السبت 12 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

لعبة السلام الوهمی بین سوریا وإسرائیل

الإعلان عن بدء مفاوضات سلام بین کل من الکیان الصهیونی والحکومة السوریة فی العاصمة الترکیة "أنقرة" برعایة رئیس الوزراء الترکی رجب طیب أردوغان- وهی حتى الآن مفاوضات غیر مباشرة ولکنها معلنة- ومعروف رؤساء وفود کلٍّ من الطرفین، وکذا فإن الحدیث یدور حول إمکانیة تحولها إلى محادثات مباشرة. وکانت کل من تل أبیب ودمشق قد أعلنتا فی وقت واحد عن بدء تلک المفاوضات قبل أن تتم أی محادثات جدیة أو وضع أی إطار حقیقی یمکن العمل من خلاله مما یعنى أن هناک أهدافًا سوریة وإسرائیلیة من مجرد الإعلان عن بدء تلک المفاوضات بصرف النظر عمّا تؤول إلیه.

البعض اعتبر المسألة مفاجأة، و وصل الأمر إلى حدّ أن البعض کتب یقول: إن هذا مفاجأة له؛ لأن سوریا طالما أعلنت التزامها بالمبادئ أو أنها ترفض الأسلوب البرجماتی فی المفاوضات والصراع السیاسی عمومًا، وأنها خندق الممانعة فی الواقع العربی وأن دعمها للمقاومة نوع من الدعم الاستراتیجی ولیس مجرد استخدام أوراق للتفاوض.

وفی الحقیقة فإن الأمر لا مفاجأة فیه، فالمفاوضات السوریة الإسرائیلیة لیست جدیدة عمومًا وقد کاد الطرفان یصلان إلى حل فی عام 2000، لولا تراجع إسرائیل، وبالنسبة لمفاوضات أنقرة فإن الإعلان عن وجود وساطة ووسائل حملتها ترکیا بین إسرائیل وسوریا أمر کان قد تمّ الإعلان عنه منذ شهر سابق على بدء المفاوضات.

الحکومة الترکیة من جهتها رضیت بأن تحمل الرسائل الإسرائیلیة والعروض الإسرائیلیة إلى سوریا؛ لأن هذا یساعدها فی معرکتها حول حظر الحزب الحاکم بقرار من المحکمة ویساعدها فی الظهور بمظهر المعتدل ویعیدها أیضًا إلى دائرة التأثیر على القضایا فی المنطقة وکلها أهداف واضحة لم تخف حکومة السید رجب طیب أردوغان حرصها علیها، وإن کانت تعلن أنها حریصة على مصالح سوریا والفلسطینیین وأنها تعمل على إنقاذ ما یمکن إنقاذه.

البدء بفتح هذا الموضوع- موضوع السلام على المسار السوری الإسرائیلی من جدید- کان إسرائیلیًا وهذا الأمر له دلالاته فالسید إیهود أولمرت هو مَن بعث برسالة إلى الرئیس السوری بشار الأسد عن طریق رئیس الوزراء الترکی رجب طیب أردوغان، والرئیس السوری بدوره وافق على الدخول فی اللعبة فورًا، وهو أمر أیضًا له دلالاته، وإن کان الرجل یقول: إن هذه فرصة جادة، لأن الوسیط الترکی وسیط یحظی بثقة السوریین، وبدیهی الإسرائیلیین، فهذا کلام دبلوماسی.

لماذا حرصت إسرائیل على بدء اللعبة فی هذا الوقت ؟.. المسألة ذات أبعاد داخلیة وخارجیة بل تکتیکیة واستراتیجیة،فرئیس الوزراء الإسرائیلی إیهود أولمرت فی وضع حزبی وسیاسی داخلی صعب، وهو یرید الهروب إلى الأمام، ولذا فإن الرجل حرص على أن یبدأ الموضوع بعیدًا عن الخارجیة الإسرائیلیة فالسیدة لیفنی وزیرة الخارجیة هی الخلیفة المحتمل ومن ثم المنافس القوی له داخل حزب کادیما ومن جانبها فإن الخارجیة الإسرائیلیة عندما علمت مثل الباقین بالموضوع وضعت شروطا تعجیزیة وهی ضرورة تخلی سوریا عن التحالف مع إیران ووقف دعم حماس وحزب الله والتطبیع الکامل مع إسرائیل، بل والتنسیق معها فی الحرب ضد الإرهاب!

ومن الناحیة الخارجیة فإن فتح المسار السوری الذی یعطی إسرائیل نوعا من الهروب الجزئی من المسار الفلسطینی الذی یضغط فیه الرئیس بوش باتجاه حل الدولتین التی ترى إسرائیل أنها لا تزال غیر مستعدة له مرحلیا حتى الآن. ولذا فإن رد الفعل الأمریکی على فتح المسار السوری الإسرائیلی کان فاترًا وغیر متحمس وإن کان المتحدثون الرسمیون مثل وزیرة الخارجیة الأمریکیة کوندولیزا ریس أو المتحدث الرسمی باسم البیت الأبیض لم یُعلنا معارضتهما لبدء ذلک المسار.

من الناحیة التکتیکیة فإن الإعلان عن بدء المفاوضات على هذا المسار یعطى رسالة تخویف لحرکات المقاومة " حماس والجهاد" حزب الله بأن من الممکن أن تتخلى سوریا عنهم فی وقت ما، وهى رسالة سلبیة بالطبع تحرص إسرائیل على إشاعتها خاصة مع فشلها المزمن فی القضاء على حماس والجهاد أو نزع سلاح حزب الله بکل الطرق والوسائل، واستمرار عملیات المقاومة وإطلاق الصواریخ رغم الجهد الهائل والتکالیف الباهظة التی أنفقتها إسرائیل فی العملیات العسکریة شبه المستمرة على غزة والضفة.

من الناحیة الاستراتیجیة فإن الخبراء الإسرائیلیین یخشون جدًا من وصول إدارة جدیدة فی البیت الأبیض تحاور سوریا وإیران أو تصل إلى حل مع إیران یکون بالطبع على حساب إسرائیل فی النهایة، ومن ثم فهی تستبق المسألة تحسبًا للمستقبل.

من ناحیة سوریا فإن الأهداف کانت تدور حول إعطاء الانطباع بأن سوریا غیر محاصرة، وأنها حاضرة السلام والتفاوض والوصول إلى حلول وسط، وأنها ترغب فی الانفتاح على المجتمع الدولی، ومن ثم تحسِّن من ظروفها الدولیة، وتخفف من وطأة الحصار الأمریکی الذی یستهدفها، وإعطاء رسالة إلى أعداء سوریا فی لبنان بأن إمکانیة حشد القوى الدولیة والإقلیمیة ضد سوریا أمر مستحیل أو على الأقل فإن سوریا قادرة على اختراقه فی أی لحظة.

والمفارقة فی کل هذا أن کلاً من سوریا وإسرائیل دخلتا المفاوضات بالرغم من إدراکهما أنها مجرد لعبة، فإسرائیل مثلاً لن تتخلى عن الجولان؛ لأن الجولان بها مواقع استراتیجیة تکون خطر على إسرائیل إن هی ترکتها، ومن یضمن ألا تسیطر جماعات المقاومة على تلک المواقع نتیجة تنسیق أو ضعفٍ من الحکومة السوریة، وکذلک فإنَّ هناک دخلاً واستثمارًا سیاحیًا وزراعیًا، وهناک مستعمرات إسرائیلیة فی الجولان، فلماذا تتخلى إسرائیل عن ذلک؟ هل مقابل الهدوء، والهدوء أصلاً موجود!! أکثر من هذا فإن استطلاعات الرأی داخل إسرائیل تقول: إن 74% من الإسرائیلیین یرفضون الانسحاب من الجولان للأسباب السابقة، ومن ثَمّ فإن المعارضة لهذا الانسحاب لیست من الیمین الصهیونی فقط، بل من معظم القطاعات السیاسیة والشعبیة، وبدیهی أن أولمرت الضعیف لا یستطیع تجاوز هذا کله، داخل حزبه وعلى یمینه ویساره فی آن واحد. أکثر من هذا فإن إسرائیل تدرک أن موضوع تخلی سوریا عن حماس والجهاد وحزب الله أمر لم یعد حیویًا، فحماس والجهاد وحزب الله– وبنسبة متفاوتة طبعًا– یستطیعون الصمود بدون سوریا!! ومن ناحیة سوریا فإنها تدرک أنه لعبة، وأن إمساکها بأوراق التحالف مع إیران وقوى المقاومة فی تلک اللحظة یوفر لها مصالح حیویة أکثر من استعادة الجولان، وهی غیر مستعدة فی هذا الوقت للتضحیة بها.

فتح المسار السوری الإسرائیلی فی هذا الوقت لعبة یلعبها فرقاء لتحقیق کل طرف بعض الأهداف لا أکثر ولا أقل!!

( المقال للدکتور محمد مورو ــ الإسلام الیوم )

م/ن/25


| رمز الموضوع: 141003







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)