حزب الله ینقذ لبنان
منذ الیوم الأول لتفاقم الخلافات الداخلیة اللبنانیة وحزب الله یؤکد بان سلاحه هو سلاح مقاومة ولیس سلاح توازنات داخلیة، ویردد بان الأمور السیاسیة یتم حلها بالطرق السیاسیة وبالتوافق الداخلی اللبنانی. وقد أکد مرارا وتکرارا بأن سلاحه هو سلاح مقاومة ولن یسمح لأی ید أن تمتد إلیه لتنتزعه، وقد وفى بتأکیده.
من الناحیة الفنیة والقدرة العسکریة التکتیکیة، کان حزب الله قادرا منذ البدایة على حسم الأمور داخلیا والسیطرة على لبنان بدون منازع، لکنه کان یدرک أولا أنه لا یجوز استعمال سلاح مقدس فی خلافات مع أبناء الوطن، وثانیا أن الحسم العسکری لا یحل مشکلة إلا إذا قرر الطرف الآخر ترک لبنان والهجرة إلى بلاد الله الواسعة. فی النهایة، الطرف الآخر هم أبناء الوطن ولا مفر من العیش معا، بل ومن الأفضل الحیاة معا.
تلکأ الطرف الآخر کثیرا فی فهم المعادلة، و وقفت دول عربیة وأجنبیة وإسرائیل محرضة على استمرار الاستفزاز، وعلى الإصرارعلى نزع سلاح حزب الله. وحقیقة، کمواطن عربی، لا أستطیع أن افهم لماذا کل هذا الإصرار من قبل أطراف من الموالاة اللبنانیة على نزع سلاح کان هو الوحید الذی حقق انتصارین عظیمین على إسرائیل، ووضع لبنان فی مقدمة الصفحات التاریخیة الناصعة للأمة العربیة. لبنان هو الدولة العربیة ذات المساحة الصغیرة تسطر أروع انتصارات فی زمن الهزائم، ولبنانیون کثر لا یعجبهم ذلک ویصرون على الهزیمة وعلى تجرید الحزب من سلاحه. إنها معادلة لا تجلب سوى عار یخدش قدسیة الروایة التاریخیة حول أداء الحزب ولبنان فی حرب 2006. طبعا المسألة لیست غائبة وهی أن إسرائیل وأمریکا وأنظمة عربیة تشعر بان النصر یهددها ویمهد الطریق أمام المزید من القوى الغیورة الفاعلة على الساحة العربیة.
هزّ حزب الله العصا بعدما بلغ التطاول على المقاومة حد الدعوة إلى تصفیة نظام اتصالاتها. هز الحزب تل أبیب و واشنطن والریاض وعمان والقاهرة إذ استطاع السیطرة على بیروت خلال ساعتین. قامت هذه العواصم بجهود مضنیة على مدى سنوات لإعداد جیش مرتزق لیقاتل حزب الله، فإذا بجهودها تنهار فجأة وبدون قتال یُذکر.
کان أمام العواصم هذه خیاران: إما الاستمرار فی التعنت الداخلی والمجازفة مستقبلا برد فعل عسکری من قبل حزب الله، أو القبول بطاولة حوار یتنازل فیها کل طرف عن جزء من مطالبه. راهنوا فی السابق على أن الحزب لن یستل سیفه، لکنه استله عندما تم تهدید المقاومة، وباتوا مقتنعین بأنه سیستله مع أی تهدید مستقبلی, وما دام سلاح المقاومة هو الهدف، وبما أن القوة اللبنانیة المتراکمة المعادیة له لم تصمد ساعتین، فما الفائدة من مواصلة المناکفة التی قد تعنی المجازفة حتى بالوجود السیاسی للموالاة؟ أن یحصلوا على شیء أفضل من المغامرة بکل شیء.
حزب الله لم یکن معنیا أصلا بالسیطرة السیاسیة على لبنان، وهو معنی جدا بالتوافق السیاسی حفاظا على شعب لبنان وعلى نفسه من الفتن الداخلیة. وهو لم یکن معنیا بحکومة بقدر ما هو معنی بإخراج الحکومة من حالة الاستبداد المنحاز لإسرائیل وأمریکا وحلفائهما العرب.
ربما لم یتوقع حزب الله مدى الإرباک الذی أحدثه هز العصا فی صفوف أعدائه، لکن التاریخ یؤکد أن القوة لها وقع فی النفوس وعلیها.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS