qodsna.ir qodsna.ir

من أطلق النار على التهدئة؟

لأسبوع کامل سادت التهدئة فی فلسطین المحتلة وتحدیداً فی قطاع غزة بین المقاومة الفلسطینیة التی أوقفت إطلاق الصواریخ من جانبها وجیش الاحتلال الذی أوقف معظم عملیاته العسکریة الهجومیة النفی الذی صدر عن جهات عدة فلسطینیة إسرائیلیة کان للاستهلاک المحلی والإعلامی وبناء على معلومات موثوقة من مصادر قیادیة فی حرکة حماس فإن اجتماعات العریش بین مسؤولین مصریین وقادة فی حرکتى حماس والجهاد أثمر عن إتفاق مبدئی على التهدئة فی بعدها العسکری فقط لمدة أسبوع قابل للتجدید على أن تعمل مصر خلال هذا المدى الزمنى  الذى من المفترض أن یستغرق من أربع إلى خمس أسابیع على وضع أسس التهدئة وتفاصیلها الدقیقة والمتشعبة، التفاهم المبدئی السابق نقله المسؤولون المصریون للجنرال  عاموس جلعاد رئیس القسم السیاسی فی وزارة الدفاع الذی وافق شفهیاً مع تحفظ بالغ الدلالة والخطورة -إسرائیل تحتفظ بحق العمل ضد أی محاولة لإطلاق الصواریخ و ضد أی هدف  اوقنبلة موقوتة استشهادی وکذلک ضد محاولات تهریب السلاح إلى قطاع غزة -بناء على ذلک سادت التهدئة لمدة أسبوع انتهى مع جریمة الاغتیال الاسرائیلیة لاربعة من قادة وکوادر المقاومة فی بیت لحم ما اضطر المقاومة إلى الرد عبر إطلاق دفعة من الصواریخ على مستوطنة سیدروت وتنفیذ الجیش الإسرائیلی لسلسة غارات جویة شکلت إعلان رسمی عن موت التهدئة فی مهدها أو على الأقل تعلیقها وتجمیدها ولو بشکل مؤقت.

لفهم حقیقة الطرف أو الأطراف  التىسعت وعملت من أجل افشال التهدئة لا بد من استیعاب الخلفیات والدوافع والحسابات التی أدت إلى التفاهم المبدئی الذی اثمر بدوره عن أسبوع من التهدئة، هذا التفاهم کان فى الحقیقة نتاج لتحولات وتبدلات فی مواقف ثلاثة أطراف رئیسیة ومرکزیة معنیة بالصراع فی فلسطین – مباشرة أو غیر مباشرة – وهی الولایات المتحدة ومصر والسلطة الفلسطینیة  بالاحرى رئاسة السلطة وتلاقنت مع رغبة مبدئیة عند إسرائیل والمقاومة الفلسطینیینة حماس تحدیداً فی الوصول إلى تهدئة لکن مع دوافع أو من زوایا و وجهات نظر مختلفة بل متناقضة.

الولایات المتحدة فهمت أن المحرقة بل المحارق فی غزة – وتعثر عملیة التسویة والمفاوضات والبخل  الاسرائیلى تجاه الرئیس أبو مازن وحکومة سلام فیاض فى الضفة  تؤثر وتنعکس سلباً على السیاسة والدیبلوماسیة الأمریکیة فی المنطقة وتشوش على الحرکة والآراء تجاه ملفات أساسیة أخرى مثل لبنان – سوریا – إیران، إدارة بوش اقتنعت مبدئیا بجدوى بل ضرورة التهدئة وفی السیاق فهمت أن لا فرصة لتحقیق ذلک فی ظل تجاهل حماس واستبعادها فأعطت الضوء الأخضر لمصر للشروع فی مشاورات وحوارات مع کل الأطراف و حماس بشکل مرکزی من أجل الوصول إلى تهدئة أقله حتى نهایة العام الحالی 2008 کى تتفرغ الادارة فى عامها الاخیر  لمواجهة الاحوال التى غاصت وغرقت فیها.

مصر تلقفت الرغبة الأمریکیة هی أصلاً کانت متحمسة ومستعدة لهذا الأمر بعد ان اقتنعت بدورها ان اجتیاح ینایر الماضی لحدودها مع غزة قد لا یکون الأخیر وأن لا بد من رفع الحصار عن غزة وفتح المعابر المؤدیة إلیه خاصة معبر رفع ویبدو من المستحیل بالطبع من وجهة نظر واقعیة تحقیق کل ذلک فیما فیما تواصل إسرائیل ارتکاب المجازر ضد الفلسطیننین الامر الذى  یضاعف من إحراج القیادة المصریة وإحباطها.

الطرف الثالث الساعى للتهدئة تمثل بالرئیس محمود عباس الذی راهن ولو بشکل ضمنی على الحصار والعزل وحتى العمل العسکری لإسقاط حماس و إضعافها بالحد الأدنى غیر أن السیاسات والخیارات التی اتبعت خلال التسعة شهور الماضیة أدت إلى تقویة الحرکة لیس فقط فی غزة وإنما فی الضفة الغربیة کما أدت أیضاً إلى خلق أجواء بات من المستحیل من خلالها استئناف مفاوضا ت التسویة مع إسرائیل علما ان خیار التسویة مثل مرکز و محور أداء و عمل الرئیس محمود عباس وبدونه یجد هذا الاخیر نفسه مکشوفا وعاجزا  مکشوفاً وعاجزاً.

التبدلات والتحولات فی مواقف الأطراف الثلاثة تلاقت مع مواقف ورؤى لدى إسرائیل والمقاومة الفلسطینیة وحماس تحدیداً لا ترفض التهدئة من حیث المبدأ، إسرائیل کانت تقبل ضمنیاً بالتهدئة ولکن من منظورها الخاص – إذا أوقفوا الصواریخ سنوقف عملیاتنا کما قال أهود أولمرت الذی أضاف أننا لا نستیقظ صباحاً لنبحث عن مهاجمة غزة – أما أهود باراک فقال أن وقف إطلاق الصواریخ من غزة سیؤدی إلى جیرة حسنة معها وهذه تمثل فعلا الخطوط العریضة للموقف الإسرائیلی اى وقف الصواریخ مقابل وقف العملیات العسکریة مع الاستمرار فی الاحتلال غیر المباشر للقطاع و استمرار الحصار واستغلاله لابتزاز  وإضعاف لیس حماس فقط وإنما الرئیس محمود عباس أیضاً.

أما حماس فهی حساسة جداً لقضیة الحصار والمعابر  وتعتقد أن أی تهدئة غیر مجدیة طالما لم تتضمن وقف الحصار وفتح المعابر وتسهیل حریة الحرکة  للمواطنین والبضائع فى الضفة الغربیة وغزة على حد سواء ، حماس لا تمانع فی إعطاء مهلة زمنیة مفتوحة للتهدئة وهی متأکدة من حتمیة فشل خیار المفاوضات  ومن انتهاء الفترة الدستوریة و القانونیة للرئیس محمود عباس دون تحقیق أی إنجازات ذات بال و ترید الوصول إلى هذه المرحلة معاناة قویة قادرة على مواجهة تحدیاتها واسئلتها الصعبة والمتعددة سؤال المقاومة سؤال  السلطة سؤال فتح وسؤال غزة والاهم   سؤال بل مصیر المشروع الوطنی برمته.

بعدما تخطى الأمر الموافقة المبدئیة على التهدئة وبدأ الاصطدام بالشیطان عبر الغوص فی التفاصیل تناقضت المواقف إسرائیل لا ترید إعطاء أی إنجاز لحماس خاصة فیما یتعلق بالحصار وفتح المعابر وتطبیع الوضع السیاسی فی غزة أی الاعتیاد على حماس سلطتها وتمکینها من إدارة أمورها بشکل مریح وهادئ، ناهیک عما تصفه بسیل السلاح المتدفق على غزة والذی سیحول القطاع إلى جنوب لبنان اخر و حماس إلى حزب الله  2بحسب التصریحات والتسریبات ولذلک کان التصعید الإسرائیلی المدروس والمتعمد باغتیال قادة من المقاومة فی الضفة لیسوا قنابل موقوته باى حال من الاحوال لقتل التهدئة وعلى الأقل تجمیدها ومواصلة الضغط العسکری على حماس لإجبارها على تخفیض السقف والمطالب تجاه التهدئة خاصة فیما یتعلق بالضفة الغربیة وا لسیطرة على المعابر وفی السیاق ایضا تجب الاشارة إلى الشان الإسرائیلى الداخلی ووالیة صنع القرار فالجیش ما زال یتحم بمقالید الامور وتحدیدا مع وصول ایهود باراک الى وزارة الدفاع ویرید مواصلة المهمة الوحیدة التى یجیدها ویحصل على المیزانیات الهائلة من اجلها وهى اطلاق النار والقتل اما باراک فلا یرید إضافة اى إنجاز ولو کان محدودا لخصمه أهود أولمرت و فی نفس الوقت تلمیعوتکریس صورته کسید الامن القادر على ترکیع الفلسطینیین واجبارهم على وقف إطلاق الصواریخ أو على الأقل إبقائها ضد  الحد الأدنى المحتمل اسائلیل لذلک جاء طرح الطائرة مقابل القسام الدبابة مقابل الغراد بمعنى

غارات جویة واغتیالات مقابل قصف سیدروت بالقسام واجتیاحات وتوغلات ومحارق بریة مقابل قصف عسقلان بالغراد وتعوید الفلسطینین على التأقلم والخضوع لقواعد اللعبة الجدیدة.

حماس تفهم طبعاً مغزى الأداء الإسرائیلی وهی مستعدة لمزید من التضحیات بعد ما وضعت الحصار من وراءها وتعتقد انه مات اکلینیکیا والإعلان الرسمی عن ذلک هو مسالة وقت فقط والا فانن اجتیاح الحدود بکل ما  یحمله من دلالات وتداعیات سیتکرر کما انها مقتنعة بفشل الخیار العسکری بعد محرقة غزة الأخیرة والمضى قدما من جانب اسرائیل  فى هذا الخیارلن یحقق لها شیئاً بل على العکس سیراکم من شعبیة حماس وقوتها وقد یضع الضفة على أعتباب انتفاضة ثالثة.

نحن إذن أمام صراع ارادات وخیارات وعض أصابع من العیار الثقیل وکل ما سیجری من تصعید یندرج ضمن هذا السیاق   لتحسین  المواقع والوصول باقل خسائر  التهدئة التی باتت حتمیة فی المدى المنظور ولکنها حتماً ستکون التهدئة التی تسبق العاصفة الفلسطینیة والاقلیمیة التی ستجتاح المنطقة فى غضون عام من الان. 

( المقال لماجد عزام مدیر مرکز شرق المتوسط للدراسات والاعلام )

ن/25


| رمز الموضوع: 140943