السبت 12 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

غزة بعد سنة من الحصار

بینما یتفرج الأمریکیون والصهاینة على غزة وهی تئن تحت وطأة حصارهم الظالم ویرقبون نتائجه المدمرة، لیوظفوها فی کسر إرادة شعبنا، وبینما یتابع المجتمع الدولی بصمت نتائج الحصار، یحمَّل أولئک الظلمة حرکة حماس وزر حصارهم، ویربطون نتائجه بنتائج أحداث دفعوا شعبنا إلیها، وفق معادلة سقیمة تعکس وحشیتهم وتآمرهم وتواطؤ المجتمع الدولی على شعبنا.

أی منطق سقیم هذا الذی یحاول أعداء شعبنا أن یمرروه علینا؟! یخنقون غزة ویحولونها إلى سجن کبیر، ویدمرون اقتصادها وبنیتها التحتیة، ویجتاحون أحیاءها ومناطقها السکنیة، ویقتلون المواطنین ویدمرون منازلهم ویقتلعون أشجارهم، ویحرضون المواطنین ضد حرکة حماس والحکومة الشرعیة التی تتولاها ویؤلبونهم علیها، ویدفعون عملاءهم إلى الإخلال بالأمن والنظام ثم یطلبون بعد کل ذلک من حرکة حماس وحکومتها أن تحقق الرخاء والرفاهیة للمواطنین، وأن تنافس المجتمعات الغربیة فی الأمن العام والحریات الإنسانیة والدیمقراطیة...!!

لو أن هؤلاء الأعداء، ومن یروج أفکارهم وینشر شائعاتهم المغرضة، حریصون على أمن المواطنین الغزیین وحریاتهم، لما تآمروا على الحکومة الشرعیة، ولما سعوا لإفشالها وإسقاطها قبل أن تتسلم صلاحیاتها وتبدأ أعمالها، ولما منعوها من إنجاز برنامجها للإصلاح والتغییر، ولما دفعوا شعبنا إلى الاحتراب والاقتتال، ولما حاصروا غزة وجوعوا أهلها وألحقوا بهم أشد أنواع المعاناة.  ولکن هؤلاء الأعداء، ومن وافقهم وشارکهم، لا یحرصون إلا على کسر إرادة شعبنا ودفعه إلى الاستسلام، وعلى تحریضه ضد المقاومة وإقناعه بأنها لا تجلب له سوى المعاناة والألم، ولهذا فهم یحاصرون غزة ویتوعدونها بالسحق والدمار.

إن هؤلاء الذین یتباکون على معاناة غزة ویترحمون على اقتصادها ویشفقون على عمالها ویقلقون على الحریات الإنسانیة للمواطنین، هم سبب کل مصیبة حلت بشعبنا، وهم وراء ضیاع أرضه وحقوقه، وهم سبب مآسیه وعذاباته ومعاناته.  ولذلک یتحمل هؤلاء الأعداء والطواغیت المتوحشون مسؤولیة جرائمهم المتواصلة ضد شعبنا المکلوم، ومنها حصار غزة الظالم، والعدوان الصهیونی المتواصل على شعبنا فی الضفة المحتلة وغزة، وحالة الانقسام الداخلی.

لقد اجتهدت الصحافة الغربیة المعادیة، والحصافة العربیة المرجفة، سیما فی الأیام القلیلة الماضیة التی صادفت ذکرى مرور عام على ما یصفونه بسیطرة حرکة حماس على غزة، لإظهار أن عملیة الحسم التی لجأت إلیها حرکة حماس للقضاء على المؤامرة الأمریکیة فی مهدها، هی التی دفعت العدو الصهیونی والأمریکی إلى محاصرة غزة وخنقها، علماً بأن حصار غزة مخطط وضعه شارون قبل انسحاب جیش الاحتلال ومستوطنیه من غزة، بل إن فکرة تحویل غزة إلى سجن کبیر راودت کل قادة الاحتلال الصهیونی منذ نشأة کیانهم الغاصب.

أما بالنسبة للمعاناة التی یحاول المرجفون والأعداء إلقاء مسؤولیتها على حرکة حماس، فهی معاناة دائمة منذ الاحتلال البریطانی لفلسطین، التی تفاقمت باغتصاب فلسطین وإقامة کیان صهیونی فیها، حیث أدى ذلک إلى تهجیر الفلسطینیین من أراضیهم بالعنف والإرهاب الصهیونی المدعوم غربیاً، وما صاحب ذلک وما تبعه من مجازر بشعة واعتداءات وحشیة صهیونیة ضد شعبنا، بتواطؤ عالمی مشین، وصمت عربی مهین. 

إن ذاکرة شعبنا لا تزال حیة، فالقضیة الفلسطینیة عمرها أکبر من سنة، ومعاناتنا لیست ولیدة الیوم.  ومعاناة شعبنا لا تقتصر على مواطنی غزة، فالمعاناة تشمل أیضاً أهلنا فی الضفة والأراضی المحتلة منذ العام 1948، وتشمل کذلک نحو ستة ملایین لاجئ فلسطینی یعیشون مشردین فی الشتات.  ولم تبدأ معاناة شعبنا بدخول حرکة حماس إلى المعترک السیاسی، فشعبنا یعانی منذ عشرات السنین، بسبب مخطط صهیوصلیبی ینکر وجود شعبنا ویهدف إلى إقامة دولة یهودیة على أنقاض فلسطین، وبسبب تخاذل النظام الرسمی العربی وتواطئه، وبسبب ظلم المجتمع الدولی الذی تهیمن على قراراته الولایات المتحدة، وتوظفها فی خدمة ذلک المخطط الصهیوصلیبی.

وصول حرکة حماس إلى الحکم والسلطة منح شعبنا الأمل فی إصلاح ما أفسدته عملیة أوسلو، التی تهدف أساساً إلى تصفیة القضیة الفلسطینیة، وتبرر للعدو الصهیونی عدوانه علینا وجرائمه ضدنا، وهذا یفسر الدعم الصهیوصلیبی لسلطة رام الله، ومحاصرته لغزة بعد فقدان محمود عباس سیطرته علیها.  لقد جعلت اتفاقیات أوسلو الاقتصاد الفلسطینی فی قبضة العدو الصهیونی، ومنحته سیطرة کاملة على الحدود والمعابر والموانئ والمطار، الأمر الذی یعد سبباً رئیساً لما نحن فیه من معاناة وبؤس وشقاء، ویفسر مشارکة سلطة رام الله فی حصار غزة...!!

إن معاناة شعبنا هی نتیجة حتمیة لوقوعه تحت الاحتلال الصهیونی المدعوم أمریکیاً وغربیاً، فی ظل حالة العجز العربی والإسلامی.  وکلما حاول شعبنا إزاحة هذا الاحتلال الغاشم، کلما تفاقمت معاناته واشتدت.  وهذا أمر عادی بالنسبة لشعب مجاهد یسعى لتحریر أرادته السیاسیة وأرضه، فشعبنا یواجه مخططاً شیطانیاً تدعمه إمبراطوریة الشر الأمریکیة، وحلفاؤها الأوروبیون، والأنظمة السیاسیة العربیة الخاضعة لها.

ولا شک أن معاناة شعبنا لن تدفعه إلا إلى مزید من الثبات والإصرار على دحر الاحتلال، فشعبنا لا یمکن أن یکافئ من یحاصره وینکل به ویجوعه، ولا یمکن أن تنسیه المعاناة حقوقه الثابتة وثوابته الوطنیة، مهما حاول أعداؤه إشغاله فی تدبیر أمور حیاته الیومیة.  فلا تنازل عن الحقوق، ولا اعتراف بحق العدو فیما اغتصبه من فلسطین، والخزی والعار لمن یسعى لتوظیف معاناة شعبنا فی خدمة الاحتلال وإجبار شعبنا على الاستسلام.

( المقال للدکتورمحمد اسحق الریفی )

ن/25

 


| رمز الموضوع: 141024







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)