السبت 12 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

واشنطن.. وخیار العداء أو الصداقة مع العرب

لا یمکن اعتبار معاهدة الصداقة المبرمة عام 1789 بین المغرب والولایات المتحدة بدایةً فعلیة لتاریخ العلاقات العربیة/الأمیرکیة. فصحیح أنّ هذه المعاهدة هی من أقدم المعاهدات الأمیرکیة التی ما زالت ساریة المفعول، وعمرها یساوی عمر الدستور الأمیرکی، لکنّها کانت مع بلد عربی أطلسی ولم تکن مع عموم المنطقة العربیة التی بغالبیتها کانت ترزح تحت السلطة العثمانیة وبدایات الاحتلال الأوروبی. فقد کان للولایات المتحدة آنذاک دور محدود جدا فی المنطقة العربیة بل فی عموم العالم… لکن تأثیر الولایات المتحدة بدأ ینمو فی العالم العربی منذ بدایة القرن العشرین، بعد ثورة صناعة السیارات والطائرات وبعد اکتشاف الحاجة لنفط الجزیرة العربیة عقب الحرب العالمیة الأولى التی ساهمت فیها أمیرکا، ثمّ من خلال الامتداد الأمیرکی الى مناطق النفوذ البریطانی والفرنسی عقب الحرب العالمیة الثانیة. أمّا التأثیر الأمیرکی الفعّال فی المنطقة فقد بدأ یحدث عملیاً بعد انطلاقة الحرب الباردة بین موسکو واشنطن، وتنافس المعسکرین على وراثة النفوذ الأوروبی الذی اضمحلّ نتیجة الحرب العالمیة الثانیة خاصّةً بعد حرب السویس وانتصار مصر عبد الناصر على العدوان الثلاثی.

وقد کان قیام کیان إسرائیل عام 1948، وتسارع واشنطن للاعتراف به، هو المحطة البارزة فی تاریخ العلاقة بین أمیرکا والبلدان العربیة. وکان الصراع العربی/الصهیونی هو المحور الأساس بمؤشر الصعود والهبوط فی نوعیة العلاقات العربیة/الأمیرکیة. وکانت حرب 1967 ذروة التصعید الأمیرکی المباشر ضدَّ العرب حیث ساهمت واشنطن عسکریاً آنذاک فی دعم العدوان الإسرائیلی بعد أن فشلت أمیرکا فی مرحلة ما قبل حرب 1967 فی ضغوطها السیاسیة والاقتصادیة على مصر عبد الناصر.

وکانت مرحلة الرئیس جونسون أسوأ حقبة فی تاریخ العلاقات الأمیرکیة/العربیة، ثم جاءت مرحلة الرئیس نیکسون الذی استطاع من خلال "مبادرة روجرز" صیف عام 1970 وقف إطلاق النار على جبهة قناة السویس (التی شهدت على مدار سنتین على الضفة الشرقیة للقناة حرب استنزافٍ قاسیة للمحتلّین الإسرائیلیین).

إنّ القدر لم یسمح لجمال عبد الناصر أن یعیش طویلاً وأن یحصد ثمرة إعادة بنائه للقوات المسلحة المصریة، إضافة إلى سیاسة التضامن العربی التی أرسى عبد الناصر قواعدها عام 1967 فی قمَّة الخرطوم.

فلحظة التحوّل التاریخی فی دور مصر، وفی النفوذ الأمیرکی بالمنطقة کلها، بدأت بعد وفاة ناصر، حیث استثمر أنور السادات انتصار حرب 73 لیقبل بما لم یقبله ناصر بعد هزیمة 1967، أی الصلح والاعتراف والمفاوضات مع إسرائیل، وبشکلٍ منفرد ومستقل عن باقی الجبهات العربیة وعن جوهر الصراع: القضیة الفلسطینیة. وارتضى السادات أن یکون الانسحاب من سیناء هو الثمن لتحویل مجرى الدور المصری فی المنطقة العربیة (والعالم الثالث) من موقع القیادة إلى حال "السلامة عن طریق الانعزال" وهی الجملة التی کان عبد الناصر یردّد بعد حرب 1967 رفضه لها فی معظم خطبه.

کانت کامب دافید "الأولى" ثمرة جهود کسینجر فی ترسیخ سیاسة (الخطوة خطوة) والتی اقتلعت دور مصر (خطوة خطوة) منذ مفاوضات فکّ الارتباط عقب حرب 73 إلى حین توقیع معاهدات کامب دایفید بین مصر وإسرائیل بإشراف العرّاب الأمیرکی.

أیضاً، کان الانهیار یحدث عربیاً (خطوة خطوة) حول أکثر من قضیة وفی أکثر من مکان وزمان، ونجحت واشنطن فی خطوات "عربَنة الصراعات" إضافة إلى تقیید مصر عن ممارسة دورها العربی الریادی.

وکان من مظاهر "عربنة الصراعات" فی المنطقة، الحرب اللبنانیة التی تورّط فیها أکثر من طرف عربی، ثمّ ما قام به النظام العراقی السابق عام 1990 من غزو لدولة الکویت، ثمّ حرب الخلیج ( الفارسی ) الثانیة .

مع هذا التطوّر النوعی السلبی فی المنطقة، انتقلت العلاقات العربیة/الأمیرکیة من دور الخصومة الى دور "الشراکة"، وکانت أبرز الآمال الأمیرکیة من هذا الدور الجدید هو تشجیع الأطراف العربیة على استکمال "الخطوات" التی بدأت بین مصر وإسرائیل فی "کامب دافید" الأولى، وذلک عبر صیغة مؤتمر مدرید أولاً ثمّ من خلال الاتفاقیات المنفردة التی نتجت عن المفاوضات السریة فی أوسلو.

لکن حدثت لحظة التصادم الکبیر من جدید بین واشنطن والمنطقة العربیة فی ظلّ إدارة بوش التی غزت العراق واحتلّت وما تزال کلَّ أراضیه، إضافة إلى دعمها المفتوح لإسرائیل ومحاربة کل ظاهرة للمقاومة ضدَّ الاحتلال.

****

إنّ من المهمّ، بعد هذه اللمحة السریعة عن العلاقات العربیة/الأمیرکیة، النّظر إلى واقع ومستقبل هذه العلاقات من خلال الأمور التالیة:

أولاً: هناک مزیج من اتفاقیات ثنائیة أمیرکیة مع عدد من الدول العربیة، مقابل تأزّم کبیر فی العلاقة مع أطراف عربیة أخرى. وما تعتمده واشنطن من معیار لها فی تفسیر ذلک هو مدى القرب أو البعد عن سیاستها تجاه إیران دون أن تعیر التفاتاً إلى معیار موقفها من الصراع العربی/الإٍٍٍسرائیلی أو فی المسألة العراقیة.

ثانیاً: هناک صراع على مستقبل هویة المنطقة، فالعرب یریدونها هویة عربیة، وأمیرکا تعمل للهویة "الشرق أوسطیة"، وأوروبا تدعو ل"الهویة المتوسطیة". وتدرک واشنطن أنّ سیطرتها الکاملة على المنطقة العربیة هو أمر یتنافس مع مصالح قوى إقلیمیة ودولیة أخرى وهذا ما یجعل المنطقة ساحة تنافس دولی، ولو فی حدوده الدنیا الآن، مح احتمال تصاعده مستقبلا.

ثالثاًً: على الجانب العربی، من المهم التخلّی عن المقولة التالیة: "إنّ أمیرکا غیر عادلة فی المنطقة لأنّ اللوبی الإسرائیلی یتحکّم فی سیاستها الخارجیة". فالواقع هو أنّ لأمیرکا، وقبل وجود إسرائیل، مصالحها الخاصة الاستراتیجیة فی المنطقة. وهی، أی أمیرکا، تستخدم الوجود الإسرائیلی لتحقیق هذه المصالح الأمیرکیة مقابل ما تقدّمه من مساعدات لإسرائیل.

إنّ واقع حال العلاقات العربیة/الأمیرکیة فی أزمة.. وآفاقها تنذر بمزید من التصادم ما لم یحصل تعدیل فی المسار الأمیرکی، خاصّةً فی جانبه المتعلّق باحتلال العراق وبالصراع العربی الإسرائیلی. وأمام الإدارة الأمیرکیة القادمة إمّّا خیار العداء أو الصداقة مع العرب.

( للدکتور صبحی غندور  مدیر "مرکز الحوار العربی" فی واشنطن )

ن/25


| رمز الموضوع: 141028







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)