إما الوحدة أو التنسیق مع إسرائیل
إما الوحدة أو التنسیق مع إسرائیل
عبد الستار قاسم
التنسیق مع إسرائیل نقیض الوحدة، ونقیض الشعب الفلسطینی، ونقیض الحقوق الوطنیَّة الثابتة للشعب الفلسطینی، ونقیض الاستقلال والحریَّة، التنسیق الأمنی مع إسرائیل عبارة عن استنزاف أخلاقی ووطنی ودینی وتاریخی ومعنوی وعاطفی وذهنی للشعب الفلسطینی فی الداخل والخارج، وهو وصمة عار مقرفة على جبین الشعب، إذا بقی هناک جبین، لقد وضعنا التنسیق الأمنی مع العدو الذی شرَّد الشعب واغتصب الأرض فی خزیٍ تاریخی أمام أنفسنا وأمام الأُمَم، وجعلنا أضحوکة للتندُّر والاستهزاء، من فی التاریخ وقف على أبواب جلَّادیه وقاتلیه ومغتصبیه یحرسهم وهم یزنون وینتهکون غیر أصحاب التنسیق الأمنی من الفلسطینیین؟ ولا یبدو أن الدعوة للخجل قد باتت تنفع.
فهل من الممکن أن تتمَّ وحدة الصف الفلسطینی على أرضیَّة التنسیق الأمنی مع إسرائیل؟ نحن أمام أمرین: إما أن نتوحَّد بناءً على الاعتراف بإسرائیل وخدمتها أمنیًّا، وإما على قاعدة العمل على استعادة حقوقنا.
ربما یقول أحد إن التنسیق مع إسرائیل یوصِّلنا إلى حقوقنا الثابتة، ولکن علیه أن یجیب کیف یمکن أن یستعید مظلوم حقَّه من خلال خدمة ظالِمِه؟ ربما یشفق الظالم علیه قلیلًا فیعطیه شیئًا، لکن الظالم لن یکون ظالِمًا إذا أعاد الحقوق لأصحابها، وقد جرَّب أصحاب التنسیق الأمنی على مدى عشرین عامًا تقریبًا، ورأوا أن طلبات إسرائیل الأمنیَّة لا تنتهی، وأنها لا تبحث عن إعادة حقوق، وإنما عن استعباد الفلسطینی لیکون حارسًا أمنیًّا لها وتحت إشرافها مقابل فتات من المال تقدِّمها الدول المانحة بإذن من إسرائیل ذاتها، حتى لقمة خبز هؤلاء الذین یتوهَّمون أنهم سیقیمون دولة تبقى تحت رحمة إسرائیل، وکان علیهم أن یتعلَّموا أن فلسطین قد تحوَّلت إلى راتب وسیارة ومتع لبعض القیادات، وأن ما یتغنَّوْن به من حقوق ثابتة لیست إلا مجرد شعارات إعلامیَّة لا قیمة لها.
مَن یُرِد الوحدة علیه أن یتوقَّف عن التنسیق الأمنی، أی علیه أن یرفض الاعتراف بإسرائیل، ویرفض کل ما ترتب على هذا الاعتراف، وله أن یختار ما بین الوحدة مع شعبه أو خدمة عدو شعبه، مَن یصافح العدو لا یصافح الشعب، ومن یلاحق بندقیَّة مقاتل فلسطینی لا یدَّعی أمن الشعب، ومن یتواطأ مع العدو یتوارى عند الحدیث عن الوطن والوطنیَّة.
لکی نحلَّ الأزمة، علینا أن نمیِّز بین الأمن المدنی والأمن الوطنی، الأمن المدنی یجب أن یکون بید الشرطة، مع ضرورة إحداث تغییر جوهری فی هیکلیَّتِها وإدارتها؛ أما الأمن الوطنی فلا یمکن تحقیقه من خلال أجهزة أمنیَّة علنیَّة، ذلک لأنها لا تملک القوَّة الکافیَة لمواجهة جیش نظامی کجیش إسرائیل، الأمن الوطنی یجب أن یکون بید المقاومة التی یجب تطویرها بطریقة تتلافى أخطاء الماضی، واختراقات الصفوف، والعشوائیَّة فی العمل، ولهذا من الضروری حلّ الأجهزة الأمنیَّة القائمة حالیا من مخابرات واستخبارات وأمن وقائی وغیر ذلک، واستیعاب أفرادها فی مؤسَّسات ومرافق مدنیَّة.. نحن لسنا بحاجة لمن یلاحقنا ویکتب فینا التقاریر، ویطردنا من أعمالنا، ویحاربنا فی لقمة عیشنا، نحن بحاجة لمن یقف معنا فی مواجهة إسرائیل.
ولهذا مطلوب من حماس أن تتوقَّف عن المطالبة بإصلاح الأجهزة الأمنیَّة؛ لأنها فی ذلک تعنی أنها ترید أن تکون شریکًا فی إدارتها والسیطرة علیها، نحن لسنا بحاجة لهذه الأجهزة فی الضفة الغربیَّة، ویجب حلُّها، المطلوب تطویر المقاومة على أُسُس علمیَّة ومهنیَّة، وإقامة قیادة موحَّدة سرّیة فی مکان سری فی هذا العالم، وعلینا أن نودِّع العلنیَّة فی العمل، والعنجهیَّة فی استخدام السلاح، وأظنُّ أن الجمیع أصبح على یقین بأن السلاح العلنی فی ظلّ الاحتلال إما سلاح خائن أو جاهل، وإذا کان لمحادثات المصالحة والوحدة أن تکون حقیقیَّة فإنه مطلوب من حماس وفتح أن یوکلا الأمر لخبراء فلسطینیین ومستقلِّین للتفکیر فی الوضع الأمثل للشعب الفلسطینی، ووضع میثاق جدید یلتزم به الجمیع.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS