إسرائیل تشد الخناق على نفسها
کتب البروفیسورعبد الستار قاسم :
ارتکبت إسرائیل خطأ استراتیجیا کبیرا باغتیالها الشهید عماد مغتنیة لأنها حرمت نفسها من الخیارات المتاحة، وأفقدت ذاتها فرصة المبادءة الحربیة والإعداد لما هو قادم. ربما سیطر على عقول قادتها الرغبة فی الثأر السریع الجزئی لترمیم بعض ما فقدوه بعد هزیمة 2006. وستنکشف الأیام القادمة عن أزمة حقیقیة صنعتها إسرائیل لنفسها، وستجد إسرائیل أنها قامت بعمل یتیح لحزب الله مجالا واسعا للمناورة على الرغم من کرهه للاغتیال الذی حصل.
باتت إسرائیل بعد 14/آب/2008 مهزومة وفاقدة لقوة الردع التی اعتمدت علیها فی تخویف العرب وإلحاق الهزائم السریعة بهم، وباتت تفکر وتعمل بدأب وجدّ من أجل التغلب على الثغرات الحربیة والتکتیکیة التی برزت أمامها، والتی لم یظهر ما یشبهها فی تاریخ حروبها. برزت مشکلة تحیید الطیران الحربی من خلال تکتیک حزب الله العسکری، وتم تدمیر الدبابات وتحیید سلاح البحریة وإسقاط السمتیات. وفوق ذلک خاضت إسرائیل حربا بدون علم، وکانت کل أذرعها الأمنیة عاجزة عن توفیر المعلومات لخوض حرب ذکیة.
قطعا إسرائیل ومعها أمریکا بحاجة إلى الوقت لتطویر تقنیات عسکریة جدیدة تتجاوب مع الدروس التی استفادتها من الحرب مثل صناعة قنابل خارقة جدیدة وتطویر تصفیح جدید للدبابات. لکن المشکلة الکبیرة وهی مشکلة المعلومات تشکل العقبة الأکبر والتی لن تجد حلا بسبب الإحکام الأمنی لحزب الله.
کان أمام إسرائیل خیاران: إما أن تنتظر حتى تتوفر المعلومات وبذلک تمنح حزب الله المزید من الوقت لتدعیم قواته وتحدیثها، أو أن تبادر إلى حرب لا تقدر على توجیهها ولا تتکهن بنتائجها. خیاران یحتاجان إلى تفکیر طویل ومتکرر وإلى نقاش مستمر على المستویات الأمنیة والعسکریة والسیاسیة.
بالنسبة لحزب الله، انتصار تموز 2006 کان انتصارا ساکنا، ولا بد من تحقیق انتصار متحرک إذا کان لوجه المنطقة أن یتغیر. المحیط العربی لم یستفد من انتصار حزب الله، وما زال، فی أغلبه، حریصا على تصویر حزب الله بالمهزوم وإسرائیل، رغم أنفها، بالمنتصرة. ومن المؤکد أن أغلب الأنظمة العربیة تتعاون مع إسرائیل من أجل إلحاق الهزیمة بحزب الله الذی یتطلع إلى تغییر وجه المنطقة.
باغتیالها لعماد مغنیة فتحت إسرائیل الأبواب أمام حزب الله لتنفیذ عملیات عسکریة وأمنیة ضدها مما سیجبرها على الرد ومن ثم إلى الإنجرار إلى حرب لم ینضج الإعداد لها. واضح من تصریحات السید حسن أن الحزب مستعد للحرب بمفاجآت جدیدة والتی أظن أنها تبدأ بدفاع جوی محکم یشل حرکة الطیران الحربی، ومستعد أیضا لزحف بری. قال السید حسن إن الحزب سیواجه إسرائیل فی المرة القادمة بعشرات الآلاف من المجاهدین مما یعنی أنه لن یحارب حربا ساکنة. الحرب الساکنة لا تتطلب عشرات الآلاف، أما الزحف البری فی جبهة جغرافیة محدودة مثل الجنوب اللبنانی فیتطلب عشرات الآلاف بین مهاجم ومساند.
من ناحیة تغییر وجه المنطقة، حدیث السید حسن نصر الله دقیق لأن التغییر یتطلب حسما عسکریا بریا واضحا یحرم إسرائیل من قدرتها على الإبقاء على الوضع القائم فی الوطن العربی.
إسرائیل لیست مؤهلة لحرب مفتوحة خاصة أمام جبهة لا تشکل منطقة عازلة. من الصعب علیها أن تتحمل رحیل ربع سکانها عن بیوتهم، ومن الصعب على هذا الربع أن یجد مأوى إذا قام حزب الله بقصف منطقة تل أبیب بالصواریخ. من السهل على حزب الله أن یدفع کل السکان الیهود إلى الملاجئ، وأن یجعل کل رکن فی إسرائیل غیر آمن. وإذا تم تحیید الطیران الإسرائیلی فإن حزب الله سیکون اللاعب المسیطر.
من المحتمل أن حزب الله لم یکن یملک أوراقا کافیة قبل اغتیال مغنیة للتحرش بإسرائیل عسکریا بسبب الأوضاع الداخلیة اللبنانیة، وبسبب الهجمة العربیة الإعلامیة والسیاسیة على الحزب، لکن الاغتیال فتح باب المناورة والکر والفر أمام حزب الله، وفتح أیضا باب الأخذ بزمام المبادرة. إسرائیل کانت مترددة فی استئناف الحرب قبل الاغتیال وحریصة على التدقیق فی حساباتها، لکنها الآن أمام طریق لا مفر أمامها إلا الدخول فیه.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS