التهدئة : خدعة إسرائیلیة
لا أحد یدرى بالضبط کم سیطول عمر التهدئة التى دخلت حیز التنفیذ صباح الخمیس بین الفصائل الفلسطینیة والاحتلال الإسرائیلى فى قطاع غزة ؟ بالرغم من أن هذا التحرک جاء متأخرا جدا لتخفیف الضغط على القطاع المنکوب والمحاصر منذ أکثر من عام، وقد کان على الدبلوماسیة العربیة والمجتمع الدولى أن یستجیبا مبکرا لدعوات التدخل وإنقاذ الفلسطینیین من حصار ظالم أحکمت إسرائیل فرضه بتواطؤ أمریکى وصمت عربى أوروبی.
إسرائیل التى وقعت فى القاهرة ثالث هدنة لها مع الفصائل الفلسطینیة طیلة السنوات الخمس الماضیة، یبدو أنها تعد سیناریوهات أخرى وستعید ترتیب أوراقها الداخلیة بعد انقشاع الأزمة السیاسیة التى تمر بها لتصنع ذرائع جدیدة وتعود إلى اعتداءاتها الیومیة.
حسن النیة الإسرائیلیة بشأن هذه الهدنة الجدیدة محل شک، وقد إتضح ذلک فى تأکید رئیس وزراء الکیان الصهیونی أیهود أولمرت أن هذه التهدئة "فرصة أخیرة" لحماس، و أضاف بقوله إنه "مقتنع" أیضا بأن هذه التهدئة هشة وأن ضباط جیشه یضغطون لإحباطها حتى لا تکون فرصة تسترد خلالها حماس أنفاسها، وأن الاستعدادات تتواصل سریعا لاجتیاح جدید.
وسوء النیة الإسرائیلیة على العموم لا تحتاج إلى براهین، و منها أن آلتها الحربیة خرجت من سویعات ما قبل التهدئة وهى تقطر دما فلسطینیا جراء غارة أدت إلى استشهاد مقاوم فى مخیم البریج وإصابة خمسة على الأقل بغارات شمال القطاع، أما فى الضفة الغربیة فقد صعدت إسرائیل حملاتها العدوانیة وقامت بهدم منازل فى بلدة قلقیلیة فیما أحرق مستوطنون عشرات اشجار الزیتون وأصولها قرب نابلس..
هذا السلوک الإسرائیلى لا یعدو أنه یکون استهتارا بالتهدئة وعملا مبکرا لإجهاضها واستفزاز الفصائل المقاومة لترد علیه منذ الان وهکذا یستمر مسلسل إبادة الشعب الفلسطینى بالنار والحصار واجتثاث أسباب الحیاة.
ربما أخطأت حماس التى وقّعت التهدئة الثالثة مع إسرائیل بحصر مجالها فى قطاع غزة دون أن تشمل الضفة الغربیة، وهذا الخطأ هو مکسب إسرائیلى بالدرجة الأولى، وهو من وجه آخر، ضریبة الانقسام الفلسطینى الذى دمر الوحدة الوطنیة وجعل الفلسطینیین "شعبین" فى الضفة الغربیة وقطاع غزة، فتعبیرة "شعب غزة" ما فتئ قادة إسرائیل یکررونها منذ أکثر من عام، وهى لیست مفهوما إجرائیا کما یذهب إلى الظن، بل إن إسرائیل تعمل وتحاول أن ترسح أن الواقع صار على هذا الأساس.
ولا غرابة أن تعمل إسرائیل على توقیع هدنة أخرى أو اتفاق مع السلطة فى رام الله، عملا بمبدأ "فرق تسد" الاستعمارى الذى ترسخه على الأرض، ویکشفه الفلسطینیون والسلطة تحدیدا کلما انعقد لقاء مفاوضات بین الجانبین فى منزل أولمرت أو غیره.
فى کل مرة تقدم إسرائیل الدلیل على أنها لیست أهلا للسلام ولا للمعاهدات، وهنا یطرح مصیر الهدنتین الأولى والثانیة عامی 2003 و2005، وعمن نسفهما؟ مع العلم أن هاتین الهدنتین وقعت علیهما جمیع الفصائل الفلسطینیة بقیادة السلطة الوطنیة فى عهد الرئیسین الراحل یاسر عرفات والحالى محمود عباس، أما هذه الهدنة الأخیرة فالسلطة غائبة عنها، أو مغیبة، ومهما کانت الذرائع فإن هذا المعطى یؤکد أن ضربة أخرى فى الصمیم قد وجهت للوحدة الوطنیة الفلسطینیة، ونأمل أن لا تتجاوز تداعیاتها هذا الحد.
ولا ینکر أحد أن الشعب الفلسطینى فى قطاع غزة بحاجة إلى سلام دائم لا هدنة مؤقتة، فالملیون ونصف الملیون الذین یعیشون فى أسوأ ظروف إنسانیة مروا بها منذ زرع الکیان الإسرائیلى هم بحاجة إلى حمایة وحیاة کریمة، وربما هذه التجربة القاسیة تجعل النخبة الفلسطینیة من فتح وحماس تتعلم الدرس وتفتح صفحة جدیدة للوفاق حتى تقدر على مناورة عدو یلعب بأکثر من ورقة ویذبحهم بأکثر من سلاح.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS