الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

«الأبارتهاید» والدسترة البنیویة لکیان التمییز العنصری

 

 

«الأبارتهاید» والدسترة البنیویة لکیان التمییز العنصری

 

ماجد الشّیخ

 

منذ أکثر من ستین عاما، والممارسات الاحتلالیة الإسرائیلیة، تحافظ على وتیرة تتصاعد بین الحین والآخر، ولکنها لا تتراجع؛ وهی تخطّ على الأرض أشد أنواع وأشکال عنصریتها التمییزیة، الموجهة ضد کل من تبقى من مواطنی الوطن الفلسطینی بعد نکبة عام 1948.

وبرغم استمرار وتواصل مدن الداخل الفلسطینی فی الجلیل والمثلث والنقب، إلاّ أنها خضعت وتخضع لسیاسات تضییق تمییزیة، هدفت وتهدف إلى محاولة طرد المواطنین الفلسطینیین من داخلها؛ على ما یجری فی عکا وحیفا ویافا والرملة وغیرها، وزرعها بمستوطنات وتجمعات یهودیة، أثبتت الأیام أنها بمثابة الخنجر المسموم فی ظهر أصحاب الأرض من أهل الوطن، فی وقت یجری حرمانهم من إقامة مدن جدیدة، أو حتى تطویر مدنهم الأصلیة، أو الأحرى تجمعاتهم فیها، حتى وهم یتعرّضون لسیاسات تمییز عنصریة وتطهیر عرقی یتواصل حتى الیوم، ما ألغى ویلغی عملیا أی إمکانیة بقیام أی نوع من أنواع المساواة بین السکان من الیهود، والفلسطینیین أصحاب الأرض والوطن الذی جرى احتلاله والاستیلاء علیه.

وکان الکنیست بأغلبیة أعضائه، قد أسقط مشروع قانون کان قد تقدم به عدد من النواب الفلسطینیین، نص على المساواة فی تقسیم الأراضی بین الیهود والفلسطینیین، وتضمن السماح للمواطنین الفلسطینیین بإقامة مدن جدیدة، فی الوقت الذی تعمل حکومات الاحتلال على تشریع إقامة مدن وتجمعات إستیطانیة جدیدة حتى للمتدینین من الیهود "الحریدیم" کمدینة حریش.

ولم تلتفت لإقامة مدن النقب "أربع مدن منذ عام 1948" إلا لکونها أرادت تجمیع مواطنی النقب فیها، بعد الاستیلاء على أراضیهم التی یملکونها ویجری الاستیلاء علیها بین الحین والآخر، عبر ما یسمى "الدوریات الخضراء" وجرافاتها التی ما تنی تواصل هدمها لقریة العراقیب للمرة الثالثة کنموذج لهدم 45 قریة نقبیة أخرى.

فلم یکن هاجس الحکومات الإسرائیلیة جمیعها، تحقیق ولو حد أدنى من حلم المساواة المغیّب وغیر القائم، بقدر ما کان کل ذلک یؤشر إلى الحد الأعلى من محاولات سلب الأراضی، ونزعها وانتزاعها من الفلاحین والبدو وإبعادهم عنها.

وحتى بین المواطنین الفلسطینیین أنفسهم، فإن حکومات الإحتلال مارست وتمارس المزید من أشکال التمییز المزدوج والمضاعف، وهی تلجأ إلى منح بعض المواطنین من أبناء الطائفة الدرزیة ومن البدو، قطع أراض محدودة للبناء علیها، وذلک بغیة تشجیعهم على الخدمة فی الجیش، فی سیاق تطبیقها لشعارها الدائم: أرض أکثر وعرب أقل!.

لقد سبقت التطبیقات العنصریة وسلوکها التمییزی "قیام الدولة"، تلک التی لم تُقم أساسها النظری فی الأصل إلاّ على أسس عقیدیة عنصریة، وحین قامت على الأرض؛ لم یکن باستطاعتها "إنجاز" أکثر مما أنجزته، فما استطاعت إقامة دولتها الیهودیة النقیة، کونها لم تستطع التخلص من کل أصحاب الأرض الأصلیین، وفی هذه "الدولة" وفی الظروف التی نشأت فی ظلها، لم یکن متاحا بالقطع إمکانیة إقامة تطابق أو تماثل بین رؤیتها لذاتها؛ وما قام فعلیا من بناء سیاسی ودستوری بقی ناقصا، حتى وهی تحاول مطابقة سلوکها النظری، وتلک الممارسة التی حملت بذور التمییز العنصری بحق أبناء الشعب الفلسطینی.

وها هی إسرائیل فی ظل ائتلافها الحکومی الیمینی المتطرف، تمضی إلى ابتکار المزید من التشریعات والقوانین الهادفة إلى تثبیت سیاسات تمییزیة، عبر قوننتها أو إضفاء المزید من "شرعیة التشریع" علیها، وإدراجها فی سیاق "سیاسة دولة" تمنهج تمییزها العنصری وتصوّبه فی اتجاه أبناء الشعب الفلسطینی، النقیض التاریخی للوجود الاحتلالی الصهیونی لأرض الوطن الفلسطینی.

وبحسب الائتلاف المناهض للعنصریة فی تقریر له نشر مؤخرا، فإن الکنیست الحالی هو الأکثر عنصریة منذ إنشائه، حیث زادت القوانین العنصریة التی تنتقص من حق الأقلیة الفلسطینیة، عن مجموع القوانین العنصریة السابقة بنسبة 70 بالمئة. وهی قوانین هدفت وتهدف لتحجیم دور الفلسطینیین فی القطاع المدنی.

ففی عام 2008 قدم للکنیست أحد عشر قانونا، وفی عام 2009 إثنا عشر قانونا، وفی العام الجاری هناک واحد وعشرون قانونا تحتوی جمیعها على بنود عنصریة ضد المواطنین الفلسطینیین؛ یقف وراءها أعضاء من الیمین المتطرف، وتتضمن الفصل بین الیهود والمواطنین الفلسطینیین، وتصل إلى حد المناداة بطرد أصحاب الأرض الأصلیین من وطنهم، بل وصلت الوقاحة ببعض أعضاء الیمین المتطرف، للتقدم من الکنیست بقانون أسموه "قانون طرد الغزاة"، وهو خاص بمواطنی النقب من البدو الذین تواجد أجدادهم على هذه الأرض منذ آلاف السنین.

وتشمل القوانین السابقة، الحکم بالسجن لمدة عام على کل من یشتکی من الظلم والتمییز، حیث أجیز هذا القانون بالقراءة الأولى، بالإضافة إلى تحریم ومعاقبة مستخدمی تعبیر النکبة. کما أجیز بالقراءة الأولى ذلک القانون الذی قدمه وزیر المواصلات إسرائیل کاتس، والقاضی بمحو الأسماء والشوارع الفلسطینیة واستبدالها بأسماء عبریة.

لکن أخطر ما أقدم علیه الکنیست الحالی الذی فازت بثقته حکومة الیمین القومی والدینی المتطرف، هو المصادقة على قانون یتیح للحکومة نهب أملاک اللاجئین الفلسطینیین، حین سمح بخصخصة واسعة النطاق لما یعرف بـ"أراضی الدولة"، ویمکّن الصندوق القومی لإسرائیل "الکیرن کیمییت" شراء أراضی اللاجئین الفلسطینیین بموجب ما یسمى "قانون أملاک الغائبین" ومن ثم بیعها للیهود.

وهذا القانون العنصری یتناقض وکل المواثیق الدولیة المناهضة للعنصریة، خاصة وأنه نص على أن السکن أو شراء الأرض فی القرى الزراعیة والقرى الصغیرة عموما، یتم بموافقة لجان قبول منبثقة من الوکالة الیهودیة والمؤتمر الصهیونی العالمی، مما یعنی حرمان أهل البلاد الأصلیین من السکن فی مناطق واسعة من أرض وطنهم، وهذا یکرّس الواقع القائم، حیث 94 بالمئة من الأراضی هی أراضی دولة "مصادرة أو جرى الاستیلاء علیها بالقوة وبالتزویر، وهی خاصة باللاجئین" یجری تأجیرها لفترات طویلة "49 أو 99 عاما وللیهود فقط" والباقی أراض خاصة: 3 بالمئة لمواطنین فلسطینیین و3 بالمئة لمهاجرین یهود.

وقد أکد د. أحمد الطیبی رئیس الحرکة العربیة للتغییر، وهو نائب رئیس الکنیست الحالی، أن هناک ما لا یقل عن 40 قانونا ساریة المفعول، تمیّز ضد فلسطینیی العام 1948 فی الجلیل والمثلث والنقب، وتعتبر قوانین عنصریة وفقا للمعاییر القانونیة الدولیة. وفی تمییز تام ومطلق، تدیر إسرائیل ثلاثة أنظمة حکم، هی وفقا للطیبی: نظام حکم دیمقراطی لنحو 80 بالمئة من السکان الیهود، وتلک "دیمقراطیة عرقیة". ونظام حکم قائم على التمییز العنصری موجه ضد 20 بالمئة من السکان، هم المواطنون الفلسطینیون الذین بقوا فی أرض وطنهم، بعد نکبة تشرید شعبهم فی العام 1948.

أما النظام الثالث فهو الاحتلال، حیث یمارس الإسرائیلیون فی ظله تمییزا عنصریا مماثلا لنظام الأبارتهاید فی جنوب إفریقیا، ضد الفلسطینیین الذین خضعوا للاحتلال منذ العام 1967.

وفی ثنایا القوانین والتشریعات الأساسیة، التی یجری السباق لإقرارها، یمضی الکنیست بأغلبیة نوابه من الیمین القومی والدینی المتطرف، نحو تحقیق هدف "تهوید الدولة"، بدءا من تجریم إحیاء ذکرى النکبة، وعبرنة اللغة، وفرض التدریس الإلزامی للنشید الإسرائیلی فی المدارس الفلسطینیة، وتطبیق إطلاق أسماء عبریة بدل العربیة على المدن والبلدات الفلسطینیة، وأداء قسم الولاء لإسرائیل بوصفها "دولة للشعب الیهودی" أو "دولة یهودیة".

وأحدث هذه الإجراءات والقوانین العنصریة هو ما اقترحه وزیر الخارجیة العنصری أفیغدور لیبرمان، بإدخال تعدیل على قواعد التعیین فی هذه الوزارة، وفی کل المؤسسات والوزارات، من شأنه منع الغالبیة العظمى من فلسطینیی الجلیل والمثلث والنقب من الانخراط فی السلک الدبلوماسی، أو فی الوظائف الحکومیة، کونهم لا یؤدون الخدمة العسکریة. وهو ما أقرته الحکومة یوم الحادی عشر من تموز "یولیو" الماضی.

لکن الأخطر فی نظر خبیر القانون الدولی د. حنا عیسى، هو ما أضحى یتبلور فی تشریعات أساسیة ترمی للانتقال نحو مرحلة جدیدة، فیها تتأهل إسرائیل لأن تکون أکثر استعدادا للإعلان عن کون التمییز جزءا من بنائها الدستوری، وقد تمثل هذا فی قوانین وتشریعات أساسیة، مثل قانون العودة "1952" قانون الخدمات الدینیة الیهودیة "1971" قانون الخدمة العسکریة "1986" قانون الحاضر- الغائب وقانون المصادرة من أجل الصالح العام، مشروع قانون المواطنة، "تعدیل تصریح الولاء 2009"، مشروع قانون سجل السکان "تعدیل- تصریح الولاء للدولة والعلم والنشید الوطنی 2009"، مشروع قانون یوم الاستقلال "تعدیل- حظر إحیاء یوم الاستقلال أو یوم إقامة دولة إسرائیل کیوم حداد" أی قانون النکبة. ومشروع القانون الأساس للکنیست "تعدیل تصریح ولاء عضو الکنیست"، تصریح ولاء للدولة کدولة یهودیة وصهیونیة ودیمقراطیة "!".

ولأن التمییز جزء من بنائها السیاسی والثقافی والأیدیولوجی، فإن بُناها الدستوریة والقانونیة لم تعد تحتمل ذاک الهامش، الذی نسی أو تناسى وجود بعض حقوق لا تکاد تُرى أو تُذکر، للمواطن الفلسطینی فی أرضه وفی وطنه، وها هی قوى الیمین الدینی والقومی المتطرفة، وهی تحکم الیوم فی إسرائیل، تحاول لحاق ما فاتها من تهوید وأسرلة واقع کیانها ووجودها العنصری، على حساب شعب وأرض الوطن الفلسطینی.

وما هذا الفیض التشریعی العنصری، والسلوک الیومی المتطابق عملیا مع تشریع القوانین العنصریة، سوى السهام الأخیرة فی جعبة محاولاتها، فرض منطقها الخاص للأبارتهاید، بطبعته الیهودیة- الصهیونیة، وهویتها العامدة إلى رفض مواجهة التاریخ، خوفا من المستقبل الذی لن یکون سوى مرآة لماضیها، ولحاضرها الإجرامی البشع بحق الإنسانیة؛ ولیس بحق الشعب الفلسطینی ووطنه فحسب.

ن/25


| رمز الموضوع: 139868







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)