دروس من سیدة محترمة

قسم التحلیل والتعلیق ــ  القسم العربی فی وکالة قدسنا

من  المضحک ان تستغل سیدة محترمة هی نائبة رئیس الوزراء ، و  وزیرة الخارجیة فی الکیان الصهیونی ، دعوتها الى مؤتمر الدیمقراطیة فی الدوحة لکی تلقی محاضرات على الحضور عامة ، والعرب خاصة ، حول الدیمقراطیة والاعتدال المزعوم وکیفیة تحقق السلام فی المنطقة حسب الرغبة الامریکیة الصهیونیة .

هذه السیدة المحترمة اقترحت فی کلمتها التی القتها فی الندوة  التی دعیت الیها وشارکت فیها ، منع ما وصفته بالمنظمات الارهابیة فی لبنان وفلسطین من المشارکة فی ای عملیة انتخابیة دیمقراطیة، لان مشارکتها تعتبر تخریبا للدیمقراطیة التی تؤمن بها هی بالطبع ، وتناقضا للاسس التی تقوم علیها.

ولعل اخطر ما قالته هو تکوین حزمة من القیم تکون بمثابة میثاق للدول المعتدلة المزعومة ، ومحدد لمنطلقاتها ومواقفها، ویعزز العلاقات فیما بینها بما یصهرها فی تجمع موحد ضد التطرف والارهاب حسب زعمها.

الطریف ان هذه السیدة المحترمة تضع نفسها بکل ثقة فی صف الدول العربیة المعتدلة، وربما تتطلع الى رئاسة المحور الجدید الذی یتبلور، برعایة امریکیة، لیکون جبهة مواجهة مع دول المحور الآخر، ای محور المتطرفین حسب زعمهم  حیث یدعون انه بزعامة  ومشارکة ایران وسوریة و حزب الله وحرکة المقاومة الاسلامیة حماس والجهاد الاسلامی فی فلسطین .

الکیان الصهیونی لا یمکن ان یکون عضوا فی ای محور لدول الاعتدال، عربیا کان او غیر عربی،اولاً إن صح هذا التعبیر و ثانیاً  لانها الکیان الاکثر تطرفا او  بالاحرى  المتطرفة الوحیدة فی المنطقة من خلال السیاسات الارهابیة التی تتبعها فی الاراضی الفلسطینیة المحتلة ولبنان، وهی سیاسات تؤدی الى إحراج الدول المعتدلة الحلیفة للغرب، وتخدم او تحرض على التطرف فی اوساط الشعوب العربیة إن صح التعبیر . والأمر الهام هو أن التطرف الذی تدعیه السیدة المحترمة و البیت الابیض لم ینشأ  سوى بسبب  السیاسات الامریکیة فی المنطقة و ممارسات  الکیان المحتل.

فاین هو الاعتدال الاسرائیلی عندما تقدم حکومة السیدة  المحترمة على قطع امدادات الطعام والوقود والادویة وقطع الغیار والکهرباء عن قطاع غزة الذی یضم اکثر من ملیون ونصف الملیون فلسطینی، یتضورون جوعا بفعل الحصار الاسرائیلی الخانق، واین هذا الاعتدال  عندما تقیم حکومة السیدة  المحترمة حوالی سبعمئة حاجز فی الضفة الغربیة تحول حیاة ثلاثة ملایین فلسطینی الى جحیم لا یطاق من الاهانات وعملیات الاذلال الیومیة؟ واین هو الاعتدال أیها السادة المعتدلون الذین تخاطبکم  السیدة  المحترمة  و حکومتها حین تقتل الاطفال الفلسطینیین الابریاء کل یوم ... نعم  کل یوم ألا تصدقون یا سادة ...ألا تعلمون ...أم تتغافلون ...  

السیدة  المحترمة تغالط نفسها وأنتم تعلمون ذلک عندما تعتقد انها تخاطب جمهورا عربیا مغفلا یمکن ان تنطلی علیه اکاذیبها الناعمة المغلفة بمغالطات ساذجة حول الاعتدال الاسرائیلی وتطرف الآخرین فی المقابل، والمنظمات العربیة المقاومة على وجه الخصوص.

لنعد ونلقی نظرة على بلد غربی دیمقراطی ، بریطانیا مثلاًً، فهی لم تحرم الحزب الجمهوری الایرلندی من دخول العملیة السیاسیة الدیمقراطیة حتى فی ذروة عملیاتها  المسلحة فی قلب حی المال فی وسط لندن . فالحزب کان ممثلا فی البرلمان من خلال جناحه السیاسی، وحققت حکومة تونی بلیر العمالیة انجازها الابرز تاریخیا، عندما انخرطت فی مفاوضات مباشرة معه، فی اتجاه مناقض تماما لحکومات المحافظین المتعاقبة، مما ادى فی النهایة الى التوصل الى اتفاق سلام، ادى الى انتهاء العنف والارهاب فی ایرلندا الشمالیة بعد عقود من الصدامات الدمویة. بالطبع هذا لا یعنی اننا  نفرض هذه العملیة والنظریة على الحرکات الفلسطینیة ، بل کان مثالاً على الدیمقراطیة التی  إدعتها السیدة المحترمة .

السیدة المحترمة ، مثل کل الرجالات فی الکیان الصهیونی  ، ترید تفصیل قوانین ومواثیق وفق مقاسات  تل ابیب ، وکأن العالم کله اسرائیل، واسرائیل هی العالم کله، وهنا یکمن الخلل الاساسی الذی یجعل العالم بأسره اکثر توتراً واضطرابا.

بمعنی انها ترید فرض مفهوم جدید یمنع منظمات مثل حماس و حزب الله و الجهاد الاسلامی من دخول العملیة الدیمقراطیة، وتعمیم هذا المفهوم على العالم کله لتبریر هذه الخطوة الاقصائیة الخطیرة، علاوة على کونها مفرطة فی غبائها وقصر نظرها.

هذه الانانیة الاسرائیلیة المفرطة المدعومة امریکیا للاسف هی التی جعلت العالم اقل أمنا وإستقرارا، وشجعت تزاید اعمال العنف  المزعوم  وجعلت شعوب المنطقة تواجه  الویل و الویلات  من جانب الغربیین و حکوماتها  المفروضة علیها من قبل الغرب .  

ن/25