الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الاستبداد فی خدمة «الموساد»!

الاستبداد فی خدمة «الموساد»!

صالح النعامی

 

من الشعارات الجوفاء، الشعار المضلل الذی یُصور العالم العربی وکأنه مقسوم إلى فسطاطی "إعتدال" و"ممانعة"، وهو تصویر فیه الکثیر من المبالغة. وإن کانت الدول العربیة المنضویة تحت لواء "الإعتدال" هی الدول التی تتساوق مع المشروع الصهیوأمریکی، فإنه یتوجب إعادة تعریف "الممانعة"، ووضع معاییر حقیقیة لعضویة نادیها.

إن أی دولة تُدار من قِبل نظام دیکتاتوری قمعی لا یمکن أن تکون "ممانعة"؛ فالدیکتاتوریة والطغیان هما أخطر داء یمکن أن یُصیب جهاز المناعة لأی شعب أو أمة. فوجود مثل هذه الأنظمة هو الذی یوفر البیئة الخصبة لاستغوال أمریکا والکیان الصهیونی، فهدف الدیکتاتور الأسمى هو الحفاظ على کرسیه، وهو مستعد لقبول کل شیء من أجل بقائه فی الحکم.

النظام "الممانع" هو النظام هو الذی یصون حقوق مواطنیه؛ لا یعتقلهم ولا یُعذبهم، ولا یُحاربهم فی أرزاقهم دون جریرة ارتکبوها إلا لتبنیهم آراء لا تروق للطغاة! الطغاة عبید لکراسیهم، والعبید لا یُحررون أوطاناً ولا یعزون أمة! من یسوم شعبه صنوف العذاب لن ینتصر لحرمات شعب فلسطین التی تُنتهک، فهذه الأمور لا تدخل فی نطاق أولویاته، وکل ما یعنی هؤلاء الأقزام هو العمل على عدم انتقال عدوى التمرد على واقع الذل إلى شعوبهم.

مشهد یعکس بشاعة النفاق العالمی وازدواجیة المعاییر. ولقد بیَّن أن أکثر ما یُرعب الکیان الصهیونی والمهووسون بـ"دیمقراطیته"، هو أن یُترک الخیار للعرب فی اختیار من یرونه مناسباً لإدارة شؤون الحکم لدیهم. وأنه کان أمر بالغ الدلالة ما کشف عنه تلیفزیون الکیان باللغة العبریة بتاریخ 10/ 10/ 2005 حول تفاصیل اجتماع عقده رئیس وزراء الکیان الأسبق "آرئیل شارون" وعدد مقلص من وزرائه مع کبار قادة الجیش وأجهزة الاستخبارات الإسرائیلیة حول تصور العلاقات المستقبلیة مع العالم العربی.

فقد کان من اللافت أن هناک إجماعاً بین "شارون" وقادة أجهزته الأمنیة على أنه من مصلحة الکیان الإبقاء على أنظمة الحکم الشمولیة فی العالم العربی. لیس هذا فحسب، بل إن المجتمعین توصلوا إلى استنتاج مفاده أن التحول الدیمقراطی فی العالم العربی، وبالذات فی الدول التی تُحیط بالکیان الاحتلالی، سیُفاقم المخاطر الاستراتیجیة على وجود الدولة العبریة نفسها.

المجتمعون الذین استمعوا إلى تصورات قدمها عدد کبیر من المستشرقین الصهاینة وعدد من کبار قادة أفرع المخابرات الذین تعاطوا مع الشؤون العربیة خلصوا إلى نتیجة مفادها: أن التحول الدیمقراطی فی العالم العربی سیُفضی بالضرورة إلى وصول نُخب سیکون من المستحیل على الدولة العبریة التوصل معها لتسویات سیاسیة وفق بوصلة المصالح الإسرائیلیة. ولم یکن ثمة خلاف على أن وصول الإسلامیین إلى الحکم یعنی فیما یعنی أن الصراع بین العرب والکیان الصهیونی لن یُحل إلا عن طریق الحسم العسکری، الأمر الذی یعنی أن على الدولة العبریة ألا تُعید سیفها إلى غمده أبداً...، کما یقول المؤرخ الصهیونی "بنتسیون نتنیاهو" والد رئیس الوزراء الصهیونی "بنیامین نتنیاهو".

الدیمقراطیة تعنی التشبث بالحقوق

وینضم ما توصل إلیه صُناع القرار فی الدولة العبریة من سیاسیین وعسکریین من استنتاجات قاطعة، إلى فیض من الأحکام التی توصل إلیها عدد من کبار الباحثین الصهاینة حول خطورة تحول العالم العربی نحو الدمقرطة. "البرفیسور یحزکیل درور" الذی یوصف بأنه "أبو الفکر الاستراتیجی والسیاسی" یقول فی صحیفة الصفوة "هآرتس" بتاریخ 04/ 03/ 2005: "أنا مع الدیمقراطیة، ولکن هیا نتخیل دیمقراطیة فی مصر أو فی الأردن! فهل هذا سیُعزز سلامهما مع "إسرائیل"؟ بالطبع لا. النُخب الحاکمة تفهم الحاجة للسلام، ولکن الجمهور فی الشارع، الجماهیر فی الأسواق، بالتأکید لا. استطلاعات الرأی العام فی مصر تُظهر بوضوح أن الجمهور لا یؤید السلام مع "إسرائیل"".

ویُضیف "درور" أنه على مدى تاریخ الصراع العربی- الإسرائیلی فقد کان للجماهیر العربیة دوماً توجهات "لا سامیة" أکثر من الحُکام العرب الذین کانوا فی حاجة للیهود. ویخلص "درور" إلى القول إن التحول الدیمقراطی فی العالم العربی یعنی اندفاع العرب نحو التشبث بحقوقهم.

التعلق بـ"إسرائیل"!

ویصل "بن کاسبیت" المعلق الصهیونی البارز فی صحیفة "معاریف" إلى نفس الاستنتاج حیث یقول: "إن "إسرائیل" لا یُمکنها أن تعیش فی ظل تحول العالم العربی نحو الدیمقراطیة، حیث إن الرأی العام العربی معادٍ للسلام معها، فی حین تعی الدیکتاتوریات العربیة أهمیة علاقاتها بـ"إسرائیل"".

وفی "مزایا" الأنظمة الدیکتاتوریة التی یُشدد علیها کبار الباحثین الصهاینة هی حقیقة ارتکاز هذه الأنظمة على موقف الإدارة الأمریکیة کمصدر لشرعیة بقائها، فی حین أن الأنظمة الدیمقراطیة تستند إلى شرعیة نتائج الانتخابات النزیهة التی یُملیها الشعب، کما یرى المستشرق "جای باخور" الباحث البارز فی مرکز "هرتسلیا متعدد الاتجاهات" فی صحیفة "یدیعوت أحرنوت" بتاریخ 18/ 01/ 2004. ویُنوه "باخور" إلى: أن حقیقة حرص الأنظمة العربیة الشمولیة على مواءمة سیاستها مع السیاسة الأمریکیة طمعاً فی البقاء، جعلها ترى فی مغازلة "إسرائیل" والتودد لها بمثابة "جواز السفر" لقلب صُناع القرار فی واشنطن!

ویجزم "باخور" بأن مبادرة أنظمة الحکم العربیة للتطبیع مع "إسرائیل" تأتی فقط لعدم استناد هذه الأنظمة إلى شرعیة الانتخابات، حیث إن کل ما یهم هذه الأنظمة هو بقاؤها، ولیس مصالح شعوبها...

ومن المفارقة أن "باخور" یصل لاستنتاج مثیر حیث یوصی صُناع القرار فی الدولة العبریة بتجاهل مبادرات التطبیع التی تُبدیها الأنظمة العربیة!!!

یُساعدون "الموساد"

ویُشیر الجنرال المتقاعد "دانی روتشیلد"، الذی شغل فی السابق منصب رئیس قسم الأبحاث فی شعبة الاستخبارات العسکریة الإسرائیلیة "أمان" إلى حقیقة إستفادة "إسرائیل" دوماً من حقیقة حصر الأنظمة الشمولیة فی العالم العربی اهتمامها فقط بالحفاظ على استقرارها، وعدم ارتباطها بمصالح شعوبها الوطنیة والقومیة.

وأضاف فی حدیث مع الإذاعة الإسرائیلیة باللغة العبریة بتاریخ 23/ 07/ 2005: "الحکومات التی یتم فرزها دیمقراطیاً تکون ملتزمة بالعمل على تحقیق المصالح الاستراتیجیة لدولها، لذا فإن هناک مصلحة إسرائیلیة واضحة وجلیة فی بقاء أنظمة الحکم العربیة الحالیة"...

من ناحیته یرى الکاتب والمعلق السیاسی الشهیر "آلوف بن": "أنه لیس من مصلحة "إسرائیل" تحول العالم نحو الدیمقراطیة وذلک لأن "إسرائیل" فی هذه الحالة ستفقد خصوصیتها کـ"واحة" للدیمقراطیة فی منطقة تحکمها الدیکتاتوریات، وبذلک تفقد تل أبیب الحق فی الزعم بأنها الدولة الوحیدة فی المنطقة التی تربطها قواسم مشترکة مع حضارة الغرب".

ویعتبر الإسرائیلیون أن الدیکتاتوریات فی العالم العربی أفرزت مع مرور الوقت قادة ضعافا، وبوجود هؤلاء القادة تصبح "إسرائیل" هی التی تمنح السلام لهم، لا أن تصنعه معهم، کما یقول "بنیامین نتنیاهو" صحیفة "هآرتس" 18/ 04/ 2005.

ویؤکد "عکیفا إلدار" أن "إسرائیل" وجدت فرصتها الذهبیة فی ممارسة الضغوط على القادة العرب الضعاف، حیث إن هؤلاء أبدوا دوماً قدراً کبیراً للاستجابة للضغوط التی مارستها علیهم تل أبیب. ولا یُساور "إلدار" شک فی أن "إسرائیل" ستفقد هذه القدرة فی حال تم استبدال الأنظمة الشمولیة فی العالم العربی بأنظمة دیمقراطیة.

وقد وصل الأمر إلى درجة أن کبار قادة أجهزة المخابرات الإسرائیلیة یرون أن هناک علاقة وثیقة بین هیمنة الأنظمة الدیکتاتوریة فی العالم العربی وبین استعداد المواطنین العرب على السقوط فی حبائل المخابرات الإسرائیلیة وقبول عدد کبیر منهم للعمل لصالح هذه المخابرات!

ویقول "رافی إیتان" الذی شغل منصب قائد وحدة تجنید العملاء فی جهاز "الموساد" المعروفة بـ"قیساریا" فی حدیث مع التلفزیون الإسرائیلی بتاریخ "15/ 02/ 2006": "إن وجود أنظمة حکم شمولیة فی العالم العربی سهل على "الموساد" تجنید العملاء من العرب". ویُفسر إیتان ذلک بالقول: "إن وجود أنظمة حکم قمعیة تقتل الشعور بالإنتماء لدى المواطن العربی، وهذا یوفر البیئة المناسبة لتجنید العملاء من أوساط العرب".

إنه إزاء هذا الموقف الصهیونی الواضح والجلی من قضیة دمقرطة العالم العربی فإنه یبدو حجم مساهمة الدیکتاتوریات العربیة فی تحقیق مصالح الدولة العبریة بشکل مباشر وغیر مباشر، وإنه یتوجب التخلص من هذه الأنظمة والانتقال للانظمة الدیمقراطیة ولو من أجل تحسین ظروف العالم العربی فی المواجهة مع "إسرائیل".

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 139937







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)