هل یقبض بوش مرتبه من اسرائیل
قسم التحلیل والتعلیق ـــ القسم العربی فی وکالة قدسنا
أعاد خطاب جورج بوش أمام الکنیست الإسرائیلى الوعى إلى العرب الذین توهموا خلال السنوات الثمانى الماضیة أن هذا الرجل یعمل من أجل السلام الحقیقی فى الشرق الاوسط
وصدقوا وعوده وتآمروا لأجلها على اهلهم وحاصروهم و ترکوهم یموتون أمام أنظار العالم دون اکتراث و ببرود شدید کأنهم من أمة أخرى لا تربطهم بها صلة انتماء قومیة ولا دین.
لقد غمز بوش إلى الفلسطینیین ، بعد أن مدح بوش فی خطابه إسرائیل مرات ومرات وکأنه یقبض مرتبه من تل ابیب ، أشار الى الفلسطینیین بأن دولتهم الموعودة قد لا ترى النور لیس أثناء ولایته التى تنتهى خلال ألاشهرالقادمة ، بل و بعد ستین عاما أخرى، عندما یصیر عمر إسرائیل 120 عاما.
الواقع أن خطاب بوش الذى تضمن هذه " النبوءة " لم یکن بعیدا عن جوهر سیاسة بوش الغارقة فى صهیونیته حتى النخاع ، فهو لم یلتفت إلى وعوده السابقة التى قدمها لرئیس السلطة الفلسطینیة محمود عباس ، ولا إلى حلفائه "المعتدلین" فى المنطقة والمجتمع الدولی، وبعبارة اخرى تبدة اکثر وضوحاً فقد طمر رئیس البیت الابیض الامریکی و بصراحة ما یسمى " مسار السلام " و وجه صفعة قویة للسائرین فى رکابه من الفلسطینیین والعرب.
فقد قدم الرئیس الأمریکى للفلسطینیین و للعرب درسا بلیغاً بثمنه المادی والمعنوی ، و وضع الجمیع أمام الواقع المر وهو أن لا سلام إلا بالشروط الإسرائیلیة والأمریکیة، وکل رافض أو ممانع سیکون إرهابیاً تجب تصفیته.
ربما یکون خطاب " الرئیس بوش " هو الدرس الذى ظل العرب ینتظرونه ویبحثون عنه طوال ستین عاما و لم یجدوه للأسف او لحسن الحظ ، إلا ان التاریخ یعود الینا مرة أخرى ولنتبین العدو من الحلیف والصدیق ، فهل إتعظ البعض ؟
فی الوقت الذی یصب الکیان الصهیونی حمیم الاسلحة الامریکیة على الشعب الفلسطینی ، نرى البعض یفرشون السجاد الاحمر لبوش فی بلادهم وکأن هذا لیس هو الذی اعلن فی الکنیست ان ثلاثمئة امریکی سیدافعون عن اسرائیل ...!
فی الوقت الذی یستعید الفلسطینیون والعرب الغیارى بمرارة ذکرى النکبة الکبرى عام 1948، الحادثة التى زلزلت المنطقة وهزت الضمائر الحیة ، عربیة کانت ام اسلامیة وحتى لا هذه ولا تلک بل وکل أحرارالعالم ، رى البعض مازالوا یکررون الاخطاء ویفعلونها الواحدة تلو الاخرى.
وفی الوقت الذی کان المد القومى والوطنى المتصاعد ، یجتاح شعوب العالم المضطهدة بالتزامن مع انهیار الامبراطوریات الاستعماریة بعد الحرب العالمیة الثانیة، وکان العالم العربی بمجاله الجغرافى الواسع ، أحد مسارح المعارک الفاصلة فى تلک الحرب، بل وحتى ان العرب ساهموا بالدعم السیاسى وبدماء أبنائهم إلى جانب الحلفاء حتى یحرزوا النصر للحلفاء ، وکان الدعم العربى السخى بحسن نیة مقابل وعود أمریکیة و بریطانیة بالتحدید لمساندة العرب .
إلا أن الحلفاء سددوا طعنة قاتلة فى خاصرة العرب و زرعوا بتواطؤ بریطانى أمریکى فرنسى ، هذا الکیان الغریب فی أرض فلسطین المقدسة، وعلى أنقاض العشرات من قراها، وجماجم الآلاف من أبنائها، ورغم ذلک لم تستسلم الأمة وقاومت بکل امکانیاتها وتسابق الفدائیون من کل مکان للجهاد ضد المغتصبین الصهاینة، بالرغم من أنهم وجدوا جحودا وتآمرا رسمیا عربیا ما یزال مستمرا حتى الآن.
وللحقیقة فإن العرب تلقوا الضربة القاصمة الأولى ممن اعتبروهم حلفاء لا من الکیان الغاصب على أرضهم ، ثم تلقوا بأکثر حدة فى الداخل، وعلى تلک الصورة البالغة السواد اکتملت النکبة التى مازال العرب الغیارى یلفظون مرارتها .
ذلک کان الدرس الأول للنکبة الفلسطینیة ، الذی مازال ساطعا بمعطیاته ، وکأنه وقع أمس لا قبل اجیال ، وبالرغم من أن العالم تغیر وانقلب إلى أکثر من اتجاه، فإن واقع العرب وقضیتهم الأولى ما زالا لم یتقدما شبرا واحدا إلى الأمام بل تقهقرا أمیالا، وأصبحت المواقف من هذه القضیة بعدد الأنظمة والأحزاب التى لم یستحی بعضها و قدم مبادرات تنص على التنازل عن أجزاء من فلسطین ، فى حین کان البعض الآخر أکثر وضوحا وطالب بنسیان هذه القضیة والقبول بالأمر الواقع.
العرب یعیشون نکبة مستمرة متصلة الحلقات لن یخرجوا منها بالدعاء وإضاعة الوقت فى کیل الشتائم وتخوین هذا وذاک، فتلک سیاسة جربت ستة عقود وزادت فى تعمیق الشعور بالهزیمة والضیاع ، وإذا ما أراد البعض القیام بفعل لتجاوز ما حل ، علیه أن یمتلک وعیا جدیدا ، یبدأه بنقد الذات والنظر برؤیة أکثر جرأة و وضوحا إلى الحقیقة الواقع الموجود کما هو حتى و إن کان مؤلماً .
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS