أسلحة بدائیة ورجال شجعان

 الحملة الدعائیة الصاخبة على صواریخ المقاومة الفلسطینیة، تُطلق وصف (العبثیة) على هذه الصواریخ . الثاوون خلف هذه الحملة لا یترکون فرصة تمر، دون أن یلحوا على أن القصف الفلسطینی لإسرائیل بالصواریخ لیس إلا فعلا (عبثیا)، وأنه یضر بالقضیة الفلسطینیة أکثر مما یفیدها، وتتکلف أقلام (عربیة) بتنظیم هذه الحملة، سواء فی الصحافة المکتوبة، أو فی الفضائیات، أو فی مواقع الانترنت، بعد أن تتلقی تلک الأقلام طبعا التوجیهات من التصریحات الرسمیة العربیة.

إذا کانت الأقلام التی تکتب بحبر البترودولار تصف صواریخ المقاومة الفلسطینیة بأنها عبثیة، فإن المرء لا یملک إلا أن یسأل أصحاب هذه الأقلام : ماذا عن صفقات الأسلحة التی تبرمها الدول العربیة النفطیة مع أمریکا بعشرات الملیارات من الدولارات؟ هل سبق لهذه الأسلحة أن استعملت فی أی حرب لاسترجاع الأراضی العربیة الجولان والضفة الغربیة ومزارع شبعا، أو من إثیوبیا التی تحتل الصومال الدولة العضو فی جامعة الدول العربیة؟ هذه الأسلحة التی تُشتری بعائدات طائلة من الثروات العربیة، عندما یتم رکنها فی المخازن وترکها تصدأ وتتلاشی بالغبار والرطوبة، ألا یمثل تصرف من هذا القبیل، قمة اللامعقول والعبثیة؟

صواریخ المقاومة الفلسطینیة من صنع محلی، ویتم إنتاجها بوسائل ذاتیة بحتة، ورغم کل الحملة تلک فإن أحداً لا یستطیع إنکار أنها تزعج إسرائیل، وتقلق راحتها، وتسبب لها صداعا لم تتمکن لحد الساعة من التغلب علیه، ولقد أصبحت هذه الصواریخ قضیة القضایا بالنسبة لجنرالات إسرائیل وقادتها السیاسیین، بل تحولت إلی مشکل کبیر استعصی على الإسرائیلیین العثور له على حل ناجع وفاعل. وعلى أی حال، فإن الصواریخ تمثل جل، إن لم نقل، کل الموجود بالنسبة للشعب الفلسطینی الذی یدافع بواسطتها عن نفسه. إن لها مردودیة ما، حتى وإن کانت مردودیة محدودة، فإنها موجودة على الأقل، ویشعر بها العدو.

الفلسطینیون الذین یطلقون هذه الصواریخ البسیطة والبدائیة امتلکوا جرأة وشجاعة إطلاقها على إسرائیل، بخلاف الأسلحة العربیة التی تقتنیها الأنظمة العربیة لجیوشها الجرارة والتی تترکها فی المخازن دون استعمالها أو مجرد التلویح باللجوء إلیها لاسترداد الأراضی العربیة المحتلة، وکأنها أسلحة اشتریت لتتحول إلی أدوات للدیکور والزینة؟ ألیس إبرام عقود صفقات لشراء هذه الأسلحة فعلاً عبثیاً؟

ربما تنتفی صفة العبثیة عن هذه الصفقات بالنسبة للجهات التی تبرمها لأن أطرافا منها تحصل مقابل إبرامها على عمولات ضخمة ودسمة ترسل الی حساباتها البنکیة فی الخارج، کما وقف على ذلک العالم أجمع فی صفقة الیمامة. یضاف إلى هذا کونها صفقات لها وظیفة تأمین الحمایة للأنظمة الحاکمة للاستمرار فی السلطة، وللسکوت الأمریکی خصوصا والغربی عموما عن التجاوزات الخطیرة لتلک الأنظمة فی ما یخص انتهاکاتها الفظة لحقوق الإنسان العربی الذی ما زالت تحکمه بعقلیة القرون الوسطی. إنها صفقات تنقذ شرکات غربیة وأمریکیة من الإفلاس وتوفر للأمریکیین وللغربیین فرصاً للعمل ولخزائن دولهم أموالا طائلة.

الذین ینتقدون المقاومة الفلسطینیة لاستعمالها صواریخ بدائیة فی صراعها مع إسرائیل کان علیهم توجیه اللوم للأنظمة التی تحکمهم وینتمون إلیها لکونها أنظمة تقاعست عن توفیر السلاح المتطور والفعال للفلسطینیین لکی یدافعوا به عن أنفسهم إزاء الاعتداءات الإسرائیلیة المتکررة علیهم، هذه الاعتداءات التی تتم بأحدث الأسلحة وأکثرها فتکا وتدمیرا، والوافدة من مخازن وزارة الدفاع الأمریکیة. الشعب الفلسطینی فی وضع المضطر لاستعمال الصواریخ التی یتم التهکم علیها، لو کان یملک سلاحا أفضل منها لترکها واستعمله ضد عدوه الإسرائیلی.

تنظیم الحملة علی الصواریخ الفلسطینیة الغرض منه التغطیة علی عجز النظام الرسمی العربی فی توفیر الدعم والحمایة ووسائل الدفاع عن النفس للشعب الفلسطینی. هذا العجز یتم تبریره بالهجوم علی الشعب الفلسطینی وتحمیله لوحده مسؤولیة المجازر التی ترتکبها الدولة العبریة فی حق نسائه وأطفاله وشیوخه.

الذین یشنون الحملة علی المقاومة الفلسطینیة وعلی صواریخها تحدیدا، یبدون وکأنهم فی عجلة من أمرهم، إنهم یریدون الانتهاء من القضیة الفلسطینیة وتصفیتها ورکنها فی زاویة الإهمال والنسیان والتفاوض الذی لا ینتهی، للتفرغ لباقی القضایا الأخری وعلی رأسها الملف النووی الإیرانی. فما دامت القضیة الفلسطینیة حاضرة وما دام الصراع متفجرا والدم الفلسطینی یسیل بغزارة، فإن هذه الصورة تشکل إرباکا للدوائر العربیة والأمریکیة التی یؤرقها سعی إیران لکی تصبح قوة نوویة، وترید ترکیز الأضواء والاهتمام علی ملفها النووی الذی یتعین أن یظل حاضرا بقوة فی الساحة الإعلامیة وأن یستقطب جمیع الانشغالات.

کل حدث یقع فی المنطقة ویثیر من حوله الأضواء وردود الأفعال، یعتبر فی الوقت الراهن حدثا غیر مرغوب فیه بالمرة، لأنه یشوش ویربک الصورة الخادعة التی ترید السیاسة الأمریکیة تسویقها لأهالی المنطقة والتی فحواها أن أمریکا منهمکة فی العمل لإیجاد الحلول المناسبة للملف الفلسطینی، وأن على العرب أن یلحقوا برکبها ویساعدوها فی مسعاها لکی یتم الانتقال من هذا المشکل إلی الملف النووی الإیرانی.

وفی هذا السیاق تندرج الحملة الإعلامیة المنظمة على العلاقة القائمة بین سوریة وحماس والجهاد الإسلامی وحزب الله من جهة، وإیران من جهة ثانیة. إنها علاقة تربک المسعى الأمریکی لترتیب الأوراق بهدف ترکیز الجهد على إیران، والحیلولة دون ضرب إسرائیل من طرف المقاومة الفلسطینیة والاستمرار فی حالة اشتباک معها، مما یؤدی إلى عدم تحکم أمریکا فی الوضع العام للمنطقة، وترکیب عناصره وتألیفها طبقا لما یتماشی مع خطط الإدارة الأمریکیة. ففصل إیران عن سوریا وعن المقاومتین الفلسطینیة واللبنانیة یؤدی أوتوماتیکیا إلى توفیر کل الشروط المطلوبة للاستفراد الأمریکی والإسرائیلی بکل من إیران، ثم سوریا لاحقا والمقاومتین فی لبنان وفی فلسطین.

إسرائیل التی تحتل الأرض العربیة، وترفض الإقرار بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطینی، والتی تفرض حصارا خانقا علی الشعب الفلسطینی فی قطاع غزة، حصاراً یحرم الإنسان الفلسطینی من الکهرباء والدواء والطعام، إسرائیل التی لم تُسفر عملیة التفاوض الجاریة معها منذ سنوات طوال عن أی مکسب ولو ضئیل لفائدة الشعب الفلسطینی بسبب تعنتها وضربها عرض الحائط بقرارات الشرعیة الدولیة، إسرائیل هذه، صارت لدی أصحاب الحملة علی صواریخ المقاومة الفلسطینیة ضحیة، أما الفلسطینیون فهم المعتدون. ألیست هذه ذروة العبثیة؟

( المقال للصحفی المغربی  عبد السلام بن عیسى )

ن/25