السبت 12 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

أمیرکا وصناعة الفشل

 

 

 یبدو أن صناع القرار فی الولایات المتحدة الأمیرکیة  أدمنوا أو فی أحسن الأحوال استطابوا التفرج على العالم وهو یقف فی حالة من القلق وعدم الاستقرار والانتظار والترقب لما سوف یمکن أن یحدث فی هذه البقعة أو تلک من العالم، وما هو القرار الذی سوف یتم اتخاذه من قبل حاکم البیت الأبیض فیما یتعلق بهذه القضیة أو تلک من قضایا هذا الکوکب.

 

سید البیت الأبیض یبدو أنه اتخذ قرارا بألا یغادر "کرسی" الرئاسة إلا بعد أن یکون قد ترک إرثا ثقیلا لمن یأتی بعده بغض النظر عمن یکون، سواء کان الساکن الجدید من الحزب الدیمقراطی المنافس بقوة على دخول المکتب البیضاوی أو من الحزب الجمهوری الذی ینتمی إلیه السید جورج دبلیو بوش.

 فلیس من الصعوبة على أی مراقب  أن یلاحظ  ما هی الآثار السلبیة التی ترکتها السیاسات التی یمکن أن توصف "بالرعناء وغیر المسؤولة" والتی اتبعها الرئیس الأمیرکی جورج بوش (من خلال کل الکذب الذی تمت فبرکته وصناعته فی دوائر التآمر بشکل ممجوج یتسم بالوقاحة عدا عن الاستهتار بعقول البشر، وکذلک من خلال هذا الهوس الدینی الذی یسیطر علیه والذی لا یقل بحال من الأحوال عن هوس من یصفهم بوش نفسه بأنهم مجموعات من الرعاع أو القتلة أو أی توصیفات أخرى تتفتق عنها "قریحته" التی اکتشف العالم بأنها مریضة) فی أکثر من بقعة فی العالم لیس فقط على الأقطار المعنیة بشکل مباشر بتلک السیاسة لا بل وحتى على الولایات المتحدة الأمیرکیة نفسها.

وحیث أنه قیض لنا أن نکون من أبناء هذه البقعة من العالم فإننا یمکننا أن نتحدث عنها إذا ما أردنا أن نغض الطرف عن بقیة أرجاء الکون وسوف نتعرض لبعض الأمثلة ولیس بالضرورة کلها لأننا نعتقد بأن فیما سنتعرض له ما یکفی لإیصال الرسالة المرجوة. فإذا ما نظرنا إلى ما الذی حدث فی أفغانستان على سبیل المثال فإن بالإمکان أن نمیز بأنه وبعد حوالی ستة أعوام من الهجوم غیر المبرر الذی قادته الولایات المتحدة الأمیرکیة ومن تحالف معها - فی أسوأ حرب انتقامیة تقوم بها دولة عظمى ضد بلد موغل بالتخلف- أین صارت أفغانستان وما الذی حققته الولایات المتحدة الأمیرکیة وحلفاؤها فی هذا البلد برغم کل المزاعم ومحاولات التجمیل والترویج -لإنجازات لا توجد إلا فی أذهان من یروج لها- التی تحاول إدارة السید بوش ترویجها عن نشر قیم الدیمقراطیة والحریة وحقوق الإنسان.

ونحن عندما نقول هذا الذی نقوله، فإنما لیس فی ذهننا أن ندافع أو أن نتبنى أو أن نروج ولا بأی حال من الأحوال لفکر تنظیم القاعدة أو من یرتبط بها ولا للحرکات الإرهابیة بکل أشکالها وانتماءاتها التی روعت الأبریاء فی کل أنحاء  العالم، بقدر ما نحاول التأکید على أن سیاسة البلطجة وممارسة ما یمکن أن نسمیه إرهاب الدولة الممنهج والمبرمج الذی تتبعه الولایات المتحدة الأمیرکیة فی ما تدعی بأنه "حربها على الإرهاب" لا یقل خطرا  ولا یقل إرهابا ولا ترویعا کذلک ولا بحال من الأحوال عن إرهاب تنظیم القاعدة الذی هو فی حقیقة الأمر لیس سوى إحدى المنتجات الأمیرکیة  الخبیثة خلال الحرب التی کانت تعرف بالباردة، والتی أرادت من خلاله محاربة الفکر "الإلحادی" کما تم التنظیر له وتبنیه وتمویله ورعایته وتوفیر کل مقومات القوة له فی حینه.

اما فیما یتعلق بالعراق فنعتقد بأن الحال لم یکن أکثر إشراقا أو نجاحا بالنسبة لبوش وزمرته المتصهینة والتی أخذت على عاتقها أن تدمر هذا البلد وأن تعیده عشرات السنین إلى الوراء، وأن تعمل فی أهله تقتیلا وفتکا وتجهیلا وتجویعا وتشریدا بحیث أجمعت کل المؤسسات العاملة فی کافة المجالات المتعلقة بنشر ما صار یعرف بمفاهیم الدیمقراطیة والحریات العامة ومکافحة العنف واللاجئین ومکافحة الفساد وحقوق الإنسان على أن ما تسببته الولایات المتحدة الأمیرکیة فی غزوها لهذا البلد واحتلاله یعتبر کارثة بکل المقاییس ولا یمکن أن تقارن.

أما فیما یتعلق بالفساد المالی والإداری فلقد تم تصنیف العراق على أنه من أکثر الدول فی العالم فسادا من الناحیة المالیة والإداریة، کما تحول البلد إلى ساحة مستباحة لکل أشکال العصابات المتخصصة فی کل أنواع الإجرام من القتل والابتزاز وسرقة الآثار والبنوک والنفط والتهریب والاغتصاب هذا عدا انتشار المیلیشیات المتعددة الولاءات والارتباطات التی صارت السید والحکم هذا عدا عن حالة الفلتات الأمنی التی لا یمکن مقارنتها فی أی حالة من الحالات ولا فی أی بلد من البلدان لا فی الوقت الراهن ولا فی الأوقات السابقة.

یحدث هذا فی العراق "الجدید" فی الوقت الذی لا یتوقف فیه سید البیت الأبیض والزمرة المحیطة به عن تردید کل الکذب المخجل والدعایة الزائفة عن الحریة والدیمقراطیة وحقوق الإنسان والتخلص من النظام الدیکتاتوری فی العراق، وأن البلد بدأ بالتحول إلى ما یشبه الواحة الدیمقراطیة فی منطقة تسودها الأنظمة القمعیة والدیکتاتوریة أو البغیضة ،وإذا کان الأمر کذلک فالسؤال هو لماذا یتم الإبقاء على تلک الأنظمة ولماذا لا یتم التعامل معها على نفس السویة من التعامل مع نظام صدام حسین فی العراق.

 ونحن هنا أیضا لا نحاول الدفاع عن النظام العراقی السابق لأننا لا یمکن أن ندافع عن أی نظام دیکتاتوری أو یمارس القمع لشعبه، کما أن هناک من هو أحق  بأن یقوم بهذا الدور والذی نعتقد بأنه أیضا أکثر قدرة منا على الدفاع عن نظام صدام حسین، إلا أننا نتساءل، إذا کان بوش هو مخلص البشریة من ظلم الحاکمین، فلماذا یبقی على کل تلک الأنظمة التی یعرفها کما نعرفها ولماذا لا یحرک حتى ولو إصبعا واحدا فی وجهها فی محاولة منه لتخلیص شعوبها منها، وأن یقوم بما قام به فی العراق.

الرئیس الأمیرکی الذی لم یتردد أو یتوان عن تدمیر أفغانستان هذا البلد الذی لا یشبهه من البلدان فی التخلف إلا القلیل، کما وذبح العراق، یبدو أنه لم یکتف بذلک، فهو وبعد أن فشل کل هذا الفشل الذریع والمریع فی کلتا التجربتین حاول التوجه إلى لبنان فصار یتدخل بشکل ممجوج من خلال التبع والأذناب الذین تمت زراعتهم فی ذلک البلد وهو وعلى مدى السنوات الماضیة ومن خلال کل الأدوات المأجورة استطاع أن یبقی البلد على کف "عفاریته" التی لا ترغب فی أن ترى البلد فی حالة من الاستقرار والهدوء، فی استجابة واضحة لتوجهات وتوجیهات سید البیت الأبیض وهی لا تتوقف عن خلق الأزمات الواحدة تلو الأخرى.

وهنا لا نرید الخوض فی ما الذی تحاول إدارة الرئیس الأمیرکی جورج بوش القیام به فی دولة السودان من خلال إقلیم دارفور، ولا ما الذی قامت به ضد لیبیا وغیرها من البلدان فی المنطقة، حیث أن القائمة طویلة والتجارب تؤکد على سیاسات لم تکن فی یوم من الأیام سیاسات صحیحة أو تنم عن حنکة أو معرفة جیدة بالمنطقة.

وإذا ما أخذنا الواقع الموجود فی فلسطین، فإننا سوف لن نجد الأمر بأحسن حال مما هو علیه فی البلدان الأخرى التی تستهدفها الولایات المتحدة بقیادة السید جورج بوش. فبرغم کل ادعاءات الرئیس الأمیرکی عن الحریة والدیمقراطیة وحقوق الإنسان وبرغم أن الإدارة الأمیرکیة ومن خلفها أو من أمامها أو من على جنبها الدولة العبریة عندما  دفع الطرفان – أمیرکا وإسرائیل- بکل قوة باتجاه ان تکون هنالک انتخابات تشریعیة فی فلسطین، تلک الانتخابات التی جرت وبشهادة کل الشهود من شتى دول العالم، حول شفافیة ونزاهة وحریة تلک الانتخابات، إلا أن المفاجأة کانت أن أول من انقلب على تلک النتائج کان السید الأمیرکی والدولة العبریة فی رفض فاضح لما أفرزته -ما یمکن أن نطلق علیه- أبهى التجارب الدیمقراطیة فی المنطقة العربیة.

إننا نعتقد وبرغم ما لنا من تحفظات على ما حصل خلال العامین الماضین وبعد فوز حرکة حماس أن من أجهض هذه التجربة الدیمقراطیة وأن أول من تآمر علیها کان هو من شجع ودعا إلیها ألا وهو إدارة بوش ودولة الکیان الإسرائیلی - طبعا یمکن أن یضاف إلى ذلک الکثیر من الدول فی المنطقة والتی تدور فی الفلک الأمیرکی والتی یبدو أنها لم یعجبها لا نجاح التجربة الدیمقراطیة ولا نجاح حرکة حماس- وهذا ما لا یمکن أن نفهمه سوى أن دعوات الولایات المتحدة للحریة والدیمقراطیة وحقوق الإنسان لا تمت إلى الأصالة بشیء وأنها دعوات مشبوهة ولا یمکن أن یتم مبارکتها إلا إذا کانت نتائجها تتوائم مع العقلیة والسیاسة والأهداف الأمیرکیة، وأنها إذا ما خالفت تلک التوجهات أو الأهداف فانه یتم التعامل معها بشکل فج ولا یتم الاعتراف بها ولا بما تمخضت عنه.

أما ما هی نتائج تلک السیاسات الأمیرکیة على الولایات المتحدة نفسها فإننا نعتقد بان أی منا یستطیع أن یضع إصبعه مباشرة على کل هذا الذی حصل للولایات المتحدة الأمیرکیة خاصة خلال السنوات التی تلت غزو أفغانستان والعراق، ویمکن إن نقول بأن الولایات  المتحدة صارت من أکثر الدول بغضا فی العالم، وصار ینظر إلیها على أنها دولة غیر منسجمة بما تحاول الترویج له من دعم للدیمقراطیة وحقوق الإنسان وغیر ذلک من الشعارات التی ثبت أنها فارغة ولا علاقة لها بالواقع.

الولایات المتحدة بالإضافة إلى ذلک فقدت مصداقیتها وتعاملت خارج وضد القانون الدولی وکل المواثیق التی تنص علیها شرعة الأمم المتحدة وتصرفت فی کثیر من المسائل بطریقة بعیدة عن العلاقات السائدة بین الدول کما تعاطت کدولة خارجة عن القانون وهذا لیس فی مجال غزو الدول واستثمار قوتها بل وحتى فی ما یتعلق بالمناخ والبیئة وغیرها.

فی کثیر من الحالات ثبت أن سیاسة أمیرکا فی العالم سببت کراهیة الشعوب للدولة العظمى الأولى فی العالم، وان اعتقدت إدارة بوش أو غیره بأنها بفتات المساعدات أو حتى کثیرها تستطیع أن تشتری قلوب البشر أو محبتهم فان ذلک ینم عن حالة جهل أخرى تعیشها أمیرکا ومن یقدم لها التقاریر فی بقاع العالم، وان علیها أن تراجع تلک التقاریر لان فیها الکثیر من الکذب والتزویر کما کانت تقاریر العملاء الصغار  حول العراق وأسلحة العراق  التی ثبت أنها تقاریر مزورة ومفبرکة وکاذبة.وعلى أمیرکا أن تعلم بأنه لیس بالخبز وحده یحی الإنسان، وان کثیرا من شعوب العالم لا ترید خبز المساعدات الأمیرکیة ولا ما یقال عنه أو یتم تصنیفه تحت – هدیة من شعب الولایات المتحدة الأمیرکیة-.

إذا کانت الولایات المتحدة الأمیرکیة ترغب فعلا فی أن لا تستمر الکراهیة العالمیة لها ولسیاساتها علیها أن تتعامل بمعیار واحد وأن تنظر إلى قضایا العالم بکلتا العینین لا أن تغض الطرف عن حاکم عمیل هنا أو ملک خانع أو رئیس تابع هناک، کما أن علیها أن لا تتعامل مع قضایا الشعوب على أنها قضایا إنسانیة فقط  وانه یمکن حلها من خلال المساعدات الإنسانیة  التی لا تسمن  ولا تغنی عن جوع، أو من خلال الکثیر من مؤسسات وجمعیات الإغاثة التی صارت تتکاثر بشکل مشبوه ویثیر علامات الاستفهام، هناک الکثیر من القضایا التی لا یمکن أن تحل من خلال هذه المؤسسات التی تحاول الانتشار من اجل تقدیم کیس من الطحین أو فتح حضانة أو بناء سور أو حدیقة أو إنشاء مستشفى، هذه المسائل لم تعد تنطلی على الناس، ربما کان الأمر کذلک حلال فترة من الزمن معینة إلا إنها سیاسة أصبحت مکشوفة ولا یمکن أن تغطی عورة الولایات المتحدة ولا  سیاساتها الحمقاء ضد دول العالم. لم یعد ممکنا خداع العالم بهذه المساعدات التی إذا ما تم حسابها فهی لا تساوی أی شیء مقارنة مع المیزانیة الخیالیة للولایات المتحدة وهی لیس سوى محاولات عقیمة لتجمیل صورة أمیرکا القبیحة فی عیون العالم.

اعتقد أن هناک ممن یقومون بکتابة التقاریر فی البلدان التی یتم تقدیم المساعدات فیها من هو مخلص فی قول الحقیقة عن نظرة العالم لما تقوم به أمیرکا، ولا اعتقد أن هؤلاء یقدمون تقاریر وهمیة لا تمت للواقع بصلة،إلا أن أحدا لا یقوم بقراءة تلک التقاریر- ربما أکون مخطئا- لأن الغطرسة الأمیرکیة لا تدیر بالا إلى ذلک وأن لدى أمیرکا أجندة معینة ترید تنفیذها فی المنطقة والعالم وهذا ما نرجحه من خلال ما نراه یطبق على ارض الواقع.

لست ادری فیما إذا کان هناک من رجل رشید فی الإدارات الأمیرکیة یمکنه أن یقول بأن حرکة التاریخ لا یمکن أن تتوقف وأن على أمیرکا أن تدرک أن ما یجوز الیوم لا یجوز بالضرورة غدا وان علیها أن تتوقف عن ممارسة غطرستها لان للعالم فی التاریخ عبرة واعتقد بأن تجربة الاتحاد السوفییتی السابق لیست ببعیدة فهی قد حصلت بالأمس ولا زال الکل منا شاهدا علیها، ترى هل تعتبر أمیرکا من تلک التجربة؟  أم ترى أن غطرستها ستقودها إلى مغامرة أخرى لن تکون أقل فشلا مما سبق؟

( للکاتب الفلسطینی  رشید شاهین من بیت لحم )

ن/25

 


| رمز الموضوع: 140982







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)