لا تسحبوها فتبقوا على بعض ماء الوجه
ألتمس الاعتذار للقارئ أننی فی هذه المقالة أعرج على القمة العربیة، رغم معرفتی وقناعتی أنه لا یحب هذه السیرة وانه (من الشام لبغدان، ومن نجد الى یمن، الى مصر فتطوان) لا یثق بهذه القمم ولا ینتظرها ولا ینتظر نتائجها أومقرراتها. لکن المسألة هذه المرة تؤکد بما لا یدع مجالا للشک أن القمم السابقة على سوئها وبؤسها کانت أفضل مما هی علیه الیوم ، والأمر لیس متعلقا بمکانها فی دمشق حیث السماء تتلاقى بالأرض وفق الشعراء، بل لأسباب موضوعیة مفادها أن النزول عن درجات السلم الذی کان قد ابتدأ فی الماضی، حان الآن الوصول الى آخر منحدراته.
خذوا مثلا على ذلک مبادرتهم العربیة التی تعلن إسرائیل رفضها لها، بل لم تبق مکانا الا وأعلنت فیه هذا الرفض ، للدرجة التی دفعت مقترحیها السعودیین التهدید بسحبها ، فیدور السجال بینهم حول (نسحبها ام لا نسحبها) وإذا ما سحبناها هل نبقی مکانها فارغا أم نستبدلها، وإذا ما قررنا إستبدالها، فبماذا نستبدلها، هل نقول إنسحاب اسرائیل من الأراضی التی أحتلت عام 1967 أم نکتفی بانسحابها من المناطق التی کانت تسیطر علیها عشیة الانتفاضة عام 2000، الدولة الفلسطینیة المستقلة فی الضفة والقطاع، ام فی الضفة دولة وعاصمتها رام الله او أبودیس، وفی غزة دولة عاصمتها رفح او خانیونس.
فی قمة الخرطوم آب 19967 کان هناک اللآت الثلاث، لا للصلح، لا للإعتراف، لا للمفاوضات مع إسرائیل، و تغیرت الى لاءات ثلاث مغایرة: لا لکل من یحارب إسرائیل، لا لکل من یتجاهلها، ولا لکل من لا یقیم علاقات دبلوماسیة او فی الحد الأدنى إقتصادیة معها.
فی عام 1990 وعقب القمة العربیة التی عقدت فی بغداد صدام حسین، سئل القذافی عن رأیه فی تلک القمة، فأجاب أنه سعید بها رغم أنها لم تتعد الصفر فی نتائجها ومقرراتها، وأردف مفسرا سبب سعادته: أن القمم التی سبقتها کانت دون الصفر.
العراق أنذاک لم تکن محتلة، ولم یکن زعماءها قد سیقوا الى حبل المشنقة، والثورة الفلسطینیة لم تکن قد تحولت الى سلطة منزوعة السیادة والأظافر، وبدلا من أن تضرب قوة المثل فی مناهضة الاحتلال، أصبحت تضرب المثل فی الفساد والاحتراب الداخلی، ولبنان یبحث عن رفیق حریری جدید یمثله فی القمة، ودارفور تفتح ممثلیة لها فی تل أبیب حفاظا على عروبة القدس عاصمة الثقافة العربیة للعام القادم.
*** ***
لمصر أم لربوع الشام تنتسب / هنا العلا وهناک المجد والحسب
رکنان للشرق لا زالت ربوعهما / قلب الهلال علیهما خافق یجب
إذا ألمت بوادی النیل نازلة / باتت لها راسیات الشام تضطرب
بالوادیین تمشى الفخرُ مِشْیتَه / یحف ناحیتیه الجود والدأب
هذی یدی عن بنی مصرٍ تصافحکم/ فصافحوها تصافح نفسها العرب
إن یکتبوا لیَ ذنبا فی مودتهم / فإنما الفخر فی الذنب الذی کتبوا
هذه القصیدة وضعها الشاعر الکبیر حافظ ابراهیم قبل مئة عام بالتمام والکمال، فأین هی مصر من الشام الیوم وأین الشام من مصر؟؟
( بقلم الکاتب و الصحفی الفلسطینی حمدی فراج )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS