الطریق إلى «أوسلو 2»

الطریق إلى «أوسلو 2»

حسام کنفانی

الیوم 13 أیلول/ سبتمبر تحل الذکرى السابعة عشرة لتوقیع اتفاق أوسلو. وللذکرى هذا العام رمزیّة خاصة، ولا سیما فی ما یتعلّق بتزامنها مع الجولة الثانیة من المفاوضات المباشرة المزمع عقدها فی شرم الشیخ. الخصوصیة لیست فی الجولة الثانیة بحد ذاتها، بل بالمفاوضات المباشرة عموماً والإطار الذی رسمته الإدارة الأمریکیة لها لتکون جزءاً ثانیاً لاتفاق أوسلو الأول.

عند بدء الحدیث عن المفاوضات المباشرة، لم یکن مخططاً لها أن تکون جزءاً ثانیاً لأوسلو، بل "الخاتمة السعیدة". هذا ما حاول الأمریکیون إقناع العرب والفلسطینیین به. لکنّ الأمور تغیّرت فی واشنطن بعدما خرج المبعوث الأمریکی جورج میتشل لیعلن الاتفاق على التوصل إلى اتفاق إطار" خلال عام.

"اتفاق إطار"؟ الاسم لیس غریباً على مسامع المفاوضین الفلسطینیین. الاتفاق هو نفسه الذی رفضه یاسر عرفات فی کامب دیفید عام 2000. یومها، باعتراف وزیر العدل الإسرائیلی فی ذلک الحین یوسی بیلین، وهو أحد مهندسی اتفاق أوسلو، "ابتدع" رئیس الوزراء الإسرائیلی فی ذلک الحین إیهود باراک "اختراعاً جدیداً هو الاتفاق الإطار تحسّباً للاتفاق على الوضع النهائی". ویزید بیلین أن "مناورة باراک هذه کانت تهدف بکل بساطة إلى القضاء على اتفاق أوسلو".

القضاء على اتفاق أوسلو الأول والتأسیس لاتفاق أوسلو الثانی، الذی سیؤدی إلى "الدولة المؤقتة"، التی سبق لعباس أن رفضها أیضاً. ورغم أنه لم یعلن القبول بها إلى الآن، إلا أن المسار سیؤدی إلى ما کان یخطط له نتنیاهو منذ البدایة، وهو "السلام الاقتصادی" مع اتفاق لا یقترب کثیراً من قضایا الوضع النهائی، التی ستترک للاختبار فی التطبیق المرحلی لبعض القضایا المتفق علیها، وهو ما سیمتد إلى عشرات السنین.

الصورة فی هذه الحال ستکون واضحة للمرحلة المقبلة، مرحلة اتفاق أوسلو الثانی. الطریق إلى مثل هذا الاتفاق لن تکون میسّرة، کذلک فإنها لن تکون مستحیلة، ولا سیما أن الأطراف العاملة فیها ستسعى إلى تزیین أشواک الطریق لتحویلها إلى ورود. لا مصلحة لأحد فی المرحلة الحالیة فی إسدال الستار على المفاوضات فی أیامها الأولى. إسرائیلیاً، وخصوصاً بنیامین نتنیاهو، لم تؤدّ المفاوضات الغرض الذی یبتغیه، وبالتالی هو بحاجة إلى مزید من الوقت لإبداء "حسن النیة" تجاه الولایات المتحدة، وبالتالی المساهمة فی تخفیف الحد الأدنى من التوتر الناتج من الصراع العربی الإسرائیلی، تمهیداً لفتح الطریق أمام إنشاء محور متکامل فی مواجهة إیران. على هذه الأسس یفاوض نتنیاهو، وعلى هذا الغرض هو قانع بضرورة البقاء على طاولة المفاوضات لأطول فترة ممکنة.

وأساساً هو لن یخسر الکثیر فی عملیة المفاوضات، ما دام الهدف "اتفاق إطار"، وما دامت "الحلول الخلاقة" فی طریقها لأداء دور فی القفز فوق عقبة الاستیطان والمستوطنات.

فلسطینیاً، کان صائب عریقات صریحاً جداً حین أعلن أن فشل المفاوضات یعنی نهایة السلطة. عریقات محقّ جداً فی ما یقوله، على اعتبار أن هذه المفاوضات هی الفرصة الأخیرة، فإما نجاح واستمراریة وإما تفجیر للوضع، سواء من السلطة أو من غیرها.

وبما أن الرئیس الفلسطینی محمود عباس غیر راغب فی التفجیر، وهو الذی یعدّ انتفاضة الأقصى أسوأ ما حصل للقضیة الفلسطینیة، فهو سیکون مستعداً للمضی قدماً فی التفاوض ولو بالحد الأدنى من الحلول للوضع النهائی أو الوضع المرحلی، لا یهم، ما دام الهدف هو منع نهایة السلطة الفلسطینیة.

أما العرب، وبالتحدید عرب الاعتدال، الذین باتوا الوکلاء الحصریین للقضیة الفلسطینیة فی الفضاء العربی، فهم بالأساس أصحاب الدفع باتجاه المفاوضات المباشرة وکل ما سیخرج منها.

کیف لا وهم بدأوا بتسعیر القضیة برمّتها. هذا ما یقوله أحمد أبو الغیط الذی قدّر "تکلفة السلام" بـ50 ملیار دولار. ماذا یقصد الوزیر المصری العتید بـ"تکلفة"، هل هی الأحبار التی ستسفح على ورق "اتفاق الإطار" أو الاتفاق النهائی؟ بالطبع لیس هذا هو المقصود، فالمؤکد أن ما قصده هو ثمن الحقوق التی ستتنازل عنها السلطة الفلسطینیة، سواء کانت لاجئین أو أرضاً أو میاهاً. وفق هذا المفهوم المصری، کل شیء له ثمن، وهذا ما تعمد القاهرة، ومعها عمان، إلى تلقینه للفلسطینیین للمضی قدماً فی الطریق إلى "أوسلو 2".

الولایات المتحدة أیضاً، التی وضعت کل ثقلها لدفع العجلة التفاوضیة، لیست فی وارد السماح بانهیار العملیة السلمیة عند العتبة الأولى، وهی بالتالی ستضغط بالاتجاهین، الإسرائیلی والفلسطینی، لتذلیل کل عقبة قد تقف فی وجه تلمیع صورة باراک أوباما.

هکذا ستکون "خریطة الطریق" الجدیدة إلى اتفاق الإطار، تمهیداً لإطارات أخرى لن یخرج منها الفلسطینیون رابحین.

ن/25