على رایس أن تعلم أنها غیر مرحب بها هنا
وزیرة الخارجیة الأمیرکیة کوندالیزا رایس قادمة إلى المنطقة ما الذی تحمله معها بتقدیرکم؟ فی الحقیقة کان هذا سؤالی الذی سألته لأکثر من سیاسی أو قائد فلسطینی خلال الأیام القلیلة الماضیة، والواقع أننی لا أجانب الحقیقة أو الصدق أبدا عندما أقول بأننی کنت أشعر بالاستغراب من مجمل إجابات هؤلاء السادة الذین کانوا فی الحقیقة یبدون انزعاجهم لمجرد ذکر اسم الوزیرة الأمیرکیة، أحدهم قال لی وقبل أن أکمل السؤال " الله لا یجیبها یا رجل" وکررها ثلاث مرات، وآخر قال " إنشاء الله ما توصل"، وثالث أجاب " لا هلا ولا مرحبا"، وآخر قال " رایس غیر مرحب بها على الإطلاق لا حالیا ولا سابقا ولا لاحقا"، وأما أحدهم فقد قال " إنها کما الغراب عندما تهل على المنطقة تجلب علینا النحس والخراب".
وبعد أن انتهی من الأسئلة أعود للسؤال بشکل غیر رسمی وبدون تسجیل، لماذا هذا الموقف من رایس؟، ولماذا لا تعلنون ذلک على الملأ؟،وأسال من جدید، هل هذا هو الإحساس العام تجاهها بین الساسة؟ واستغرب أکثر عندما تکون الإجابات بالإیجاب، فأسأل إذا کان الکل أو الأغلب لا تکنون لها کل هذا الود أو أی نوع من الود حتى لا أقول تکرهونها، إذا لماذا کل هذا اللحاق بها والتهالک على لقاءها؟، وتکون الإجابات على الأغلب فیها من المرارة الکثیر بحیث أشعر أحیانا بالأسى لهذا الواقع الذی وصلنا الیه.
الحقیقة إن کتابتی لهذا المقال جاءت على أرضیة الأخبار التی تشیر إلى أن الوزیرة الأمیرکیة سوف تصل إلى المنطقة الأحد، وقد تذکرت السؤال الذی اسأل والإجابات التی أسمع وخاصة تلک المتعلقة بالغراب بعد أن تردد فی الأخبار بان اللجنة اللوائیة للبناء والتخطیط فی منطقة القدس قد صادقت على بناء 1300 وحدة استیطانیة فی مستوطنة "رمات شلومو" فیما یعتبر خطة هی الأکبر والأوسع نطاقا خلال السنوات الماضیة، برغم ما تم تردیده عن أن رئیس الوزراء الإسرائیلی قرر تجمید البناء فی المستوطنات وان یتم إبلاغه مسبقا بأی قرار جدید.
فی الواقع لقد لاحظت کما لاحظ ربما الجمیع خلال الفترة الماضیة والتی کثرت فیها زیارات الوزیرة الأمیرکیة إلى المنطقة أنه وما أن " تشرف" الآنسة رایس إلى المنطقة أو غیرها من زملائها فی الإدارة الأمیرکیة حتى یتم الإعلان عن مشروع استیطانی جدید فی الأراضی المحتلة سواء فی القدس أو فی غیر القدس، والمقصود هنا لیس بالضرورة مشروعا جدیدا، فقد یکون توسیعا فی هذه المستوطنة أو تلک أو مصادرة للمزید من الأراضی الفلسطینیة سواء لصالح الجدار أو لأیة أغراض أخرى غالبا ما تدعی إسرائیل أنها أمنیة، برغم أن حرکة السلام الآن الإسرائیلیة أثبتت کذب هذه الحجة "على أی حال لا یلزم إسرائیل الکثیر من الذرائع لتقوم بذلک فهی تفعله منذ العام 1967".
المشروع الذی تم الإعلان عنه کما اشرنا یعتبر الأضخم کما قالت مصادر متطابقة وهو بهذا العدد الذی تم الإعلان عنه یرفع عدد الوحدات الاستیطانیة التی تم إقامتها أو إقامتها والمصادق على إقامتها إلى 7974 وحدة سکنیة استیطانیة منذ مؤتمر انابولیس المشؤوم الذی طبل له "العربان" وکأنه فتح جدید. والحقیقة انه کان فعلا فتحا جدیدا لکن إسرائیلیا هذه المرة – ککل المرات السابقة- من خلال عملیة التطبیع المجانیة التی قامت بها أمة العرب هکذا بدون مقابل وبدون أدنى "حیاء".
الوزیرة "الغراب" تحاول من خلال تکرار زیاراتها أن توهم "من لا یزال لدیهم وهم" بأنها تعمل على تحقیق رؤیة رئیسها الذی لم یتردد حتى البارحة من القول بأنه لا زال یعمل على تحقیق رؤیته بشان الدولتین، معتقدا بان أحدا ربما یصدق هذه المقولة التی أصبحت لا تقنع أحدا، خاصة فی ظل ما تبقى من عمر إدارته، وبعد کل ذاک الذی قاله من على منبر – الکنیست- البرلمان الإسرائیلی ومن بعد ذلک فی شرم الشیخ، وما تلا ذلک من تقدیمه لأحدث أنواع الأسلحة بما فی ذلک الطائرة المتطورة جدا من نوع ف 35 "لصدیقه" ایهود اولمرت الذی من الواضح أنه لن یعمر طویلا على رأس الحکومة الإسرائیلیة أو هکذا هی کل المؤشرات فی الدولة العبریة، فی ظل ما أثیر ضده من قضایا الفساد المالی. " لا بد هنا من الإشارة إلى أن الکلمة التی ألقاها جورج بوش فی الکنیست کان لها وقع سیء على الجمهور والساسة الفلسطینیین والعرب حیث تم التعامل معها على أنها لا یمکن أن تکون إلا من شخص تلمودی متعصب لا بل هو أکثر تعصبا من الکثیر من غلاة المستوطنین".
واقع الحال یقول أن هنالک ما یشبه الإجماع فی الشارع الفلسطینی على أن رایس التی فشلت کما یبدو فی تحقیق أی شیء مثلها مثل کل من سبقوها من وزراء الخارجیة وغیرهم من المسؤولین الأمیرکیین بما فی ذلک الرؤساء الذین تعاقبوا على البیت الأبیض تحاول أن تبدو وکأنها تبذل کل الجهود اللازمة حتى اللحظة الأخیرة من اجل تحقیق تسویة أو إنجاز ما، قبل أن تکون مضطرة لمغادرة موقعها مع انتهاء ولایة سیدها بوش نهایة هذا العام، وبرغم ما هو معروف عن رایس من طموحات إلا أن من الواضح أن دولة الاحتلال نجحت فی تقزیم هذه الطموحات للوزیرة، بحیث صارت رایس تبحث خلال جولاتها المتعاقبة على المنطقة عن رفع حاجز هنا أو ساتر ترابی هناک، وقد لا یکون من قبیل الصدفة لا بل هو لیس صدفة أن یتم الإعلان عن إزالة عشرة حواجز فرعیة وغیر أساسیة فی جنوب مدینة الخلیل جنوب الضفة الغربیة المحتلة یوم الجمعة أی قبل یومین من وصولها إلى المنطقة، وذلک من اجل استقبالها بهذه الأخبار "المفرحة" وحتى یقال لها أن إسرائیل تقوم بما هو مطلوب منها، وبالتالی سوف تقوم الوزیرة بالتهلیل للموضوع کما والإشادة بالخطوة الإسرائیلیة على اعتبار أن السیاسة الإسرائیلیة تسیر فی الاتجاه لصحیح، وأنها تعمل بخطى حثیثة من اجل تسهیل حیاة الفلسطینیین فی الأراضی المحتلة ومن أن على السلطة الفلسطینیة أن تقابل هذه الخطوة –بخطوات- تدلل على حسن النیة.
فی مقابل هذا "اللعب على الحبال" الذی تمارسه الوزیرة ودولة الاحتلال، هناک من یعتقد وهو قد لا یکون مجانبا للصواب، بان زیارة الوزیرة الأمیرکیة قد یکون له علاقة بأکثر من قضیة وعلى رأسها قضیة الحوار الذی أعلن عنه الرئیس الفلسطینی محمود عباس وما هی أبعاد وعمق وأهداف وکل ما یتعلق بهذا الحوار، کذلک فان هنالک من یتخوف من أن تکون الزیارة من اجل الموافقة النهائیة على توجیه ضربة شدیدة لقطاع غزة ومن اجل الاطلاع على التفاصیل وإعطاء الضوء الأخضر لهذه العملیة التی یعتقد البعض بأنها تأتی من اجل فرض التهدئة بالشروط الإسرائیلیة الصرفة، ومن اجل محاولة قد تکون أخیرة لإنقاذ الأسیر الإسرائیلی جلعاد شالیط، حتى لا تکون إسرائیل مضطرة للدخول فی مساومات تتعلق بتبادل الأسرى، وأما الموضوع الثالث والذی لا یقل أهمیة عن الموضوعین الآنفین لا بل قد یکون هو الموضوع الأکثر ترجیحا فهو تنسیق ما قیل عن توجیه ضربة قد تقوم إسرائیل بتوجیهها إلى إیران، خاصة فی ظل التهدیدات التی لوح بها الوزیر الإسرائیلی شاؤول موفاز والتی قال فیها بان إسرائیل قد تجد نفسها مضطرة لتوجیه ضربة لإیران بعیدا عن موافقة العالم.
فی جمیع الأحوال وفی کل الاحتمالات التی یتم تداولها فان الوزیرة الأمیرکیة تأتی وبحسب کل المؤشرات من اجل حدث مشؤوم وغیر ودی، فلیس بین ما یتم تداوله ما یبعث على التفاؤل أو الأمل، ومن هنا أعود لتذکر ما یقال من أن رایس لیس سوى نذیر شؤم فی کل مرة تأتی فیها إلى المنطقة، وعلى هذا الأساس فلیس أمامی سوى أن اصطف إلى جانب غیر المرحبین بقدوم الآنسة الطموحة رایس ولیس أمامی سوى أن أقول لها "آنسة رایس أنت غیر مرحب بک هنا فلا أهلا ولا سهلا".
( للکاتب و الصحفی الفلسطینی رشید شاهین )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS