتنا المقبلة".

هل معنى هذا أنَّ "المفاوض الفلسطینی" سیفاوِض توصُّلاً إلى أنْ تقام الدولة الفلسطینیة فی أراضٍ من الضفة الغربیة "والقدس الشرقیة" تخلو الآن من الکُتَل الاستیطانیة الکبرى؟!

وإنِّی لأتساءل، أیُّهما أفضل للفلسطینیین هذا الموقف "الثوری" أم الموقف "اللا ثوری"، الذی فیه یمکن أن یقول "المفاوِض الفلسطینی" إنَّ الفلسطینیین یریدون إقلیماً لدولتهم المقبلة یشمل قطاع غزة، وکل الضفة الغربیة "والقدس الشرقیة""، تقریباً، ویقبلون، فی مقابل ذلک، بقاء کل المستوطنین عندهم، بصفة کونهم جالیة إسرائیلیة أو مجنَّسین بالجنسیة الفلسطینیة؟!.

ن/25


| رمز الموضوع: 139853







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)