احمرار المسّ بحزب الله

 کتب البروفیسور عبد الستار قاسم فی مقال استلمته  وکالة قدسنا :

تحمل حزب الله حتى الآن الکثیر من التطاول علیه والمسّ بقیاداته بطرق غیر لائقة، وأحیانا خارجة تماما عن حدود أدب التعامل الذی من شأنه أن یمنع الاقتتال بین اللبنانیین. هذا الحزب الذی هزم إسرائیل مرتین حتى الآن لم ینل من الکثیر من اللبنانیین بتشجیع من أنظمة عربیة سوى القذف والشتم وکیل الاتهامات. وبالرغم من ذلک حافظ الحزب على شرف السلاح وطهارته، ولم یستعمله یوما فی مواجهة داخلیة، ورفض حتى أن یلوح به تهدیدا لخصوم داخلیین. بقی الحزب محافظا على أخلاقیات السلاح، وأخلاقیات التعامل بین أبناء الشعب الواحد وأبناء الأمة الواحدة.

حاولوا جرّ الحزب إلى اقتتال داخلی علّ فی ذلک ما یریح السیاسة الأمریکیة والإسرائیلیة فی المنطقة، لکن الحزب بقی صامدا رافضا لکل الاستفزازات بما فیها الاعتداءات الدمویة، وحال دون رغبات الإسرائیلیین والأمریکیین. وکان تقدیری بأن الحزب سیحافظ تماما على هدوء الجبهة الداخلیة ما دامت حملات المعارضة اللبنانیة المتمثلة بحکومة السنیورة ورائدیها جعجع وجنبلاط باقیة ضمن النکایات الیومیة والمماحکات والتنغیص والتشهیر والتهویل، لکن صبره قد لا یطول إذا أخذت التطورات تمسّ الأبعاد الإستراتیجیة فی مواجهة الحزب لإسرائیل. مؤخرا، تجاوز ولید جنبلاط الخطوط الحمر وتحدث عما تعتبره المقاومة من المحرمات التی تعرض أمنها وأداءها للخطر. تحدث جنبلاط عن شبکة اتصالات الحزب، ووضع مسألة أمنیة حیویة أمام النقاش العلنی والجدل الداخلی، وأخذ یحرض الحکومة واللبنانیین ضد الحزب على اعتبار أنه یقیم دولة داخل دولة. وقد استجابت الحکومة اللبنانیة لدعوته واعتبرت أن شبکة اتصال حزب الله غیر شرعیة. هذا یعنی أن الحکومة قد تطلب من أجهزة الأمن الداخلی اللبنانیة ومن الجیش التحرک ضد هذه الشبکة، الأمر الذی ستترتب علیه تداعیات داخلیة لبنانیة خطیرة ودمویة.

جنبلاط لم یکتشف أمرا غیر معروف لأنه من المتوقع أن تکون للمقاومة اللبنانیة شبکات اتصال خاصة بها، ولا یتصور أحد أن حزب الله قد انتصر عام 2006 بشبکة اتصال الدولة اللبنانیة المخترقة من جهات عدیدة. ومن السذاجة جدا أن یفکر أحد بأن على المقاومة أن تعتمد فی اتصالاتها على شبکة اتصالات تخترقها إسرائیل وأمریکا بکل أریحیة. لکن الخطیر فی مسألة جنبلاط فی أنه نبه إلى جهود حزب الله فی حمایة الجبهة الداخلیة اللبنانیة من الاختراقات الأمنیة الأجنبیة الشخصیة وغیر الشخصیة. حزب الله بالتأکید یراقب الحرکة سواء فی مطار بیروت أو غیره لأنه مستهدف بکثافة وبغلّ من قبل أجهزة مخابرات عدیدة: أمریکیة وعربیة وإسرائیلیة وفرنساویة وإنکلیزیة، الخ. وقد کشف جنبلاط عن أشیاء قد تکون مفیدة لأجهزة الأمن المعادیة.

تقدیری أن حزب الله سیصدر تحذیرا هذه المرة، لکنه لن یصعّد الموقف إلى درجة المواجهة المسلحة. ومن المفروض أن تقدر الجهات اللبنانیة بأن حزب الله لن یستخدم قواته الضاربة التی ستواجه إسرائیل إذا قرر المواجهة. حزب الله سیستعمل قوة ثانویة قادرة على حسم الأمور بسرعة وقبل أن تکون إسرائیل قادرة على نجدة أحد. أی أنه إذا کانت الحکومة اللبنانیة وجنبلاط وجعجع یعملون على استنزاف حزب الله عسکریا وإراحة إسرائیل والأنظمة العربیة والولایات المتحدة فإن عملهم لن ینجح. أقدر أن حزب الله قد رتب أموره مع حلفائه بطریقة ستخیب آمال کل المراهنین على هزیمة الحزب داخلیا.

ربما على خصوم حزب الله الداخلیین أن یوقنوا أن الحزب لن یتخلى عن سلاحه، وقد ثبت عام 2006 لیس لکی ینحنی أمام أصوات داخلیة. کان من المفروض أن یوقن الداخل اللبنانی أن الحزب لم یعد حزبا لبنانیا، وإنما عبارة عن حزب تتعاطف معه وتؤیده جماهیر غفیرة على الساحتین العربیة والإسلامیة.  وعلى الرغم من أن الحزب یکرر دائما تبریره لوجوده کحزب مسلح بناء على مزارع شبعا، إلا أن قناعتی أنه لا یحصر نفسه ضمن منطق قطری. إنه حزب عربی أکثر من العرب، وفلسطینی أکثر من الفلسطینیین، وسودانی أکثر من السودانیین. من المفروض أن کل اللبنانیین قد أیقنوا أن الحزب یحمل الآن همّ الأمة بالطریقة التی یراها مناسبة ودون أن یعکس ذلک على العلاقات الداخلیة اللبنانیة. کفلسطینی، کنت أتمنى لو کان لدینا فصائل فلسطینیة تمیز بین العمل الجهادی فی مواجهة الأعداء وبین الحیاة المدنیة الیومیة للناس.

ربما على جنبلاط أن یعید التفکیر بکل ما یعمل. إذا نشبت حرب أهلیة فإن أمریکا وإسرائیل لن تفکرا سوى بتسویة الجبهة الداخلیة اللبنانیة وفق أهوائهما، ولن یهمهما من یقتل من فی لبنان، ولن تدافعا عن نساء أصدقائهما وأطفالهم. هاتان دولتان لا تفکران إلا بمصالحهما، ودماء کل العرب بالنسبة لهما لا تساوی حفنة نفط من أرض الخلیج. ماذا یهم أمریکا وإسرائیل إذا یُتم أطفال اللبنانیین ورملت نساؤهم وهدمت بیوتهم واقتلعت أشجارهم؟ سیمعنون فی کل أعمال القتل والتدمیر إذا کان ذلک سیشعل نیران الفتن والأحقاد والبغضاء بین اللبنانیین.

ن/25