السبت 12 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الأزهر بین اختراقین.. الامریکى والسعودى الوهابى

قبل أیام أثیرت ضجة کبرى سببها لقاءات شیخ الأزهر بالحاخامات الیهود، وبإنشاء مراکز للدراسات الأمریکیة وبالإفتاء بما یرضیهم على مستوى إدانة الجهاد الفلسطینی، بالمقابل خرج عدد من علماء الأزهر لیفتوا بکفر الشیعة والطوائف والمذاهب الإسلامیة الأخرى لمجرد اختلافها مع الفکر الوهابی السعودی الذی تغلغل فی الأزهر الشریف مع هبة النفط وذهاب هؤلاء العلماء إلى آبار النفط لکی یتوضؤا بها بدیلاً عن ماء زمزم، فتلوثوا بالفکر الوهابی المتطرف ولوثوا به سواهم من المسلمین وهو الفکر الذی یکفر بسهولة وصباح مساء غیره من المذاهب، ویعتبر حاله هو الدین الصحیح وما عداه باطل وهو الفکر الذی صدر إلینا الإرهاب فی سیناء ومن قبله الجماعات التی قاتلت الناس وقتلت الشرطة والمسیحیین، الأزهر الیوم یقع بین شقی رحى: الشق الأول وهو الاختراق الأمریکی الإسرائیلی المتحالف مع النظام الرسمی، والشق الثانی الاختراق الوهابی المتطرف الذی یبشر مصر بالمزید من العنف والتحریم (یحرمون کل شیء من تدخین السجائر حتى إهداء الزهور للمرضى، مروراً بمن یقل بدوران الکرة الأرضیة)، فی هذه الأجواء نحتاج إلى إعادة الاعتبار للدور الوطنی الصحیح والحضاری للأزهر الشریف، وهی إعادة تتطلب منا النظر إلى الجذور حتى نحاول اکتشاف أصل الخلل، فماذا عنها؟!

أولاً: وفی البدایة یحدثنا التاریخ أن الأزهر الفاطمی الذی أنشأ فی العام (359هـ/ 970م) کانت تتجاور وتتحاور بداخله المدارس الفقهیة المختلفة دونما عنف أو صراع أو تکفیر کما هو حاصل الیوم، کان الفاطمیون أصحاب المذهب الإسماعیلی الشیعی قد أنشئوا الأزهر للتبشیر لمذهبهم ودولتهم ومع ذلک سمحوا للمذاهب السنیة الأربعة (الشافعیة ـ المالکیة ـ الحنبلیة ـ الحنفیة) بالتواجد وبقوة لیس فحسب داخل الأزهر الشریف، بل لقد خصصوا لهم مسجد عمرو بن العاص وکان معقلاً لفقهاء أهل السنة والجماعة، والطریف أن الحکام الفاطمیین جعلوه المسجد الرسمی لدولتهم رغم خلافهم المذهبی مع أصحابه فکان منبره هو المنبر الرسمی للخلیفة الفاطمی فی صلوات الجمع فی شهر رمضان وفی العیدین وفی عهد هذه الدولة استقبل الأزهر وبرحابة صدر إسلامیة واسعة رموزاً من فقهاء وعلماء أهل السنة الکبار أمثال (أبو حامد الغزالی) الذی هرب من بطش السلطة العباسیة ولجأ إلى مصر دون أن یغیر أفکاره ومبادئه ودعوته بل وحتى دونما إسقاطه لخلافاته الکبرى مع المذهب الشیعی وفی عهد هذا الأزهر الفاطمی وحکامه استقبلت مصر العالم الکبیر أبو الحسن بن الهیثم الذی لقب لاحقاً بآینشتاین العرب.

کان ذلک فی الأزهر الفاطمی وحوله قبل أکثر من 900 عام ترى أین نحن من هذه الرحابة والسماحة الإسلامیة التی أسس علیها الأزهر وصار رمزاً ومنارة إشعاع فکری وأداة لتوحید الأمة قیماً ومذاهب وفرقاً!!

ثانیاً: هذا الأزهر الفاطمی المتجاوز للفتن والصراعات والجامع لأصحاب المذاهب، والذی کان أیضاً قائداً لثورات مصر ضد الاحتلال الأجنبی، أنظر ثورات مصر الأولى والثانیة ضد الحملة الفرنسیة مع بدایة القرن التاسع عشر ثم مواقف الأزهر الرائدة ضد الاحتلال الإنجلیزی وصولاً إلى دوره التقریبی المهم بین المذاهب فی الأربعینیات على ید الشیخ عبد المجید سلیم وإنشاؤه لدار التقریب بین المذاهب الإسلامیة والتی یحیها الیوم (2008) العالم الجلیل فضیلة الشیخ محمود عاشور وکیل الأزهر السابق، ثم دور الأزهر فی حروب مصر إبان عهد عبد الناصر (1956 ـ 1967) وصولاً إلى حرب 1973 وما تلاها، هذا هو الأزهر العظیم الذی تراجع دوره وباعتراف علمائه وتدهورت رسالته، وتحول العدید من خریجیه إلى مجرد موظفین لدى سلطة مستبدة وتقیم علاقات تبعیة مع العدو الأمرکی الإسرائیلی أو تخنع لفکر وهابی تکفیری متطرف، إننا نفتقد فی (أزهر الیوم) أمثال الأفغانی ومحمد عبده والمراغی وشلتوت والخضر حسین وأبو زهرة وغیرهم من نجوم الفقه والاجتهاد الإسلامی.

إن الأزهر یعانی الیوم من اختراقات هدامة یأتی على رأسها دعاة الفکر الوهابی النفطی ببداوته وتخلفه وغلوه وبعده عن فطرة الإسلام ذلک الفکر الذی حذر منه العلامة الشیخ/ محمد الغزالی (علیه رحمة الله) وأسماه بـ(فقه البداوة) الذی ینشغل بطول اللحیة وتقصیر الثوب والسواک وتکفیر الناس ونقاب المرأة بدلاً من انشغاله بقضایا الدین والناس وبدلاً من انشغاله بحرمة وجود قوات الاحتلال الأمریکی فی الخلیج ( الفارسی ) وصفقات الیمامة وزیارات بندر بن سلطان لتل أبیب!!

إن هذا الفکر هو الذی أوصلنا إلى مذابح العراق المذهبیة وإلى طائفیة لبنان الممیتة، وإلى تکفیر الدولة الفاطمیة التی تبعد عنا زمنیاً بما لا یقل عن 900 عام بعد أن شبع من تکفیر الواقع المعاش وأهله ومذاهبه بما فیها مذهب أهل السنة والجماعة ولیس الشیعة فقط، إن هذا الفکر یخترق الآن الأزهر بسبب عصر النفط اللعین وهو أحد الأسباب الکبرى فی تعطیل رسالة الأزهر وعدم استعادته لدوره الفاطمی التاریخی المهم، وإذا أردنا أن نعید للأزهر مجده فلنواجه وبقوة هذا الاختراق الفکری والمالی والسیاسی الوهابی قبل أن یستفحل ویشل الأزهر تماماً ویبعده ـ کما أبعدوا مصر ـ عن دوره ورسالته القومیة والإسلامیة.

ثالثاً: إن الأزهر یمثل لدى المسلمین فی العالم وکما قال لنا یوماً أحد علمائه الکبار ووفقاً لنص کلماته (إذا کانت الکعبة فی مکة تمثل للأمة الإسلامیة رمزاً للتوحید ورمزاً للإسلام فإن الأزهر هو کعبة العلم والعلماء) انطلاقاً من هذا المعنى المعبر ندعو إلى حرکة إحیاء تعلیمی ودینی وثقافی وسیاسی داخل الأزهر الجامع والجامعة، وهی حرکة تبدأ من إعادة الاعتبار لموقع (الإمام الأکبر شیخ الجامع الأزهر) وأهمیة أن یکون هذا الموقع بالانتخاب بین هیئة کبار العلماء، فهذا الأسلوب هو الذی یضمن استقلالیة الأزهر بعیداً عن أهواء الحکام ومصالحهم، وأن یعاد النظر فی المناهج التعلیمیة بداخل معاهده وکلیاته ومنابره الفقهیة بما یربطها أکثر بقضایا الأمة والوطن ومن المهم إعادة قراءة ونقد ومراجعة قانون تطویر الأزهر ذاته الصادر عام 1961 بما یفید الأزهر الجامع والجامعة ویعید لهما دورهما الذی تراجع.

إن الأزهر الذی نطالب بع هو الأزهر (القائد) لا (المقود) الأزهر الرافض للانغلاق ولفتنة الغلو الوهابی لعن الله من أیقظها فی مصرنا الحبیبة!!

(بقلم الدکتور رفعت سید أحمد )

م/ ن/25

 


| رمز الموضوع: 141029







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)