الاستیطان..مسمار فى نعش السلام

إذا قلنا إن عملیة السلام تحتضر وتموت تدریجیا فان الاعتراف بذلک جاء فى تصریحات وزیرة الخارجیة الأمریکیة السیدة رایس التى قالت إن على إسرائیل أن تحد من عملیاتها الاستیطانیة التى لا تتماشى وخارطة الطریق.
وإذا تساءلنا: أین هى خارطة الطریق مما یحدث یومیا للفلسطینیین؟ فإننا ندرک جیدا أن عملیة السلام یمکن اعتبارها منتهیة وأن الحدیث عنها یبقى مجرد هراء فى هراء خاصة بعد المشاهد التى نستیقظ علیها یومیا فى الفضائیات العالمیة والتى تنقلها وکالات الأنباء عبر أنحاء العالم والاعتداءات التى یتعرض لها الفلسطینیون باعتراف الولایات المتحدة نفسها وهو الاعتراف الذى یتجلى خاصة عندما تطلب من إسرائیل تخفیف الضغوطات على سکان فلسطین من اجل تحسین ظروفهم الحیاتیة.
وما یمکن ملاحظته أیضا هو أن السلام فى المفهوم الإسرائیلى هو غیره تماما فى المفهوم الفلسطینی، ومن خلال التصریحات التى أطلقتها مختلف الأطراف الفلسطینیة بما فیها السلطة والمعارضة ندرک أن هذه الأطراف لا ترفض خیار السلام، وإنما ترفض أن یکون على حساب المبادئ والثوابت الفلسطینیة یعنى أن نتائج خیار السلام ینبغى أن تنعکس على الظروف العامة التى یعیشها السکان فى الضفة الغربیة وقطاع غزة، کما ترفض أن یکون هذا الخیار خادما للمصالح الإسرائیلیة فقط ومبررا للاعتداءات التى تقوم بها الآلة العسکریة الإسرائیلیة تحت ضغوط المصالح الأمریکیة.
ومن ناحیة أخرى فإن إسرائیل- علاوة على الاعتداءات وسیاسة القتل المتعمد والتصفیة الجسدیة للمناضلین الفلسطینیین- تعمد الى إثارة مسالة الاستیطان لتؤکد أن السلام الذى یتحدثون عنه یجب أن یمر من المفهوم الإسرائیلى لا غیر وان هذا المفهوم یرتکز على احتلال الأرض واغتصابها کل یوم وکل ساعة سواء عبر سیاسة الاستیطان وبناء الوحدات السکنیة للإسرائیلیین فى مختلف أنحاء الأراضى الفلسطینیة التى مازالت لم تخضع للاقتطاع الإسرائیلى القدیم أو الحدیث أم عبر الجدار العار الذى کرس عزل الفلسطینیین وإبعادهم عن أراضیهم واضعا إیاهم فى سجن کبیر تتحکم فى مداخله ومخارجه إسرائیل أمام أعین العالم فى واحد من أبشع وأفظع الاعتداءات على حرمة الإنسان وعلى حقوقه السیاسیة والمدنیة.
والیوم وعندما أحست إسرائیل بأن الولایات المتحدة فى حاجة الى استمالة ولو جزء بسیط من الرأى العام العربى بعد ما فعلته فى المنطقة من خلال الضغط علیها لتحسن أوضاع السکان فى الأراضى الفلسطینیة عادت لإثارة مسالة الاستیطان وتحقیق بعض الأهداف المرحلیة والإستراتیجیة ، تتمثل الأهداف المرحلیة فى سد الطریق أمام الولایات المتحدة وکل من یراهن علیها من الفلسطینیین لمنعها من مزید التسامح مع العرب، أما الأهداف الإستراتیجیة فتتمثل فى العمل على إبقاء مسالة الاستیطان حاضرة دائما فى الأذهان لتحقیقها فى غفوة من الغفوات المتکررة والکثیرة للعالم العربى بالخصوص، لان إسرائیل تعتقد أن الاستیطان هو سلاحها الفعال ضد الفلسطینیین المتمسکین بحقهم فى أرضهم وفى وطنهم.
الاستیطان إذن یبقى آفة تنخر عملیة السلام فکلما تقدمت المسألة خطوة ولو صغیرة فى مستوى النقاشات تسارع إسرائیل إلى صرف الأنظار إلى أى شیء آخر یمکن أن یسرق الأضواء للوقوف فى وجه المقاربة الفلسطینیة فى الصراع مع إسرائیل.
( المقال لسلیم الکرای )
ن/25