إسرائیل و الاخفاقات الامیرکیة تجاه ایران
هذا التقریر أعده "فالی نصر" "Vali Nasr"، أستاذ السیاسة الدولیة بـ "کلیة فلیتشر للقانون والدبلوماسیة" " Fletcher School of Law and Diplomacy"، وباحث متخصص فی دراسة الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجیة "Council on Foreign Relations (CFR)"، و "رای تاکیه" "Ray Takeyh" الباحث بمجلس العلاقات الخارجیة و ستنشر بمجلة "الشئؤن الخارجیة" ذائعة الصیت التی تصدر عن مجلس العلاقات الخارجیة خلال عددها عن شهری ینایر/ فبرایر 2008،
خلال السنوات الماضیة، أصبح هدف احتواء إیران هدف أساسی فی السیاسة الأمریکیة تجاه منطقة الشرق الأوسط.، فواشنطن تزعم ان طهران مسئولة عن التمرد فی العراق وأفغانستان، والتأزم اللبنانی، وعناد حرکة المقاومة الإسلامیة "حماس"، واختلال میزان قوی المنطقة لصالح إیران والقوی الإسلامیة الحلیفة لها، فکبح إیران من الوجهة الأمریکیة أصبح أمراً ضروریاً للأمن القومی الأمریکی.
وقد عبر عن هذا نائب الرئیس الأمریکی "دیک تشینی" "Dick Cheney" فی مایو الماضی من على حاملة الطائرات (U.S.S. John C. Stennis) الموجودة بمیاه الخلیج الفارسی من أن الولایات المتحدة سوف تقف مع حلفائها بالمنطقة فی مواجهة التطرف والتهدیدات الإستراتیجیة، وفی وجه أعداء الدیمقراطیة، وهو ما أکدت علیه وزیرة الخارجیة الأمریکیة "کوندالیزا رایس" "Condoleezza Rice" من أن إیران تشکل التحدی الرئیسی للولایات المتحدة ودول منطقة الشرق الأوسط. وفی تلک الأثناء فإن تسریع البرنامج النووی الإیرانی یعزز من مخاوف الولایات المتحدة والمجتمع الدولی.
هذا وقد رکزت الولایات المتحدة على أن الحرس الثوری الإیرانی یسعی إلى نشر أسلحة الدمار الشامل، واتهام "جیش القدس" برعایة الجماعات الإرهابیة، مما یمکن وزارة الخزانة الأمریکیة من استهداف أصول تلک الجماعات، وکذلک الجیش الأمریکی من مضایقة واعتقال عدد من أفرادهما فی العراق، ولهذا فواشنطن تسعی إلى الحصول على تأیید الأنظمة العربیة المعتدلة حیال سیاساتها تجاه إیران.
تهدف واشنطن لتقویض التأثیر الإیرانی بمنطقة الشرق الأوسط من خلال تقلیل مکاسبها وعدد المؤیدین والداعمین لها. فواشنطن تهدف إلى بناء خط صد من لبنان إلى عُمان لفصل إیران عن جیرانها العرب، فقد نجحت فی الحصول على دعم الأنظمة العربیة المعتدلة المعارضة للسیاسات الإیرانیة فی العراق، لبنان والأراضی الفلسطینیة. ولتعزیز القوی الخلیجیة فی مواجهة القوى الإیرانیة أعلنت واشنطن على لسان وزیرة الخارجیة "رایس" أنها سوف تزود بما یقدر بـ 20 ملیار دولار صفقات أسلحة للمملکة العربیة السعودیة والدول الخلیجیة. وتلک الصفقة حسب مساعد وزیرة الخارجیة "نیکولاس بیرنز" "Nicholas Burns" تهدف لتعزیز القوی الخلیجیة الدفاعیة. ومن خلال العدید من الاجتماعات السریة والمؤتمرات الإقلیمیة، فإن إدارة بوش ترید تجدید عملیة السلام الإسرائیلیة الفلسطینیة جزئیا على أمل إعادة ترکیز طاقات حکومات المنطقة على التهدیدات الإیرانیة.
إن فکرة احتواء إیران لیست فکرة مبتکرة، ولکن منافع واشنطن من احتوائها هی الشیء الجدید. فمنذ قیام الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة والإدارات الجمهوریة والدیمقراطیة تتبنی سیاسات ومخططات لتقلیل من اندفاعیة قیام حکومات دینیة. ولکن إدارة بوش تری أن احتواء إیران هو مفتاح حل العدید من قضایا المنطقة.
ومنذ فترة طویلة تتفق تل أبیب مع العدید من الدول العربیة فی ضرورة کبح القوی الإیرانیة وصعودها الثوری، مما یدفع حرکة حماس إلى القبول بالاتفاقیات الفلسطینیة ـ الإسرائیلیة. وبحل الصراع العربی الإسرائیلی سوف ترکز الدول العربیة قواها على مواجه الخطر الایرانی الأکثر إلحاحا. وبعیدا عن العدید من المشکلات والأزمات التی یموج بها الشرق الأوسط، یری العدید من مسئولی الإدارة الأمریکیة أن الفوضى وعدم الاستقرار یقوضان من فرص تل أبیب وواشنطن لتشکیل المنطقة بما یخدم مصلحتهما وهیمنتهما. وفی واقع الأمر یری الکاتبان أن سیاسة احتواء إیران خاطئة ولا یمکن تطبیقها عملیا، وهو ما سیجعل الأمور أسوأ من المحتمل.
فإیران، حسب الکاتبین؛ سبب العدید من المشکلات للولایات المتحدة بسعیها إلى امتلاک تکنولوجیا نوویة، والتدخل المسبب للعدید من المشکلات بالعراق وعملیة السلام العربیة الإسرائیلیة. لکن المعضلة الأساسیة لإدارة بوش تتمثل فی أنه من الصعوبة بمکان إثناء طهران عن مساعیها وسلوکها بالدبلوماسیة الخلاقة. فإیران ترید أن تصبح القوة المحوریة فی المنطقة.
ولکن، حسب کاتبیّ الدراسة، أن أحد أخطاء الولایات المتحدة یکمن فی الاعتقاد أنه یمکن احتواء إیران مثل الاتحاد السوفیتی السابق، وأن نموذج الحرب الباردة یمکن أن ینطبق فی الشرق الأوسط، فضلا عن الإخفاق الأمریکی فی إدراک تعدد وجهات الحکومات العربیة.
فتلک الحکومات قلقلة بشأن النفوذ الإیرانی ولکنهم لیسوا موحدین حیال سیاسات التعامل مع إیران، فالمملکة العربیة السعودیة والبحرین تنتقدان بشدة السیاسات التوسعیة الإیرانیة، انطلاقا من مخاوفهم من تدخل إیران فی شؤونهم الداخلیة. أما مصر والأردن خائفتان من أن یهدد الصعود الإیرانی مکانتهما فی المنطقة، وعلى العکس من ذلک فإن معظم الدول الخلیجیة لا تتفق مع السعودیة والبحرین فی معارضة إیران. فعلى سبیل المثال قطر والإمارات لا تعانیان من مشکلة الأغلبیة الشیعیة، کما أنهما یتمتعان بعلاقات اقتصادیة جیدة مع طهران منذ منتصف التسعینیات. وبعیدا عن إدارة المواجهة مع إیران فإن الحکومات العربیة تتوجس من التصعید العسکری بین واشنطن وطهران. فحلفاء الولایات المتحدة فی منطقة الشرق الأوسط من وجهة نظر الکاتبین سیقیمون قدراتهم ونقاط ضعفهم ومدی قابلیة التأثیر الإیرانی قبل الولوج فی أی تحالف مع الولایات المتحدة. ولذا فإنه من الخطأ أن تفترض إستراتیجیة احتواء إیران التضامن العربی.
هل حل الصراع العربی الإسرائیلی مفتاح التحالف العربی ـ الأمریکی
تنطلق واشنطن من فرضیة أن حل الصراع العربی ـ الإسرائیلی سوف یقلل من الغضب الشعبی العربی تجاه الولایات المتحدة، مما یحشد الحکومات العربیة خلف واشنطن لمواجه طهران. ولکن هذا یتجاهل ،حسب الکاتبین، حقیقة أن الحکومتین الإسرائیلیة والفلسطینیة لیس لدیهما القدرة لتدعیم أی تسویة مستقبلیة، فکلا من رئیس الوزراء الإسرائیلی (ایهود أولمرت) ورئیس السلطة الفلسطینیة (محمود عباس) یفشلان فی جمع التأیید لأی تنازلات مؤلمة فی إطار اتفاقیة السلام، کما أن الحکومات العربیة تتجاوز الطموح الإسرائیلی ـ الأمریکی من دفع عملیة السلام إلى الوصول لحل نهائی للصراع العربی ـ الإسرائیلی. حتى وإن نجحت واشنطن فی حل الصراع العربی ـ الإسرائیلی، فإن الحکومات العربیة لا تری أن الصعود الإیرانی یماثل الأول ذو جذور تاریخیة، والذی انعکس على الرأی العام العربی الشعبی والرسمی الذی یدرک أن إسرائیل أکبر خطر على المنطقة، وهو ما یُدرکه أیضا الرئیس الإیرانی الذی بدأ الاستفادة منه فی الحصول على دعم الشارع العربی بتصریحاته المتشددة تجاه تل أبیب، ودعم قوى المقاومة العربیة (حماس وحزب الله). فبقراءة متأنیة للوضع فی المنطقة یتضح أن إیران تقف على أرضیة صلبة على عکس الولایات المتحدة.
وفی الوقت الذی یتزاید فیه النفوذ الإیرانی، أخفقت واشنطن فی إدراک أن مرکزیة المنطقة انتقلت من المشرق إلى منطقة الخلیج الفارسی .فالکاتبان یریان أن الاستقرار والسلام بمنطقة الخلیج الفارسی سوف یتبعه سلام واستقرار فی المشرق العربی. ویضیفان أن واشنطن فشلت فی قراءة التاریخ العربی، فعندما اعتمدت واشنطن على الدول العربیة فی مواجهة النفوذ الإیرانی فی بدایة الثمانینات من القرن المنصرم، واجهت واشنطن صعود الثقافة السنیة الرادیکالیة التی خرج من عباءتها تنظیم القاعدة. وعلى تلک الخلفیة فإن التحالف العربی ـ الأمریکی فی مواجهة طهران سوف یتمخض عنه نتائج کالتجربة السابقة من ترویج للتطرف السنی لمواجه نفوذ إیران.
لا أحد یستطیع أن ینکر الخطر الإیرانی على الولایات المتحدة الأمریکیة وإسرائیل، ولکن التحالف الثلاثی العربی ـ الإسرائیلی ـ الأمریکی سوف یُمَکّن إیران من إغراق العراق وأفغانستان ولبنان فی فوضی لم تشهدها تلک المناطق من قبل، وإعادة إشعال الرادیکالیة الإسلامیة، وإلزام واشنطن بحضور قوی ومستمر بمنطقة الشرق الأوسط. فإیران، حسب الکاتبین، لیست کما یُتصور قوة دینیة تسعی إلى قلب النظام الحالی تحت مسمی الجهاد الإسلامی. هذا فضلا عن، أن هناک مصالح مشترکة بین البلدین فی استقرار العراق ومنع اشتعال حرب أهلیة عراقیة تمتد توابعها إلى کافة دول المنطقة.
ویریان أنه بدلاً من عسکرة منطقة الخلیج الفارسی ، والتحالفات الضعیفة ضد طهران فإنه یتوجب على واشنطن التحرک للوصول إلى نظام أمنی إقلیمی جدید بالمنطقة، یضم کل الفاعلین بالمنطقة، ویستند إلى تعهد بحصانة الحدود، وحظر عدد من الأسلحة، وإقامة سوق مشترکة مع مناطق التجارة الحرة، وإیجاد آلیة لحل المنازعات. وهذا النظام الأمنی الجدید سوف یصب فی مصلحة الدول الخلیجیة حیث یدخل الشیعة العراقیین فی شراکة بناءة؛ مما یقلل من فرص النزاع الطائفی بالعراق. وتلک الترتیبات الأمنیة الجدیدة سوف تمکن طهران من إضفاء الشرعیة على قوتها وتحقیق مصالحها وأهدافها بالتعاون بدلا من المواجهة .
ولن یتحقق هذا النظام الأمنی الإقلیمی الجدید بدون مشارکة فاعلة وقویة من قبل الولایات المتحدة، فالدول الخلیجیة تطلب تطمینات دفاعیة إذا أرید لها الدخول فی مثل هذا النظام الأمنی الجدید. وإیران لن تدخل فی هذا التحالف ما لم تشارک واشنطن فیه. وإشراک إیران فی هذا الترتیب الإقلیمی الجدید سیتضمن استقرار العراق، وإرضاء الدول العربیة الحلیفة لواشنطن مما یدفع عملیة السلام العربیة ـ الإسرائیلیة، وإیجاد سبیل جدید للمفاوضات حیال البرنامج النووی الإیرانی. وهذا النظام الأمنی لن یفید الدول الخلیجیة فقط فی تعزیز التعاون فیما بینهم، ولکن أیضا تأیید الوجود الأمریکی بالمنطقة. وتلک الإستراتیجیة ستخدم المصالح الأمریکیة وحلفائها الأوروبیین وکذلک الصین وروسیا من خلال استقرار المنطقة وتأمین إمدادات النفط.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS