العراق : الاتفاق الأمنی مع أمریکا ... خداع السیادة تحت الاحتلال
الواضح أن مسألة الاتفاقیة الأمنیة المزمع توقیعها بین المحتل الأمریکی وحکومة المنطقة الخضراء ببغداد مع نهایة العام الحالی هی الأکثر سخونة هذه الأیام فی الحوارات الجاریة لبحث مستقبل العراق وإنهاء ولایة البند السابع علیه والذی کما هو معروف موکل لقوات الاحتلال الأمریکیة .
وفی خلفیة ما نرغب توضیحه فی هذا المقال أمران الأول یرتبط بالطلب الدوری لبقاء القوات الأمریکیة والذی تتقدم به الحکومة العراقیة بذریعة الحفاظ على الأمن وعدم جاهزیتها لإعادة الأمور إلى حالتها الطبیعیة فی البلد . والثانی وجود صراع حقیقی على النفوذ فی العراق بین کل من أمریکا وإیران ظهر بشکل کبیر حین صرح الرئیس الإیرانی أحمدی نجاد بان ایران مستعدة لملأ الفراغ إذا انسحب الأمریکان . أما فی الخلفیة التاریخیة للأمر فقد جرى فی السابق توقیع اتفاق شبیه بین حکومة العراق والاحتلال البریطانی وکان ذلک فی ینایر عام 1948 ولم یستمر الاتفاق الذی یمکن تلخیصه بأنه یحول العراق إلى قاعدة عسکریة وأمنیة للإمبراطوریة البریطانیة فی ذلک الوقت وینتهک السیادة العراقیة مما حدا بالشعب العراقی ومرجعیاته الدینیة خصوصاً لخوض معرکة إسقاطه.. وهکذا کان .
إذن نحن أمام قضیة تمس السیادة العراقیة بهذا الشکل أو ذاک طالما کانت بین الوطن العراقی ومحتلیه الذین لا زالوا یرتعون فی أرضه ومیاهه، ناهیک عن تدمیره وقتل أبنائه وحل جیشه الوطنی. إن الحدیث الذی نسمعه کل یوم عن رفض هذا الحزب أو ذاک المسئول ممن أتوا على ظهور الدبابات الأمریکیة للاتفاق الأمنی مع الأمریکیین هو خداع لا ینطلی على أی مواطن عراقی أو عربی ذلک أن سر وجود هؤلاء فی العراق أساساً وتبوأهم مکان الصدارة الیوم کحکام جدد للعراق یکمن فی وجود قوات الاحتلال وبدونه لا یستطیع هؤلاء البقاء لأربعة وعشرین ساعة ومن هنا لم یجد معظم الحکام الجدد مناصاً من إنهاء صفة الاحتلال أقله على الورق لیستمر فعلیا لحمایتهم عبر قوننة أسموها اتفاقاً أمنیاً ، والغریب فی الأمر أن السید نوری المالکی رئیس حکومة العراق اعتبر الحدیث الإیرانی الرافض للاتفاقیة تدخلاً فی الشؤون العراقیة ومساً بسیادته رغم زیارته التی استهدفت الحصول على موافقتهم علیها.!
وفی تفاصیل الاتفاق کما تم تداوله منذ مدة أن تبقى القوات الأمریکیة بقواعدها لمدة لا تقل عن عشر سنوات وتشرف خلالها على وزارتی الدفاع والداخلیة ، کما یتم منحها حق الملاحقة أو ما یسموه المطاردة الساخنة على کل الأراضی العراقیة ، کما لا یسمح الاتفاق بتطبیق القوانین العراقیة على الجنود الأمریکیین فی حال ارتکابهم جرائم أو مخالفات وینطبق ذلک على المؤسسات الأمنیة الخاصة المنتشرة فی طول البلاد وعرضها .
إن اتفاقاً یبقی القوات الأمریکیة فی العراق سیعنی حتماً خطراً على دول الجوار خصوصاً ممن یعارضون السیاسة الأمریکیة الظالمة فی منطقتنا وأخص بالذکر هنا کلاً من سوریا وإیران ، ورغم هذا فان الرفض السوری للاتفاق ینطلق من خلفیة تختلف نوعیاً عنها من ایران ، فسوریا ترى أن وجود الاحتلال فی أی بلد عربی أو أی نفوذ أجنبی هو انتقاص من الکرامة العربیة ومساً بالمصالح القومیة والوطنیة العراقیة وهکذا هو موقف کل القوى العربیة والدول ذات السیادة والتی لا تدور فی الفلک الأمریکی ، وسوریة لا تقبل بأی انتقاص للسیادة العراقیة مهما کانت المغریات المقدمة لها بالخصوص انسجاماً مع القیم والمبادىء التی تلتزمها وتنادی بها . أما بالنسبة لإیران فالأمر مختلف من حیث أن التهدید الذی تواجهه من الأمریکیین وإحکام الطوق حولها بعد أفغانستان والکویت والخلیج ( الفارسی ) و وجود القواعد فی العراق وترکیا یجعلها تنطلق من مصلحة ذاتیة ربما تتوفر فی حال تم إنهاء العداء بینها وبین الولایات المتحدة وسویت مشکلة الملف النووی الإیرانی ، ومن جهة أخرى حین ضمان نفوذها عبر حلفائها المعروفین هناک وموقعهم فی السلطة العراقیة الجدیدة .
ورغم ذلک فان المصلحة القومیة والوطنیة العراقیة تقتضی التعاون بین سوریا وإیران بهذا الصدد لإفشال أی اتفاق أمنی مع الولایات المتحدة الأمریکیة والعمل من أجل إنهاء الاحتلال وعودة العراق لموقعه العربی فی مواجهة کل ما یمر به هذا الوطن المبتلی بزعاماته .
إن النقاش الذی یدور حول بنود الاتفاق یحرف المسألة عن جوهرها المتمثل فی أن الاتفاق من حیث المبدأ مرفوض مع قوة احتلال عاثت فی العراق فساداً وتدمیراً وهی فشلت فی بسط سیطرتها وکسب أی نفوذ حقیقی على الأرض وبین الناس فتلجأ لإبقاء البلد رهینة بکل ما یملکه العراق من مقدرات عبر اتفاق یرسم فی الأمم المتحدة ویظهره الاحتلال وعملاؤه کأنما هو اتفاق بین بلدین کاملی السیادة ووقع بحریة تامة وبخیار ممثلی الشعب العراقی وهذا هو الکذب والخداع بعینه .
إن تصاعد الرفض الشعبی للاتفاق قد أرغم الکثیر من ساسة العراق على التراجع عن موقفه القابل للاتفاق وبدأنا نرى حملات منظمة ومدروسة عبر الإعلام وفی الشارع لمساندة المفاوض العراقی باعتبار المعرکة لیست ضد الاتفاق من حیث المبدأ بل من أجل فرض بعض البنود وتغییر أخرى أی لتجمیل الاتفاق ، وهذه الحملات والدعایة کما نلاحظ تنطوی على الکثیر من التضلیل وهی تکشف جوهر الموقف من الاتفاق ولیس أمام العراقیین وکل المتضررین من هکذا اتفاق سوى التصدی لهذه الحملة ولهذه الدعایة المضللة لکشف الأبعاد الخطیرة والمدمرة على مستقبل العراق والشعب العراقی والتی تقدم للأمریکیین مکافأة على تدمیر العراق وترهنه لهم لأجل غیر مسمى .
لعل موقف البعض مثل المالکی وغیره لا یحسدون علیه فهم من جهة یریدون إرضاء الولایات المتحدة الأمریکیة باعتبارها ولیة نعمتهم والتی جعلتهم فی مواقعهم على رأس السلطة فی العراق وإیران الجار الأقرب وذات النفوذ الکبیر على عدد من الأحزاب المشارکة فی السلطة کما المرجعیة الدینیة و ولایة الفقیه التی یلتزم بها معظم هؤلاء .. أی بالبلدی الحیرة بین 'سیدی وستی' .
لعل المخرج من کل هذا یکمن فی إنهاء هذا الفصل الدموی والمؤلم فی تاریخ العراق الحدیث وذلک بخروج المحتل الأمریکی من کل الأراضی العراقیة وتعویض الشعب العراقی عن ما لحق به وبوطنه من دمار وفقر وتشرید بسبب الاحتلال القائم على الکذب والادعاء .
إن وجود اتفاقات أمنیة بین أمریکا وبعض الدول العربیة لا یبرر اتفاقاً شبیهاً بین العراق وأمریکا برغم أن الاتفاقات التی نشیر لها مرفوضة وتمس کرامة ومصالح الأمة العربیة بشکل مباشر ولو تم عمل استفتاء لأی شعب فی تلک الدول لما حظی أی اتفاق مع أمریکا بموافقة هذا الشعب وکلنا یعرف موقع أمریکا فی الوجدان العربی کأحد أهم الضالعین فی تدمیر هذا الوطن وکره الناس لهم ولکل ما تمثله أمریکا من ظلم ومساندة للعدو الصهیونی . الاتفاقیة موضع بحثنا هی اتفاقیة مفروضة بحد السیف وتهدیدات الأمریکیین بالویل والثبور وعظائم الأمور إن لم توقع هذه الاتفاقیة تدل على النوایا الأمریکیة من وراء إصرارها على هکذا اتفاق، وهذا بحد ذاته یکفی کمبرر وسبب لرفضها ، وعلى الجمیع أن یضع مصلحة العراق ومحیطه نصب عینیه ولتتعاون کل الجهات المتضررة وهی الأغلبیة الساحقة لإسقاط الاتفاق قبل توقیعه وینطبق ذلک على دول الجوار... والأمر لیس مستحیلا .
(بقلم زیاد ابوشاویش )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS