الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

جیش الاحتلال الصهیونی: بین الفساد الأخلاقی والضائقة البشریة

جیش الاحتلال الصهیونی: بین الفساد الأخلاقی والضائقة البشریة

 

عبد اللطیف الحناشی

 

نشأ الجیش الإسرائیلی على أنقاض العصابات الصهیونیة المسلحة التی قامت بغزو فلسطین وتهجیر سکانها سنة 1948، واعتمد عقیدة عسکریة تقوم على مبدأ الدفاع عن "حدود إسرائیل" ونقل المعرکة إلى أرض العدو، والتفوق العسکری والاستخباراتی تحت شعار الجیش الذی لا یقهر. ولعب "جیش الشعب" کما أطلق علیه دافید بن غوریون دورا مرکزیا فی صیاغة شکل الدولة والمجتمع.

وراهن بن غوریون على قدرة المؤسسة العسکریة على تحویل المهاجرین من مختلف أصقاع العالم إلى "شعب إسرائیلی جدید" یحرس وجود الدولة الجدیدة المحاطة بالأعداء من کل جهة. لذلک تم الاعتماد على الخدمة الالزامیة الجماعیة للرجال والنساء، سواء کانت متواصلة أو احتیاطیة، من سن الثامنة عشرة، حیث یمضی الرجال ثلاثة أعوام، والنساء عامین.

ویصل الجیش ‏‏الاحتیاطی الإسرائیلی الیوم إلى نحو 445000 جندی، فی حین یبلغ عدد جنود الجیش النظامی نحو 176500 جندی. وینظر الإسرائیلیون، عادة، للخدمة فی الجیش باحترام خاصة بالنسبة إلى معظم الشباب العلمانی. فهؤلاء یعرفون أن عدم تجندهم یقلل من احتمالات قبولهم فی وظائف نوعیة لدى القطاعین الخاص والعام؛ غیر أن أهالی هؤلاء الجنود یبذلون کل ما فی استطاعتهم حتى لا یخدم أبناؤهم فی وحدات میدانیة قتالیة..

لقد تمکن هذا الجیش خلال نحو ربع قرن من تأسیسه من تحقیق عدة انتصارات على الجیوش العربیة الرسمیة، لکن مع تحوّل طبیعة المواجهات مع العرب من حروب تقلیدیة إلى حرب العصابات سواء مع المقاومة الفلسطینیة أو اللبنانیة بالإضافة إلى انعکاس التحولات السیاسیة والتکنولوجیة والاجتماعیة والإعلامیة على بنیة الجیش مما فرض علیه إجراء بعض التغییرات فی مستوى الإستراتیجیة العسکریة والسیاسة الأمنیة، الأمر الذی أضعف من قدراته کقوة نظامیة مقاتلة فی ساحات الحروب وتحول أدائه من "مدافع عن حدود الدولة"، إلى جیش احتلال یمارس أبشع أنواع القمع والتنکیل بالمدنیین فی الضفة الغربیة وقطاع غزة دون أن یتمکن من تحقیق انتصارات نهائیة فانهزم فی لبنان عدة مرات وانسحب منها ذلیلا کما لم یتمکن من مواجهة الانتفاضة الأولى ولا الثانیة وانسحب من قطاع غزة ثم حاصرها انتقاما..

ونتیجة لکل تلک المستجدات والعوامل أخذ جیش الاحتلال الإسرائیلی یعانی من مشاکل نوعیة، کتزاید حالات الأمراض النفسیة والانتحار بین الجنود وتعدد حوادث سرقة السلاح من القواعد العسکریة، وسرقة حواسیب من سفینة "مرمرة" الترکیة بعد سیطرة الجیش علیها، إلى جانب عملیات التحرش الجنسی عن طریق العنف تجاه المجندات فی الخدمة الإلزامیة وعدم الشعور بالمسؤولیة والعنف الداخلی المتمثل فی التنکیل بالجنود من قبل الرتب الأعلى فی الجیش.. واتساع رقعة العصیان فی صفوفه بعد أن أصبح الجنود ینصاعون لأوامر الحاخامات لا لقادة الجیش، الأمر الذی یتناقض وقوانین المؤسسة العسکریة ویبدو، حسب أغلب الملاحظین أن هذه الظاهرة ستتفاقم ما دام هؤلاء لا یصغون إلى قادتهم بل إلى حاخاماتهم، خاصة إذا واصل الجیش تعامله مع المعاهد الدینیة العسکریة.

أما آخر فضائح جیش الاحتلال فتمثلت فی تهم ارتکاب إساءات جنسیة ضد فتیان فلسطینیین تم اعتقالهم على خلفیة قذف الحجارة، ثمّ فضیحة المجنّدة الإسرائیلیّة التی التقطت لنفسها صورا إلى جانب فلسطینیّین مکتوفی الأیدی ومعصوبی الأعین، وقامت بنشرها على صفحتها الخاصّة بالفیسبوک، لتضع تعلیقها أسفل الصّور المهینة: "أجمل فترة فی حیاتی"..

ویرى بعض المحللین الإسرائیلیین، أن أخطر ما یواجه الجیش الإسرائیلی فی الوقت الحالی هو ظاهرة رفض الخدمة العسکریة التی باتت تشکل خطرا حقیقیا على المؤسسة العسکریة نظرا لوصولها إلى الوحدات النخبویة فی الجیش، وارتفاع نسبة المتهربین من الخدمة. وکان رئیس هیئة الأرکان العامة للجیش، غابی أشکنازی، قد اعتبر الظاهرة بأنها "تنهش المجتمع والجیش فی الوقت نفسه".

وبیّن تقریر قدمته قیادة الجیش للکنیست، مؤخرا، أن 23 فی المائة من المجندین المطلوبین للخدمة یتهربون منها ولا یخدمون فی الجیش، وأن 18 فی المائة من الذین یلتحقون بالتجنید الإلزامی یفرون أو یتذرعون بأسباب توجب إیقاف استمرار خدمتهم.

ویرى البروفیسور ستیوارت کوهین، أستاذ العلوم السیاسیة فی جامعة بار- إیلان، أن التملص من الخدمة العسکریة فی الجیش الإسرائیلی لا یعتبر ظاهرة جدیدة على الإطلاق. إذ ارتفعت نسبة الذین لا یخدمون فی الجیش فی الأعوام العشرین الفائتة باطراد حیث بلغت نسبتهم سنة 1980 نحو 12.1 فی المائة ثم ارتفعت إلى 16 فی المائة سنة 1990 لتصل إلى 23.9 فی المائة سنة 2002 خاصة وأن من بین نسبة الـ25 فی المائة من الذین لا یخدمون فی الجیش هم من الشبان الحریدیم "11 فی المائة".

وحسب بیانات وحدة القوى البشریة بجیش الاحتلال الإسرائیلی، التی أوردتها صحیفة "هآرتس"، یتهرب حالیا نحو 5.700 شاب کل سنة، أی بنسبة 13 بالمائة من المرشحین للتجنید فی سن الثامنة عشرة، کما یقدر نفس المصدر متوسط الهاربین من التجنید بدایة من سنة 2019 إلى واحد بین کل أربعة إسرائیلیین، کما سیتوجه نحو 12.600 من الشباب الإسرائیلی فی سن التجنید للتدین أو لطرق أخرى کطریقة للتهرب من التجنید.

وکان رئیس أرکان الحرب غابی اشکنازی، قد صرح مؤخرا بأنه فی الفترة القریبة سیکون 50 فی المائة، من مجمل الشبان فی إسرائیل ممّن هم فی سنّ الثامنة عشرة لا یخدمون فی جیش الاحتلال، ویتشکل هؤلاء من 25 فی المائة من الحریدیم "المتدینین" و25 فی المائة من فلسطینیی 48، الذین لا یسری علیهم قانون التجنید الإجباری، باستثناء أبناء الطائفة العربیة الدرزیة، التی تفرض على أبنائها الخدمة بشکل قسری. ولکن من هم رافضو الخدمة العسکریة؟

یمیز المعلق العسکری فی الموقع الإلکترونی التابع لصحیفة "یدیعوت أحرونوت" رون بن یشای بین نوعین من "التهرّب" من الخدمة العسکریة:

النوع الأول أطلق علیه صفة "التهرّب الرمادی"، وهو الذی یحصل من قبل شبان مؤهلین من النواحی کافة للخدمة العسکریة القتالیة غیر أنهم یتوجهون إلى وحدات غیر قتالیة أو یتحررون من الخدمة العسکریة قبل إنهائها. وفی رأیه فإن معظم هؤلاء کانوا سیتهربون من الخدمة العسکریة لکنهم لم یفعلوا ذلک مخافة أن یوصموا بالعار اجتماعیا.

أما النوع الثانی فیتمثل فی تدفق الشباب من ذوی الکفاءات العالیة على الخدمة فی الوحدات المختارة الأمر الذی یساهم فی انخفاض مستوى الذین سینخرطون فی صفوف الوحدات القتالیة الاعتیادیة فی الجیش الإسرائیلی ویخلق أزمة فی تنشئة ضباط صف وقادة وحدات فی المستقبل.. وتقف وراء هذه الظاهرة عدة أسباب منها: الدینیة والتی تتمثل فی حصول عدد کبیر من الشباب المتدینین "الحریدیم" على إعفاء من الخدمة العسکریة بسبب انتسابهم إلى المعاهد الدینیة وتعلمهم التوراة؛ والدیمغرافیة نتیجة قلة الموالید فی الوسط الیهودی بالإضافة إلى تراجع مستویات الهجرة إلى إسرائیل.

واعتبر مسؤولون إسرائیلیون أن تنامی هذه الظاهرة یُمثّل تهدیدا استراتیجیا على الدولة وهو ما قد یُلغی نهائیا النظریة التی وضعها مؤسسو إسرائیل والقائلة أن الجیش هو جیش الشعب.

لذلک سعت المؤسسة العسکریة للبحث عن حلول لتجاوز هذا الخطر، إذ أخذ کبار الضباط بزیارة جمیع المؤسسات التعلیمیة والإشراف على ورشات عمل تعلیمیة بعنوان "الطریق إلى القیم"، وذلک بهدف تعزیز تعبئة المتخرجین فی وحدات النخبة التی تعمل فی مناطق "معادیة" مثل قطاع غزة ووضع حد للتراجع الحاد فی صفوف التجنید، ولتشجیع هذا الأمر تم الإعلان عن مکافآت مالیة ستمنح للمدارس التی تساهم فی تجنید أکبر عدد ممکن من المتخرجین بالإضافة إلى مجموعة من الجوائز کان قد نشرها الجیش الإسرائیلی فی وسائل الإعلام المختلفة. وتعتبر زیارات الضباط هذه جزءا من مشروع واسع النطاق یهدف إلى تعزیز العلاقات بین الجیش ونظام التعلیم.

کما اقترح المحرر العسکری فی صحیفة "هآرتس" مضاعفة عدد الحریدیم فی الجیش الإسرائیلی خاصة فی الوحدات المیدانیة القتالیة إلى 300 فی المائة، بالإضافة إلى التشجیع على انضمام الفتیات اللواتی یتذرعن بالتدین، واللواتی تصل نسبتهن إلى 20 فی المائة.

أما الجنرال إلیعازر شتیرن، قائد "قسم الموارد البشریة" فی الجیش الإسرائیلی، فاقترح إعفاء الجنود المسرحین من الخدمة العسکریة من دفع القسط الدراسی الجامعی شریطة أن یحصل الذی خدم لمدة ثلاثة أعوام فی الجیش الإسرائیلی، وطبعًا فی إطار الوحدات القتالیة، على ثلاثة أعوام تعلیم مجانا ولیدفع الذی لا یخدم فی الجیش الإسرائیلی قسطًا دراسیّا کاملا.

ویظهر أن نظریة بیت العنکبوت، التی کان الشهید یاسر عرفات، أول من تبناها، تحولت إلى قناعة عند بعض القیادات الإسرائیلیة أیضا، ومن بینها النائب الأول لرئیس الوزراء، الجنرال فی الاحتیاط، موشیه یعلون الذی استشهد بها عند حدیثه عن أوضاع الجیش الإسرائیلی. وتعنی هذه النظریة أن الدولة الصهیونیة دولة عظمى من الناحیة العسکریة والتکنولوجیة، غیر أن المجتمع الیهودی المهاجر فی إسرائیل هو مجتمع فسیفسائی یعشق الحیاة ولا ینقصه أی شیء، لذلک لا یرید أفراده خوض الحروب، وعلى أساس ذلک اعتقد عرفات وبعده حسن نصر الله أن الدولة العبریة هی مثل خیوط العنکبوت، فمن الخارج یراها المرء قویة، ولکنها تبدو هشّة، لمن یعرف خصائصها الاجتماعیة والنفسیة والسلوکیة.. لذلک فهی قابلة للتفکک والانشطار عند اشتداد الضغوط القویة علیها من قبل المقاومة النوعیّة.

ن/25

 

 

 


| رمز الموضوع: 139932







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)