الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

المسألة هی فی أسباب تأسیس المحکمة الدولیة!!

 

المسألة هی فی أسباب تأسیس المحکمة الدولیة!!

وصل هذا التحلیل الى وکالة قدسنا من صبحی غندور مدیر مرکز الحوار العربی فی واشنطن

 

هل تقدر المحکمة الدولیة بشأن لبنان أن تحدّد المستفید من اغتیال الحریری؟! وهل یمکن فصل قرار إنشاء المحکمة عمّا کانت علیه إدارة بوش ونائبه تشینی و"المحافظون الجدد" من "رؤى" إسرائیلیة للبنان وللمنطقة العربیة؟ وهل اعتقال الضباط اللبنانیین الأربعة لمدة أربع سنوات ثم الإفراج عنهم بعد ثبوت براءتهم وبطلان شهادات الزور ضدّهم وضدّ غیرهم من أطراف لبنانیة وسوریة، هی مسألة هامشیة لا یجب التوقّف عندها فی سیاق "البحث عن الحقیقة"؟! وهل القضیة هی النتائج المتوقّعة من المحکمة فقط أم أنّ الأهم هو التساؤل عن أسباب وظروف تأسیسها؟!

فرغم شغف اللبنانیین بمتابعة التطورات الدولیة وبقدرتهم المتمیّزة على التحلیل السیاسی الذی یربط أصغر قضیة محلیة بأبعاد دولیة کبرى، فإنّ أفعال وسلوک معظمهم لا تخرج عن الدائرة الضیّقة للطائفة أو المذهب أو المنطقة. وهم یکونون کما یُولّى علیهم، ویُولّى علیهم کما یکونون.. فتتکرّر المأساة فی کلّ حقبة زمنیة، طالما أنّ جذور المشکلة کامنة فی العقلیة الضیّقة التی تتحدّث عن العولمة من جهة وتتصرّف بوحیٍ من مصالح الحی والشارع و"الزاروب" من جهةٍ أخرى!!

ولعلّ من المهمّ أن یتساءل اللبنانیون أیضاً، قبل الخلاف على موضوع المحکمة الدولیة وکیْل الاتهامات شرقاً وغرباً حول الجهة المسؤولة عن اغتیال رفیق الحریری، عن مدى مسؤولیتهم المباشرة فی توفیر المناخ المناسب للتدخّل الأجنبی وللأعمال الإجرامیة، کتلک التی أودت بحیاة رفیق الحریری، فمرحلة ما بعد انتهاء الحرب اللبنانیة کانت فرصة لبناء وطن جدید قائم على مشروع وطنی توحیدی، لکن الحکومات والمعارضات المتلاحقة أصرّت على المشروع الطائفی/ المناطقی/ المصلحی أولاً. وهاهو لبنان مرّةً أخرى یدفع الثمن باهظاً.

أطراف إقلیمیة ودولیة عدیدة وظّفت أرض لبنان وصراعاته المحلیة الضیقة من أجل مشاریعها الخاصة، لکنّ ذلک ما کان لیحدث لولا تعامل اللبنانیین "کما الأطراف الإقلیمیة والدولیة" مع لبنان بأنّه "ساحة صراع مصالح" ولیس وطناً واحداً لکلّ أبنائه.

فلا العدالة کانت مرجعیة الأطراف الدولیة المعنیة بالمسألة اللبنانیة، ولا المشروع الوطنی التوحیدی کان مرجعیة الأطراف اللبنانیة الفاعلة بالأزمة اللبنانیة.. وحده المشروع الإسرائیلی هو الذی یحاول نخر الجسم اللبنانی واستنزافه، مستفیداً من سلبیات العرب واللبنانیین بحقّ أنفسهم، ومن إیجابیات "المشاریع الدولیة" المتقاطعة مع مصالح المشروع الإسرائیلی فی لبنان وبالمنطقة عموماً.

أیضاً، فإن الهزیمة العسکریة لإسرائیل فی لبنان منذ عقدٍ من الزمن، واضطرارها للانسحاب من أراضیه بفعل المقاومة اللبنانیة، لم تکن هزیمةً نهائیة للمشروع السیاسی الإسرائیلی، بل سعت إسرائیل منذ تحریر لبنان من احتلالها عام 2000 إلى جعل أیّة مقاومة لها بمثابة إرهاب دولی یجب محاصرته وعزله، وإلى جعل الموقف من المقاومة اللبنانیة مسألة ینقسم علیها اللبنانیون کما هو الواقع اللبنانی الیوم.

ربّما یتفاءل البعض الآن بطبیعة "تعدّد الطوائف" فی کلٍّ من "الخنادق" القائمة منذ اغتیال رفیق الحریری، وبعدم وجود انقسام شبیه بحال لبنان عام 1975 بین منطقتین: شرقیة وغربیة بألوان طائفیة حادّة. هذا صحیح، لکن الصحیح أیضاً أنّ الحرب اللبنانیة اختِتمت فی أواخر الثمانینات بصراعات مسلّحة داخل کلّ منطقة بین میلیشیات وقوى المنطقة نفسها. وذلک یعنی أنّ المراهنین على إشعال الساحة اللبنانیة الآن یریدون حروباً أهلیة لبنانیة ولیس حرباً واحدة.. یریدون الصراعات بألوان سیاسیة "8 آذار و14 آذار- مع المقاومة أو ضدّها- مع سوریا أو ضدّها" بینما واقع الحال هو موزاییک من القوى الطائفیة والمذهبیة التی إن تصارعت فستکون صراعاتها بطابع "شرقیة/ شرقیة" و"غربیة/ غربیة"، ولیس صراعات سیاسیة فقط تستبعد العنف المسلح من أسالیبها.

من قتل رفیق الحریری؟، لیس هو السؤال فقط.. "لِمَ جرى قتل الحریری ولصالح من؟ ولماذا"؟ هو السؤال الأهمّ.. وقد تمرّ فترة طویلة من الزمن قبل معرفة الإجابة عن السؤال الأول کما حدث فی اغتیالات سیاسیة عدیدة فی العالم، لکن الإجابة عن السؤال الآخر ممکنة بل وواضحة الآن..

لقد کانت أزمات لبنان طیلة العقود الأربعة الماضیة وحتى الیوم مزیجاً من عوامل مرکّبة داخلیة وخارجیة تتحرّک معاً دائماً لتصنع أتون الحروب والصراعات المسلّحة. بل هکذا هو التاریخ اللبنانی المعاصر کلّه، منذ کان لبنان منطقة جبل لبنان فقط أیام حکم المتصرّفیة فی أواخر القرن التاسع عشر، وحیث جرت حرب بین الطائفتین المارونیة والدرزیة عام 1860 بتشجیع وتسلیح أجنبی فرنسی وبریطانی.

ثمّ هکذا کان الحال عام 1958 حینما شهد لبنان أحداثاً دمویة کانت هی أیضاً مزیجاً من عناصر أزمة سیاسیة داخلیة مع تحریک وتأثیر خارجی نتج عن إعلان مشروع حلف أیزنهاور والصراع الأمریکی مع مصر عبد الناصر..

وجاءت حرب نیسان/ أبریل 1975 لتؤکّد من جدید هذه الخلاصة عن تاریخ الأزمات اللبنانیة حیث امتزج الصراع الداخلی بأسبابه السیاسیة والاجتماعیة مع الأبعاد الإقلیمیة والدولیة، وتحدیداً حول الموقف الإقلیمی والدولی من الصراع العربی الإسرائیلی ومن الوجود الفلسطینی المسلّح فی لبنان.

وقد استطاعت إسرائیل فی احتلالها المباشر أوّل مرّة عام 1978 لمناطق لبنانیة عدیدة، ثمّ فی احتلالها وغزوها لمناطق أخرى وللعاصمة بیروت عام 1982، أن تکون هی أکثر العوامل تأثیراً فی الحرب اللبنانیة وفی انعکاساتها الفلسطینیة والسوریة والعربیة عموماً.

وامتزجت فی المخطّطات الإسرائیلیة بلبنان مشاریع التجزئة والتقسیم مع الاحتلال للأرض والسیطرة على المیاه، ومع القضاء على المقاومة الفلسطینیة المسلّحة، فضلاً عن إضعاف وإنهاک سوریا وإشغالها فی صراعات عربیة/ عربیة، بینما خطوات التسویة والمعاهدات کانت تجری على جبهات عربیة أخرى.

وإذا کانت إسرائیل هی العامل الأهم فی "الحروب اللبنانیة" وهی المستفیدة من تداعیاتها، فإنّها لم تکن دائماً فی موقع الرابح السیاسی. إذ صحیحٌ أنّ إسرائیل حقّقت أهدافاً کثیرة فی محطّات "الحروب اللبنانیة"، واستطاعت الوصول بغزوها العسکری عام 1982 إلى أوّل عاصمة عربیة، لکن أیضاً کان لبنان أوّل بلد عربی یُجبر إسرائیل على الانسحاب عام 2000 بفضل المقاومة المسلحة، لا حصیلة مفاوضات ومعاهدات.

وصحیحٌ أنّ إسرائیل دعمت أطرافاً لبنانیة فی الحرب وساهمت بإشعال معارک طائفیة عدیدة، لکنّها فشلت أیضاً فی تجزئة الوطن اللبنانی وانتصر "اتفاق الطائف العربی" على مشاریع التقسیم الطائفی الإسرائیلی؛ لکن المشاریع الإسرائیلیة بشأن لبنان لم تتوقّف فی أی یوم بدلالة نوع وعدد العملاء الذین یتمّ الکشف عنهم من قبل السلطات الرسمیة اللبنانیة، فلبنان ما یزال فی دائرة الاستهداف الإسرائیلی بغضّ النظر عن التغییرات التی حدثت وتحدث فی المجالین الدولی والإقلیمی.

إنّ قرار مجلس الأمن رقم 1559 للعام 2004 کان هو بدایة الأزمات السیاسیة والأمنیة التی شهدها لبنان فی السنوات الماضیة، ومن ضمنها الاغتیالات السیاسیة التی حدثت. فالقرار استهدف إنهاء الوجود العسکری السوری فی لبنان أولاً، ثم استهدف أیضاً ما هو أکبر من طاقة لبنان ومن مسؤولیة سوریا بعد انسحابها الکامل؛ لقد استهدف نزع سلاح "حزب الله" والمنظمات الفلسطینیة فی المخیمات، وکلتا الحالتین لیستا صناعة لبنانیة أو عربیة، بل هما نتیجة للسیاسة الإسرائیلیة العدوانیة لأکثر من نصف قرن.

إنّ إسرائیل هی الطرف المُغیَّب فی القرار 1559، فهی حین تُنهی احتلالها للأراضی العربیة، وحینما تقوم دولة فلسطینیة حقیقیة، وحینما تحصل بعد ذلک تسویات سیاسیة تنهی الصراع مع إسرائیل على الجبهتین السوریة واللبنانیة وتحقّق الحلَّ العادل لقضیة اللاجئین الفلسطینیین، یصبح بمقدور لبنان التنفیذ الکامل للقرار 1559، فالمقاومة اللبنانیة مرتبط سلاحها بوجود الاحتلال وبالتلازم المصیری بین الجبهتین السوریة واللبنانیة، والسلاح الفلسطینی فی المخیمات مرتبط بحلّ قضیة اللاجئین ومصیر مئات الآلاف منهم على الأراضی اللبنانیة.

إنّ التوافق اللبنانی حول هذا الأمر هو فی غایة الأهمّیة، إذ من شأنه أن ینزع عناصر التفجیر من أیدی القوى الخارجیة، أیّاً کانت هذه القوى.

ن/25


| رمز الموضوع: 139894







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)