فشل عربی وانتصار عالمی..!!
فشل عربی وانتصار عالمی..!!
فوزی الأسمر
منذ أکثر من نصف قرن والرأی العام العالمی یرى الصراع بین العرب وإسرائیل مشابها لقصة "جولیات الجبار والملک داوود" التوراتیة، حیث کانت الدول العربیة هی جولیات وإسرائیل هی داوود الذی یدافع عن وجوده ووجود شعبه.
وکانت النظرة أن إسرائیل هی الدولة المسکینة التی تعیش وسط بحر من الدول العربیة التی تکن العداء لها، وتعمل لیلا ونهارا من أجل اقتلاع هذه النبتة الغربیة من بینها. واستطاعت الدعایة الإسرائیلیة، والنفوذ الإعلامی الصهیونی من تکریس هذه الصورة حیث اتبعا إستراتیجیة حکیمة جدا، لدرجة أن إنتصار إسرائیل الساحق فی حرب 1967 أقنع الرأی العام العالمی أنها کانت تدافع عن نفسها.
وبرر الرأی العام العالمی، کل الجرائم التی ارتکبتها إسرائیل فی تلک الحرب والتی بدأت تظهر تدریجیا فی أعقابها على غرار قتل الأسرى من الجنود المصریین والمجازر التی ارتکبها الجیش الإسرائیلی ضدّ المدنیین العرب، وغیرها من سرقة ونهب، معللا ذلک بحجة "الدفاع عن النفس".
کما استطاع جهاز الدعایة الإسرائیلیة من إستغلال ضعف أجهزة الدعایة العربیة التی کانت تتعامل مع الرأی العام العالمی دون تنسیق بینها وبدون إستراتیجیة مشترکة للتعامل مع وسائل الإعلام العالمیة والمحلیة.
وحتى المتحدثین الرسمیین العرب لم یکونوا مزودین بوثائق تبرهن الحقائق التی جرت على الأرض والتی حاولوا عرضها على وسائل الإعلام العالمیة. وبالتالی فشل المتحدثون فی إقناع الرأی العالم العالمی بوجهة النظر العربیة، وبقیت صورة جولیات الجبار وداوود هی الأساس فی النظرة العالمیة إلى الصراع العربی- الإسرائیلی.
ولکن الأحداث فرضت نفسها؟ فمنذ الإنتفاضة الفلسطینیة الأولى، بدأت الصورة تتغیر، وظهر الشعب الفلسطینی الذی یحارب الإحتلال بمظهر داوود، والجنود الإسرائیلیین المدججین بالسلاح والعتاد بصورة جولیات الجبار. وقام الإعلام العالمی بدور فعال ومغطیا الإنتفاضة إعلامیا بل ودخل فی کثیر من التفاصیل التی کانت غیر معروفة للرأی العام العالمی، والتی شوهتها شبکة الدعایة الإسرائیلیة، خصوصا فی ما یتعلق بالحق الفلسطینی وتطلعاته الإنسانیة من أجل العیش بسلام.
ومع ذلک کانت الأحداث هی التی تفرض نفسها، وفشلت الدعایة العربیة فی تسویق هذا الحدث التاریخی، والذی إلتقطه الکثیرون من محبی السلام ومحبی حقوق الإنسان فی العالم، وبدأت الأمور تسیر.
تکررت العملیة مع الإنتفاضة الثانیة، فی أعقاب تحدی أرئیل شارون الرأی العام المحلی والعالمی بدخوله وجنوده إلى ساحة الأقصى ومسجد القبة حیث اندلعت الإنتفاضة الثانیة وغطى الإعلام العالمی هذه الإنتفاضة أیضا.
هذا التحول التدریجی والعفوی لدى الرأی العام العالمی، أزعج إسرائیل، وفقدت الکثیر من سلاحها التقلیدی خصوصا فی أعقاب حرب لبنان الثانیة حیث استهدفت فی الأساس المدنیین اللبنانیین بعد أن عجزت عن النیل من قوى المقاومة اللبنانیة. وفی أعقاب حرب غزة والمجازر التی وقعت أثناءها، والتی کرست فی وتقریر غولدستون الذی فاجأ الإسرائیلیین.
ووجدت القیادة الإسرائیلیة نفسها، خصوصا الحالیة، أنها تقف فی مهب ریاح الإنتقادات الصارمة، إلا أنها استمرت فی غطرستها وفی تحدى الرأی العام العالمی الذی بدأ یشعر أن إسرائیل تشکل تهدیدا على أمنه رغم تعاطف معظم حکوماته معها. ولم یعد سلاح "الکارثة الیهودیة" فعلا، ولا التهدید العربی باقتلاعها فعالا، ولا ما تسمیه بالإرهاب الفلسطینی والعربی له التأثیر السحری على الرأی العام.بل بدأت تظهر أمام الرأی العام صورة جدیدة: صورة الإرهاب الإسرائیلی الیهودی.
ووجد قادة إسرائیل أنفسهم مطاردین أینما کانوا، لدرجة أن بعضهم اضطروا إلى إلغاء زیاراتهم لدول تخولها القوانین فیها من اعتقالهم کمجرمی حرب، وإفشال محاضرات ممثلیها فی الجامعات، ومقاطعة الإنتاج والمصنوعات الإسرائیلیة، بالإضافة إلى المظاهرات الصاخبة فی أوروبا وأمریکا وغیرها من دول العالم.
ورصدت وسائل الإعلام الإسرائیلیة هذه الظاهرة الجدیدة، ونشر العدید من المقالات، کان آخرها مقالا مطولا نشرته صحیفة "هـآرتس" "10/11/2010" عن موضوع فشل الدعایة الإسرائیلیة شعبیا، رغم تأیید الحکومات للدولة العبریة، وقال کاتب المقال أن الدعایة الإسرائیلیة غیر مقنعة: "فیها تبریرات تقول أن الفلسطینیین کذابین، وأن غولدستون محتال ونصاب، کما أن القول أن الحرب على غزة جاءت لتوقف القصف الصاروخی الفلسطینی على المدن الإسرائیلیة کلام غیر مقنع".
أما صحیفة "یدیعوت أحرونوت" "10/11/2010" فقد ذهبت إلى أبعد من ذلک عندما کتبت أن: "المظاهرات العفویة التی تجری فی العالم ضدّ إسرائیل قد تسحب سجادة الشرعیة لوجودها من تحت أرجل الدولة". کما أضافت أنت العالم لم یعد ینظر إلى إسرائیل بصفتها "دولة دیمقراطیة".
فإذا أضفنا إلى ذلک المحاولات المستمرة لکسر الحصار عن قطاع غزة، والجریمة التی ارتکبتها إسرائیل ضدّ "أسطول الحریة"، وتنظیم هذه المحاولات عالمیا "ولیس عربیا"، وموقف الحکومة المصریة المخجل من الحصار على قطاع غزة، فإن الصورة تظهر أکثر وضوحا، بأن شعوب العالم بدأت ترى إسرائیل على حقیقتها.
ومواقف القیادة الإسرائیلیة المتغطرسة والمفرطة فی تحدیها للرأی العام العالمی، خصوصا تصریحات وزیر الخارجیة أفیغدور لیبرمان ورئیس الوزراء بنیامین نتنیاهو وغیرهما، واستمرار هذه القیادة فی تحدی الإدارة الأمریکیة، برفضها التوقف عن الإستمرار فی سرقة الأراضی الفلسطینیة وإقامة المستعمرات الیهودیة علیها، زادت من قوة المعارضة لإسرائیل.
کل هذا التحرک لم یستثمر عربیا بعد. ویعتقد البعض أنه من الأفضل أن لا یکون هناک تبنی عربی لهذه الفعالیات، ولکن لیس من الصعب وضع إستراتیجیة عربیة یمکن من خلالها استثمار هذا التحرک الشعبی الهائل، سیاسیا ودبلوماسیا. ولکن إذا ما دققنا فی الأمر، فإننا نرى أنه فی الوقت الذی یتحرک فیه العالم فی محاربة إسرائیل وأسالیبها، ضدّ الشعب الفلسطینی، یلجم الحکام العرب شعوبهم عن التحرک، والتعبیر عن غضبهم إزاء ما تقوم به إسرائیل.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS