الاثنين 24 جمادي الثانية 1447 
qodsna.ir qodsna.ir

عندما تصبح أمریکا حارسة لأحلام الشعوب

 

عندما تصبح أمریکا حارسة لأحلام الشعوب

أحمد الأشقر

 

فی الطریق إلى رام الله، تشعر للحظة ما کم أن أمریکا رائعة، وکم أن الشعب الأمریکی شعب محب للشعب الفلسطینی وداعم لآماله وتطلعاته، عشرات اللافتات الضخمة التی تملأ شوارع الضفة الغربیة تتحدث عن الإنجازات العظیمة التی حققتها الوکالة الأمریکیة للتنمیة الدولیة المعروفة بـ 'الیو أس أید'، إنجازات رائعة فی مجالات الأمن والتنمیة والاقتصاد والحکم والصناعة والثقافة وغیرها، حتى یخیل لک للحظة ما أن أمریکا دخلت بیوتنا ونامت على أسرتنا وأعطتنا جرعات مجانیة لمضاجعة الوهم حتى لا ننجب الحقیقة المرة.

ما الذی یحدث فی البلد؟ هل أصبحت أمریکا على حین غرة حارسة لأحلام الشعوب؟ من یحکم من؟ وهل الـ'یو أس أید' حکومة ظل للشعب الفلسطینی تقدم له الخدمات على کافة الأصعدة؟

فی الطریق إلى رام الله صور لفلسطینیین مبتسمین تحملها لافتات الـ'یو أس أید' المنتشرة فی کل مکان، أطفالا ونساء ورجالا، ترتسم البسمة على شفاههم، ابتســامة فلســـطینیة بنـــکهة أمریکـــیة، نکهة التمویل السخی لإنعاش الموت السریری فی الــحالة الفــلســـطینیة، تجمیل المیت المذبوح بقلیل من 'الماکیاج'.

فی غزة تسقط القنابل الأمریکیة على رؤوس الأطفال، وهنا یبتسم البعض عرفاناً لها ولدولاراتها الخضراء، هل أصبحت ثقافتنا خضراء بلون الدولار؟ فی العراق تدک البیوت بالصواریخ الامریکیة، وهنا نتسابق على 'بروبوزالات' تمویلیة لجلب الدعم واستدرار رحمة أمریکا العظیمة، هل أصبحت أمریکا رب السلام فی بلد محاصر بالحواجز والقتل والحصار والفیتو الامریکی؟ هل أصبحت أمریکا هبة الله للفلسطینیین الجوعى؟ ربما!

سیقول البعض ان الـ'یو أس أید' مؤسسة أهلیة لا أهداف سیاسیة لها، أو أنها مؤسسة إنسانیة تعنى بالمواطن الجائع والشعوب المقهورة، أو أنه لا ضیر من الضحک على ذقون 'الأمریکان' وسرقة أموالهم، سیقولون ما یقولون من وهم یسوغ هذا الجحیم الامریکی الذی ینصب على رؤوس أطفالنا فی کل مکان، لن أصدق أنا بالطبع، ولن یصدق کل من یملک ذرة وعی أن أمریکا أصبحت فی لحظة تاریخیة حاضنة السلام والحب، وأنها 'سانتاکلوز' الجدید الذی یقدم الهدایا لأطفال فلسطینیین فقدوا آباءهم شهداء او أسرى بأدوات امریکیة وأید صهیونیة.

سأحاول أن أقنع نفسی بذلک، ولکن! کیف سنقنع الفتیة الفلسطینیین وهم یخرجون من مدارسهم ویرون هذه اللافتات کل یوم بأن أمریکا لا تقدم الهدایا للشعب الفلسطینی؟ کیف سأقنعهم بأن الطائرات التی قضَّت مضاجعهم فی مدن الضفة الغربیة وهدمت البیوت على رؤوسهم هی طائرات أمریکیة؟ کیف وکیف وکیف، أنا أدرک أنَّ التاریخ لا یرحم، ولکنَّ أطفالنا بحاجة إلى انتباهة منا والتفاتة صادقة إلى حجم التخریب الذی بدأ یغزو وعیهم، التزییف المتعمد لحقیقة أن أمریکا هی العدو اللدود لآمال الشعوب المقهورة فی هذا العالم، أمریکا القنبلة النوویة الأولى، وملایین الاطنان من الدینامیت والصواریخ على کابول وبغداد لا یمکن أن تکون صدیقة لأحد، ولا یمکن للشعب الأمریکی الذی یصفق للإدارات الأمریکیة المتعاقبة ویدعم دولة الاحتلال فی جرائمها یمکن أن یکون رحیما ویقدم الهدایا لأطـــفال فلسطین، هذه الخطــــة الأمریکیة لغزو ثقافتنا تبدأ من تشویه وعی أطفالنا الذین سیکبرون الآن وهم أوفیاء لأمریکا التی بنت لهم المدارس وعبدت لهم الطرقات وأرســـلت آباءهم إلى نزهات فندقیة فی عواصم العالم، جیل کامل سیکون مؤمناً تماماً بأنَّ أمریکا لم تعد صدیقة للحکومات فقط، بل أصبحت منارة للإنسانیة والعدالة الاجتماعیة.

أین دور المثقفین الفلسطینیین من هذا الغزو الرحیم؟ غزو الإعلام والتمویل وتشویه الحقائق، قد أستطیع أن أکتب وأنا أعلم أننی لن أغیر فی حقیقة ما یحدث، ولکننی على الأقل أستطیع الآن أن أُعلّق لوحة کبیرة فی بــــاحة منــــزلی الصغیرة لیراها طـــفلای الصغیران کل یوم، وأن أرسم علیها صورة قنبلة وأکتب تحتها باللغة الانکلیزیة ' made in America ' وبالعربیة 'هدیة من الشعب الأمریکی' وطبعا لن أنسى أن أضع أیضا صورة الطفلة هدى أبو غالیة التی فقدت عائلتها على شاطئ غزة بالهدایا الأمریکیة ...

ن/25

 

 

 


| رمز الموضوع: 139931







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)