السبت 12 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

"محرقة غزة" وغیاب ردات الفعل

لا یختلف إثنان على أن عملیة "الشتاء الحار" التی ترتکبها القوات الیهودیة فی قطاع غزة تعتبر من أکثر ممارسات القمع وحشیة وهمجیة فی التاریخ (قدیماً کان هذا التاریخ أم حدیثاً...)، وهو وحشیة هذه العملیة مرشحة لأن تتزاید على المدى المنظور مع "تبشیر" رئیس حکومة الکیان العدو بشن سلسلة "محارق" ضد الفلسطینیین، مع الإشارة هنا إلى أن اسطورة "المحرقة" التی یدعی الیهود بأنهم قد تعرضوا لها على أیدی النازیین خلال الحرب العالمیة الثانیة کانت أقل وحشیة بما لا یقاس لما یتعرض له سکان هذا القطاع,,,

على أن الأمر الذی لا بد من التوقف عنده والمفارقة اللافتة هی أن هذه العملیة الهمجیة لم تلقَِ أیة إدانة رسمیة من قبل منظمة الأمم المتحدة، على رغم التغطیة الإعلامیة الواسعة التی حظیت بها، بل أن الأمین العام للمنظمة الدولیة (والعدید سواه من المسؤولین فی الدول الغربیة) إکتفى بموازاة العملیة الیهودیة بضرب مدن یحتلها الیهود جنوبی فلسطین المحتلة بالصواریخ من قبل المجاهدین الفلسطینیین، وکأنه بذلک یبرىء فعلة الصهاینة على أنها مجرد دفاع مشروع عن النفس...

والمفارقة الثانیة التی أتت بالتزامن تقریباً مع المفارقة الأولى صدور قرار إجماعی من قبل مجلس الأمن الدولی یقضی بتمدید العقوبات المفروضة على الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة بسبب "نشاطاتها النوویة"، وذلک على الرغم من أن التقاریر الصادرة عن هیئة مراقبة إنتشار الأسلحة النوویة تشیر کلها إلى تعاون تام من السلطات الإیرانیة مع لجان التفتیش الموفدة لمراقبة المفاعلات النوویة فی هذا البلد...

وقد تعالت صرخات الإستنکار فی البلدان العربیة، وفی بعض الدول الإسلامیة منددة بالهمجیة الیهودیة وبالمستوى المنخفض لردات الفعل الدولیة، فی ما تبارى المعلقون الإعلامیون العرب فی تحلیل ابعاد هذا الواقع. وقد تعددت هذه التحلیلات العربیة متراوحة بین کون الولایات المتحدة الأمیرکیة تمثل القوة العظمى الأکبر فی العالم، مع قوة اللوبی الصهیونی فی هذا البلد، من دون التنبه إلى أن مواقف بلدان مثل الصین وروسیا اللتان تواجهان أمیرکا فی العدید من القضایا الدولیة، واللتان تملکان حق النقض "الفیتو" فی مجلس الأمن الدولی، لم یختلف کثیراً عن مواقف واشنطن (خصوصاً فی ما یختص بإدانة الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة من قبل مجلس الأمن الدولی وعدم ممارسة حق النقض ضد هذا القرار من قبل أی من تینک الدولتین...). والأنکى أن بعض العرب أعطى ما یشبه "صک البراءة" للممارسات الیهودیة بالتندید بقصف المجاهدین الفلسطینیین بعض المدن التی یحتلها الصهاینة بالصواریخ...

یمکن مقارنة هذه المواقف الدولیة المتواطئة مع الیهود مع مواقف أخرى کانت صدرت عن منظمة الأمم المتحدة قضت بإدانة ومعاقبة بلدان مثل صربیا (یوغسلافیا سابقاً) وإندونیسیا والسودان على ممارسات کانت أقل وحشیة وهمجیة بما لا یقارن من المذابح التی یرتکبها الیهود فی فلسطین المحتلة...

والحقیقة هی أن إعتماد العوامل السیاسیة أو الـ"جیو سیاسیة" التقلیدیة المتعارف علیها للتعاطی مع أمور السیاسة الدولیة لا یکفی أبداً لتفسیر المواقف، أو بالأحرى غیاب المواقف الدولیة مما یجری فی فلسطین، ولا إدانة إیران من قبل مجلس الأمن الدولی. بالمقابل، فإن تحدید الیهود على أنهم یشکلون "مافیا عالمیة تسعى لإحتکار مقدرات السلطة والثروة فی العالم" یأتی بالجواب الشافی والمنطقی على هذا الواقع غیر المنطقی. والمافیا بالمفهوم العلمی هی منظمة ذات إطار مرن تسعى لتحقیق هدفها على تعاقب أجیال المنتمین إلیها، حیث أن تحقیق تلک الأهداف یتم بجمیع الوسائل المتوافرة، شرعیة کانت هذه الوسائل أم غیر شرعیة. وکما سبقت الإشارة إلى الأمر، فإن الهدف الیهودی هو الهیمنة على مقدرات السلطة والثروة فی العالم بأسره، ولیس فی الولایات المتحدة وفلسطین وحدها. ولا بد من التذکیر بهذا الصدد إلى العلاقة الممیزة التی کانت تربط الیهود بالبلدان الشیوعیة بین 1948 (حیث کان الإتحاد السوفیاتی أول دولة إعترفت بشرعیة "إسرائیل" وکانت تشیکوسلوفاکیا الموردة الأولى للأسلحة للکیان الیهةودی) و1950، وإلى العلاقة الجیدة السائدة الیوم بین "إسرائیل" إیاها والصین الشعبیة، مع تسریب الیهود للأسرار التکنولوجیة الأمیرکیة إلى الصین...

کما لا بد من الإشارة إلى سیطرة الیهود على القطاعات الإعلامیة والإعلانیة والثقافیة فی معظم البلدان الغربیة، وفی العدید من البلدان الأخرى أیضاً، ما یجعل من شبه المستحیل نشر أیة دراسة یمکن أن تتناقض مع المواقف الیهودی فی هذه البلدان، إن کانت هذه الدراسة تتعلق بحقیقة القضیة الفلسطینیة أو بموضوع مثل خرافة "المحرقة" التی یدعی الیهود بأنهم تعرضوا لها على أیدی الألمان خلال الحرب العالمیة الثانیة... إشارة أخیرة إلى أن الحقد الیهودی الحالی على الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة ینبع أولاً وأخیراً من أن الرئیس محمود أحمدی نجاد هو الوحید فی العالم تقریباً الذی یتجرأ على تسمیة الأمور بأسمائها ویدعو إلى إزالة الکیان الیهودی فی فلسطین المحتلة.

لقد سبق لنا  وأن تناولنا موضوع تحدید المافیا الیهودیة الإحتکاریة، مع إستعراض السبل العملیة التی یجب إتباعها من أجل التصدی الفعال لأعمال هذه المافیا علی نطاق عالمی شامل، (بما فی ذلک بالولایات المتحدة نفسها،) وذلک عن طریق تطبیق القوانین والمعاهدات العالمیة المرعیة الإجراء المضادة للتنظیمات المافیایة وللممارسات الإحتکاریة (راجع کتبنا بهذا الخصوص، ولا سیما من بینها "اللوبی الیهودی فی العالم" و"حقیقة الیهود" و"العبور الإنکساری Breakthrough")، وما نطرحه لا یتناقض البتة مع مفاهیم سائدة مثل إحترام حقوق الإنسان والحریات العامة والخاصة، بل أن العکس تماماً هو الصحیح...

الأمر الأکید هو أن إستمرار التعاطی مع الممارسات الیهودی و"الإسرائیلیة" على النحو المتبع حالیاً من قبل الأنظمة العربیة، وخصوصاً لجهة التمییز المارکسی السخیف بین الیهود والصهاینة أو التندید بما یتعرض له "المدنیون الإسرائیلیون" لن یوصل إلى أیة نتیجة مفیدة...

(المقال لندیم عبده الباحث فی مرکز شرق المتوسط للدراسات والاعلام )

ن/25


| رمز الموضوع: 140934







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)