وثیقة اللاشرف الإعلامیة العربیة
کتب البروفیسور عبد الستار قاسم فی مقال استلمته وکالة قدسنا :
أضاف الحکام العرب من خلال وزراء إعلامهم اعتداء جدیدا على المواطن العربی بتبنیهم وثیقة إعلامیة جماعیة بتاریخ 12/شباط، فبرایر/2008. شکرا لدولتی قطر ولبنان اللتین لم توافقا على الوثیقة. هذه وثیقة خزی وعار تُضاف إلى سجلات الزعماء والقادة العرب الملیئة بالاعتداءات المستمرة والمتواصلة على حریة الإنسان العربی وکرامته وعزته ورغبته فی النهوض من بین رکام التخلف والهوان الذی یراکمه هؤلاء الحکام فوق ظهره.
وزراء الإعلام العرب یقرون وثیقة یقولون فیها بأنهم سیقفون ضد ما من شأنه أن یمس کرامة المواطن العربی على الفضائیات العربیة، وکأن هؤلاء الأبالیس الطغاة قد ترکوا للمواطن العربی کرامة یمکن أن یُحافَظ علیها. بهذه النقطة بالتحدید، یبدو أن لدى الحکام العرب شکا بأن بعض الکرامة قد بقیت للمواطن العربی فقرروا استباق الحدث وإحکام إغلاق أی منفذ یمکن أن تتسرب منه کرامة.
ویقول الوزراء فی وثیقتهم إنهم یقفون ضد التحریض على الکراهیة والذی تبثه بعض الفضائیات العربیة. عن أی کراهیة یتحدثون؟ الحکام العرب هم الذین یبثون الکراهیة بین الناس والشعوب العربیة من خلال أجهزة مخابراتهم ووسائل إعلامهم الرسمیة. أجهزة إعلام الحکام لا تنفک تکیل المدیح والثناء للحکام، وتبث الأغانی والأهازیج التی تمجد أعمالهم وإنجازاتهم التی أودت بالأمة إلى الهزائم والهلاک. ووسائل إعلامهم هی التی تضلل الجماهیر وتکذب على الناس وتصنع الأوهام وتصنع الأساطیر الخیالیة. إنها أجهزة تجعل من المواطن العربیة کارها لنفسه ولیس کارها للآخرین فقط.
من الذی جعل الفلسطینی یکره الأردنی، والأردنی یکره الفلسطینی، والمغربی یکره الجزائری واللیبی التونسی، والیمنی العربی فی الجزیرة، واللبنانی السوری، والعراقی الکویتی، والعربی العربی، والعربی نفسه؟ ألستم أنتم أیها الحکام من خلال مخابراتکم ومؤامراتکم وملاحقاتکم للمواطنین وتعبئتکم الحاقدة لشعوبکم ضد الشعوب العربیة الأخرى؟
وزراء الخارجیة العرب یریدون منع استعمال الفضائیات العربیة من التحریض على الإرهاب. أی یریدون من الفضائیات التوقف عن التضامن مع المقاومة العراقیة والفلسطینیة واللبنانیة والصومالیة، ومقاومة التنظیمات الإسلامیة لأمریکا وإسرائیل والمخططات الغربیة ضد المنطقة؛ ویریدون من هذه الفضائیات التوقف عن استضافة من یؤازرون المجاهدین والمناضلین المصرّین على حریة الأمة وکبریائها.
الحکام العرب هم الإرهابیون الذین یلاحقون المواطنین فی کل رکن وزاویة ویستعملون ضدهم کافة أسالیب التنکیل والتعذیب والحرمان من الحیاة الکریمة. الحکام العرب هم الذین ینهبون أموال الأمة ویبذرونها فی الملاهی وعلى طاولات القمار وفی مخادع الساقطات. هؤلاء الحکام لا یملکون حقا فی اتهام أحد بالإرهاب لأنهم رأس الأفعى القاتلة التی تنفث السم الزعاف فی جسد الأمة وتطوحها ملقاة ینهش منها کل البغاة الطامعین.
وزراء العرب یریدون منع القنوات الفضائیة من بث انتقادات للحکام أو الإساءة للرموز. هؤلاء المأجورون الذین لا یغار الواحد منهم على ذمة أو عرض یریدون إبقاء أرباب شهواتهم فوق النقد وفوق المس وکأنهم ملائکة خلّص أنعم الله بهم على أمة العرب. ویریدون منا أیضا أن نتوقف عن انتقاد رجال دین السلطان الذین فقدوا ضمیرهم الدینی وطوعوا معارفهم الدینیة لخدمة من یهدم الأمة ویسلمها لأعدائها.
المضحک أن وزراء العرب یریدون الهجوم على الفضائیات التی تتعامل مع الإباحیة. من أقام هذه الفضائیات یا حضرات الوزراء؟ ألم یقم حکامکم وأمراؤکم على إطلاق هذه الفضائیات الساقطة من أجل إلهاء المواطن العربی وإسقاطه فی بحر الشهوانیة والتمنیات بالحصول على المتع؟ ألم تشرف مخابرات دولکم على برامج تعهیر المواطن العربی؟
حکام العرب لا یتفقون إلا على خزی أو هزیمة أو خنوع أو ذلة. هم لا یتفقون على ثأر أو کرامة أو فعل خیر. إنهم یتفقون على الاعتراف بإسرائیل، وعلى ملاحقة بن لادن، والتآمر على المقاومة اللبنانیة، وعلى ضرب المقاومة العراقیة وعلى خدمة أمریکا وإسرائیل، وعلى ملاحقة المواطن، والتعاون الأمنی بین وزارات الداخلیة، وقمع الرأی فی وسائل الإعلام، وأسالیب التعذیب فی المعتقلات وقطع سبل الرزق عن المواطنین المعارضین.
حکام العرب لا یتفقون على إطلاق حریة الرأی التی تعنی کرامة الإنسان، ولا یتوقفون عن نهب الثروات العربیة. وهم لا یتفقون على برنامج للوحدة، أو برنامج للدفاع المشترک، أو برنامج اقتصادی یطبقونه من أجل المحافظة على الأموال العربیة. لا أرید أن أسترسل فی هذا لأن المواطن العربی یستطیع أن یعدد الکثیر من القضایا الهامة التی یتجاهلها الحکام العرب.
وثیقة الإعلام العربیة هذه لا تصدر إلا عن جبناء یخشون الکلمة والرأی الحر. لو کان الحکام العرب رجالا لما لاحقوا الرأی ولما منعوا الکلمة ولما سجنوا الأحرار. الجبان هو الذی یخشى الکلمة ویخشى المواجهة المنطقیة عبر وسائل الإعلام. أنتم یا حکام العرب عبارة عن أشباه رجال لا تسخن فیکم دماء ولا تهتز أبدانکم لمهانة. أنتم تعشقون الذل والعار، وتأبى نفوسکم أن تفارق الهزیمة، وتأبى ظهورکم أن یترجل عنها بنو صهیون والأمریکان.
مطلوب من المثقفین الأحرار ألا یقفوا صامتین أو مهادنین أمام هذه الوثیقة. مطلوب من کل عربی حر رافع الرأس أن یتصدى لهذه الوثیقة بدون خجل أو وجل، وأن یحرض على إسقاطها وإسقاط من صاغوها ومن أمروا بصیاغتها. هذه أمة یجب أن یعلو شأنها، ولا یعلو شانها إلا بسواعد مفکریها ومثقفیها وثوارها الذین لا یرون فی الذل حیاة.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS