qodsna.ir qodsna.ir

حصتنا وحصتهم من الإرهاب!

حصتنا وحصتهم من الإرهاب!

جواد البشیتی

 

الإرهاب لغة هو التخویف والتفزیع والترویع وبحسب هذا المعنى یمکن أن نرى الإرهاب فی سعی کل دولة إلى حشد وتطویر قواها العسکریة توصلا إلى ردع خصومها عن مهاجمتها أو إلى إرغام الخصم على تلبیة مطالبها من دون حرب وقتال أی عبر التفاوض. وبحسبه نستطیع القول إن الإرهاب فی هذا المعنى هو میل عسکری عالمی عام، کما نستطیع النظر إلى تلک الظاهرة العسکریة الإستراتیجیة المسماة الردع النووی على أنها إرهاب نووی. إن حشد وتطویر القوة العسکریة توصلا إلى إرهاب الخصوم یمکنهما بالتالی أن یمنعا الحرب، فیکتسب الإرهاب هذا المعنى الإیجابی.

أما فی معناه السلبی فالإرهاب هو کل عمل عسکری یستهدف قتل وإیذاء وترویع المدنیین العزل من أطفال ونساء وشیوخ مهما کانت غایاته ودوافعه السیاسیة، ومهما کانت الشرعیة التی یبرر بها هذا العمل، فالمدنیون قد یقتلون فی الحروب وهم یقتلون، ولکن قتلهم یجب ألا یکون هو الهدف أو الوسیلة فی أی صراع بالحدید والنار.

إسرائیل والولایات المتحدة تشترکان فی الخاصیة الجوهریة الآتیة: کلتاهما تنتج الإرهاب وتسعى فی الوقت نفسه فی محاربته والاستثمار فیه. کلتاهما لا تملک من المصالح والأهداف ومن الخواص وأسلوب الحیاة والصراع إلا ما یجعلها قوة منتجة للإرهاب والتزمت والتطرف القومی والدینی. وکلتاهما لیس لها من خیار فی الوقت نفسه إلا السعی فی القضاء على هذه الظاهرة التی أنتجتها وتعید إنتاجها.

أما الأسلوب الذی تتبعه کلتاهما فی مکافحة ومحاربة الإرهاب فهو فی نتائجه کمثل من یحاول قلع شجرة لیس من جذورها التی تضرب عمیقا فی تربته وإنما من أغصانها وفروعها. وکلتاهما تسول لها نفسها الاستثمار فی الإرهاب ذاته وفی نتائجه، فبعض من الإرهاب تجری ریاحه بما تشتهی سفینتها أو سفینتهما المشترکة ولا بأس بالتالی فی أن تکون لها أو لهما ید أو أصابع خفیة فیه.

على أن فهم الإرهاب على أنه منتج إسرائیلی أو منتج من منتجات النزعة الإمبریالیة للولایات المتحدة لا یعنی ویجب ألا یعنی أن المواد الأولیة لهذا المنتج لیست من عندنا، فهذه التبرئة للذات لا یعدلها سخف وسذاجة إلا تبرئة إسرائیل والولایات المتحدة من تهمة إنتاج وإعادة إنتاج الإرهاب، بمعونة ما لدینا من مواد أولیة، حان لنا أن نتلفها وأن نتخلص منها إلى الأبد.

ومع أننی لست من المعتقدین بجدوى محاربة الإرهاب فی داخل العقول والنفوس والنصوص وکأننا نسعى لإزالة الشیء من خلال إزالة صورته فی المرآة، فإننی أؤید الدعوة إلى حملة عربیة قومیة دیمقراطیة من أجل بتر واقتلاع الفکر "" التکفیری، الذی یتوفر دعاته وعلماؤه ومشایخه على تأویل النص الدینی فی طریقة تظهر الإسلام على أنه العقیدة التی یمثلها خیر تمثیل أسامة بن لادن وأمثاله من المجاهدین الذین عن وعی أو عن غیر وعی لا یعرفون من الجهاد إلا ما یعود بالنفع والفائدة على الولایات المتحدة وإسرائیل فی جهادهما فی سبیل القضاء على ما بقی لدینا من قوى البقاء القومی.

ولو أن حکوماتنا حررت سوقنا الفکریة وسمحت للمنافسة بأن تسودها لوجد شبابنا فیها غیر أولئک التجار من المشایخ وغیر بضائعهم الفکریة الفاسدة المغشوشة ولخرجوا أخیرا ومن دون الأسالیب البولیسیة فی مکافحة الإرهاب مع بضائعهم من تلک السوق.

من أراد حقا مکافحة الإرهاب، علیه أن یقر أولا بحاجة شبابنا الذین یرون العدم خیرا من الوجود إلى أن یبادل عدوه القومی أی إسرائیل والولایات المتحدة عداء بعداء وإلى تجربة سیاسیة تقنعه بأن لدیه من الحقوق والحریات الدیمقراطیة ومن احترام الحکومات وأنظمة الحکم لها ما یمکنه من أن یکون سید نفسه وصانعا للتغییر الذی یرید ویحتاج إلیه.

شبابنا لا یرى من وجود فعلی له فی الحیاة السیاسیة، وکأن الوطن سجن وسجان. ولا یرى من حکوماته فی کل معارک الدفاع عن الوجود القومی إلا الامتناع والمنع فهی ممعنة فی الامتناع عن الدفاع "غیر الإرهابی" وفی منع شعوبها ومجتمعاتها من أن تقوم هی بنفسها بالمهمة. شبابنا هذا لیس من خیار له إلا أن یستجیر من رمضاء حکوماته بنار مشایخ الإرهاب والتکفیر والتزمت وکأن حکوماتنا لم تحکم إلا بما یؤدی إلى تملیک هؤلاء المشایخ مستودعات بشریة!.

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 139910