الانفجار قادم
قبل ما یزید عن الشهرین سقطت الحدود المصطنعة بین فلسطین ومصر بعد اشتداد الحصار وتزاید جرائم الاحتلال، وکانت خطوة ایقاف امدادات الوقود وقطع التیار الکهربائی الشرارة التی دفعت بالناس باتجاه بعدهم ونطاقهم الطبیعی، أی اهلهم واخوتهم فی أرض الکنانة، دخلوا بکل احترام، قضوا حاجیاتهم وعادوا الى سجنهم الکبیر – قطاع غزة.
حرّکت هذه الموجة الجماهیریة بمئات الالاف أقلاماً سوداء، صبت جام حقدها على کل ما هو فلسطینی فی محاولة لتألیب الرأی العام المصری المتعاطف بالکامل والداعم لصمود شعبنا، فی عملیة ارعاب مبرمجة لاظهار الفلسطینی بمظهر الشریر الطامع فی الاستیطان بسیناء، جالب الأوبئة والأمراض والعملات المزورة، وهو ما دحضته الوقائع وفشل مثیرو الفتن من أصحاب أقلام السوء فی اثباته أو فی التأثیر على موقف الشعب المصری العظیم.
تحول هؤلاء بعدها لاسطوانة مشروخة لا اساس لها من الصحة، اسموها الأمن القومی المصری، والتهدید القادم من الشرق، والمقصود هنا التهدید الفلسطینی لا الاسرائیلی، وزادوا جرعة التخویف والترهیب، وخرجوا ومعهم أغبیاء متذاکین من فریق أوسلو بنظریات غریبة مفادها رفض القاء تبعات ومسؤولیات الاحتلال على مصر، ولافشال هذا المخطط یجب ابقاء الاحتلال على المعبر لنثبت أن هناک احتلال، کلام سخیف کمروجیه، یهدف فقط لخنق الشعب الفلسطینی تساوقاً مع المحتل البغیض، وکأن أمن مصر القومی لا یتحقق إلا بوجود ضباط الاحتلال على المعبر، وکأن الاحتلال یتحمل أی مسؤولیة الیوم، وکأن أحداً طلب من مصر تحمل أیة مسؤولیة، المطلوب فقط هو فتح وتنظیم معبر رفح لیکون فلسطینیاً مصریاً خالصا، فهل هذا مستحیل أو تعجیزی؟
لا یرغب أی فلسطینی بالتدخل فی الشأن الداخلی المصری، ولا یقبل أحد بذلک، ولم یحدث یوماً أن شکّل أی فلسطینی خطراً على مصر مطلقاً، لسبب جد بسیط لأننا نکن کل المحبة والمعزة لمصر وأهلها الکرام، ونعتبر أن أمن مصر هو أمننا، ویؤلمنا جداً ما یشاع عن تعرض مصر الحبیبة للخطر لأننا نرید العیش والبقاء، ونرفض فی ذات الوقت التساوق مع المحتل فی فرض الموت البطیء على ملیون ونصف فلسطینی فی قطاع غزة.
رغم ذلک یصر النظام الرسمی فی مصر على الوقوف فی جانب الاحتلال والمشارکة فی فرض الحصار الجائر على شعبنا دون أن یرف له جفن، وتحت أعذار واهیة، یساعده فی ذلک موقف فریق رام الله الرافض لفتح المعبر والمصر على العمل باتفاقیة دحلان لعام 2005 أی عودة الاحتلال للتحکم بقطاع غزة بعد أن اندحر عنه، هذه السیاسة التی تعنی الاعدام البطیء لملیون ونصف فلسطینی، سقط منهم الیوم 6 مرضى فیما ینتظر الالاف نفس المصیر.
لم یکتفوا بذلک بل بدأوا فی بناء سور حدیدی صخری بمئات الملایین من الدولارات، سور ذکّر صدیق لی بسور ذی القرنین، وبعد أن وصل الأمن القومی لأخطر مراحله وجیش مصر یتحول للمخابز لسد العجز فی لقمة العیش، وشعب مصر یبحث عن رغیف العیش یملأ به الأمعاء الخاویة بینما مئات الملایین تصرف لتجویع اخوة لهم على الجانب الآخر من الحدود، یبحثون عن لقمة العیش مثلهم تماماً!
عندما یعلن شعبنا الصابر على ظلم الاعداء والأصدقاء أنه لن یقبل قرار اعدامه تثور ثائرة المتاجرین بدماء وقوت شعبنا من حکام المقاطعة، بیانات هنا وادانات هناک، وتساؤلات مسمومة لماذا معبر رفح؟ توجهوا نحو معبر بیت حانون – أو ایریز کما یحلو لهم تسمیته – ولکن لا یجیبوننا وبعدها إلى أین وبأی ثمن؟ وهل یستطیع کائن من کان أن یصل للمعبر المذکور؟ وهل الانتحار على معبر بیت حانون سیفک الحصار؟ وهل تساوت لدیهم اخوّتنا مع اهلنا فی مصر مع شرکائهم فی السلام المزعوم؟ أم هی المناکفة والتحریض والمشارکة المباشرة فی الحصار؟
عندما یعلن شعبنا أنه سیفک الحصار یُهدد بتکسیر الأرجل، ویعود البعض لتذکیره بالأمن القومی المصری الذی یحرص الفلسطینی علیه أکثر من حرصه على نفسه، لکن ماذا عن أمننا؟ لا نقول القومی لکن أمننا الغذائی والدوائی والکسائی؟ ماذا عن ضحایا الحصار؟ ماذا عنا یا أشقاءنا؟ هل یجب أن نموت دون أن نزعجکم؟ هل تتوقعون منا أن نموت دون أن نحرک ساکناً؟ اسألوا أنفسکم هل یقبل أحدکم أن یرقب موت مریض له أو جوع طفله دون أن یتحرک؟ لا تلوموا من یحتضر بل لوموا أنفسکم، الوضع الیوم هو أسوأ من شهر ینایر/کانون الثانی الماضی، فهل تریدون منا الموت الهادیء؟
یقول وکیل وزارة الاعلام الدکتورحسن أبو حشیش فی مقال له تحت عنوان " احذروا انفجار برکان غزة المنکوبة فی وجه الحصار": " إن حالة التفرج علینا لم تعد مقبولة , وحالة الاستهتار بمرضانا وأطفالنا وشیوخنا ونسائنا لم تعد محتملة , وکل أنواع الصبر والاحتمال من المُفترض أنها نفذت منذ زمن , فلا مجال للمُغامرة والمُقامرة بمصیر شعب بأکمله , کل حقن وإبر المخدر انتهى مفعولها , وکل أقراص المُسکن والمُهدئ باتت غیر صالحة ... فنحن أمام شعب یُذبح بأسلحة غیر ماضیة , ویموت ببطء , ویُقتل بأنیاب ضاحکة ضحکات صفراء , ویُخنق بأیادٍ مُلطخة بالدماء ولکنها تصافح أیدی منا" ویضیف " لقد بلغ السیل الزُبى , وبلغت القلوب الحناجر , وأصبحت المعیشة فی قطاع غزة لا تُطاق , ووصل البرکان والغضب الشعبی والجماهیری مبلغه , ولامس قشرة الأرض ویتهیأ للثوران , وکسر القید , وإزالة الأسلاک , وتحطیم الطوق والقید ... فالجوع والمرض والقید والحرمان والعدوان ومنع التحرک والظلمة وتعطیل مناحی الحیاة ...کلها مُسببات کفران ونکران للواقع, ومُسببات للثورة على کل مناحی الظلم... ها نحن نتحسس مواطن الخطر المُقبل , وظروف العیش القاسیة , ونحذر الجمیع من برکان الغضب الذی سیثور فی وجه الجمیع". انتهى الاقتباس.
الانفجار یا سادة قادم لا محالة، لن توقفه التهدیدات بکسر الأرجل، ولا نشر القوات والمعدات، ولا الأخبار الملفقة عن وصول مساعدات وهمیة، ولن یکون کسابقه فی الوقت والتوقیت والقوة، ولن یقبل شعبنا أن یتحول لمحکوم بالاعدام البطیء بقرار عربی، ولن تفلح الجدر من کل الاتجاهات فی وقف ثورة شعبنا وما عملیة الیوم ضد موقع الاحتلال فی ناحال عوز إلا دلیل على ارادة البقاء، والأهم أنه لا یوجد لدى شعبنا ما یخسره، خیاراته محدودة، اما الموت البطیء بقرار عربی، أو الموت السریع برصاص عربی، فهل تتحمل مصر الشقیقة هذا الوزر فی الحالتین؟
کما یقول المثل: إذا لم یکن من الموت بد فمن العار أن تموت جبانا، وشعبنا بالتأکید لیس جبان.
( المقال للدکتور ابراهیم الحمامی )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS