السبت 12 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

مصر وقعت فی مصیدة اولمرت

فاجأتنا التصریحات التی ادلى بها احد المسؤولین الاسرائیلیین المرافقین لرئیس الوزراء ایهود اولمرت اثناء زیارة الاخیر لمنتجع شرم الشیخ، وقال فیها ان الحکومة المصریة وافقت على ابقاء معبر رفح الفلسطینی مغلقا حتى الافراج عن الجندی الاسرائیلی الأسیر جلعاد شلیط. وقد انتظرنا یوما کاملا على امل صدور توضیح رسمی مصری لهذه المسألة دون ای جدوى.

مصدر المفاجأة هو خضوع الحکومة المصریة بهذه السهولة للاملاءات الاسرائیلیة الابتزازیة، وکأن مصر دولة بلا سیادة ولا قرار مستقل، وترضخ لأی ضغوط اسرائیلیة حتى لو تعارضت مع مصالح مصر الاستراتیجیة والعربیة.

الموافقة على ابقاء معبر رفح الفلسطینی مغلقا حتى الافراج عن الجندی الاسرائیلی الأسیر تعنی ان مصیر ملیون ونصف ملیون فلسطینی من ابناء قطاع غزة المحاصرین فی کفة، والجندی الاسرائیلی فی الکفة الاخرى. فطالما ان هذا الجندی قید الأسر فإن الملیون ونصف الملیون من الفلسطینیین یجب ان یکونوا فی الأسر ایضا، بموافقة السجان الرسمی المصری.

هذه اهانة لمصر، وکرامتها، ومکانتها، ما کنا نتمناها، او نتوقعها، مثلما لم نتوقع ان تقبلها القیادة المصریة بمثل هذه السهولة ودون دراسة العواقب والآثار السلبیة المترتبة علیها، خاصة ان مصر هی التی تقوم باعمال الوساطة بین الحکومة الاسرائیلیة وحرکة المقاومة الاسلامیة حماس ، لتثبیت اتفاق الهدنة الذی رعته مقابل رفع الحصار عن قطاع غزة.

فالوسیط المصری الرسمی عندما یرضخ لمثل هذا الابتزاز الاسرائیلی، ویقدم هدیة لمضیفه ایهود اولمرت بربط مسألة فتح معبر بأسیر اسرائیلی، یثبت انه لیس وسیطا محایدا، وانما وسیطا منحازا للطرف الاسرائیلی بالکامل، وهذا الانحیاز لا یمکن ان یجد ارتیاحا فی اوساط الشعب المصری الذی یکن کل المحبة والتقدیر لأشقائه الفلسطینیین، ویتطلع الى فک اسرهم.

 

قبول الحکومة المصریة بالشروط الاسرائیلیة بابقاء المعبر مغلقا ریثما یتم الافراج عن شلیط هو فرض المزید من الشروط التعجیزیة على حرکة حماس لإجبارها على الرضوخ للمطالب الاسرائیلیة، وتسلیم الجندی الاسرائیلی الأسیر دون مقابل، او بثمن بخس للغایة.

معبر رفح هو المنفذ الوحید لابناء قطاع غزة الی العالم الخارجی، وحکومة اولمرت تعرف هذه الحقیقة جیدا، ولذلک تستخدم هذه الورقة لإفشال اتفاق التهدئة، والوساطة المصریة بخصوصه، وتحمیل الشعب الفلسطینی، وحرکات المقاومة هذه المسؤولیة. ففتح المعبر کان الشرط الاول للقبول بالتهدئة، ولا اعرف شخصیا کیف قبل وفد حماس المفاوض الربط بین فتح المعبر ومصیر الجندی الاسرائیلی الأسیر، سواء بطریقة مباشرة او غیر مباشرة.

نعرف جیدا الاوضاع المعیشیة الصعبة التی یعیشها ابناء قطاع غزة فی ظل الحصار الاسرائیلی التجویعی، والضغوط النفسیة الهائلة المترتبة على ذلک بالنسبة الى حکومة حماس التی تتحمل مسؤولیة ادارة القطاع وتأمین ابسط احتیاجاته، ولکن من الخطأ الرضوخ لضغوط الوسیط الرسمی المصری، بقبول الاملاءات الاسرائیلیة فی هذا الخصوص، وإسقاط عملیة الربط بین التهدئة فی القطاع ونظیرتها فی الضفة الغربیة.

حکومة اولمرت وافقت على اتفاق التهدئة لتجنب افشال الوساطة المصریة، وتحمل التبعات المترتبة على ذلک، وبعد ان نزعت منه اهم شروطه، والعمل على تخریبه بعد ذلک من خلال اعمال استفزازیة على غرار ما حدث یوم امس عندما اغارت قواتها على مدینة نابلس وقتلت اثنین من قیادات المقاومة یتبع احدهما لحرکة الجهاد الاسلامی والثانی لکتائب عز الدین القسام الجناح العسکری لحرکة حماس .

رفض الربط بین التهدئة فی القطاع بالضفة الغربیة هو احد نقاط الضعف الرئیسیة فی الاتفاق، ویعکس النوایا الاسرائیلیة المبیتة لتخریبه، لأن الهدف هو ترسیخ حالة الفصل الراهنة بین المنطقتین الفلسطینیتین المحتلتین اولا، واطلاق ید القوات الاسرائیلیة لمطاردة رجال المقاومة وتصفیتهم الواحد تلو الآخر ثانیا، وحصر دور مصر ووساطتها فی قطاع غزة فقط، وإبعادها بالکامل عن ملف الضفة الغربیة.

المؤلم ان الحکومة المصریة سقطت فی هذه المصیدة الاسرائیلیة وهی مفتوحة العینین، وقدمت لحکومة اولمرت کل التنازلات التی طالبت بها کشرط لقبول اتفاق التهدئة، دون ان تتبصر بالنتائج الخطیرة المترتبة على ذلک.

الاتفاق یترنح، هذا ان لم یکن قد انهار فعلا، فاطلاق حرکة الجهاد الاسلامی صاروخین بالامس على مستوطنة سدیروت شمال قطاع غزة کرد على اغتیال احد قیادییها فی نابلس هو البدایة، ولیس من المستغرب ان نرى تکرارا للمشهد نفسه فی الایام القلیلة المقبلة.

حرکة حماس التی قبلت هذا الاتفاق مکرهة، تواجه التحدی نفسه الذی واجهته، عندما قبلت باتفاق تهدئة مماثل قبل عامین جرى التوصل الیه فی قمة شرم الشیخ الرباعیة، والتزمت بأبرز بنوده التی تنص على وقف العملیات الفدائیة الاستشهادیة، وأی هجمات اخرى على اهداف اسرائیلیة، ولکن الطرف الاسرائیلی لم یلتزم وواصل عملیات الاغتیال لقادة الجهاد الاسلامی المیدانیین فی الضفة والقطاع.

القیادة السیاسیة لحرکة حماس تقف حالیا امام خیارین صعبین للغایة، الاول ان تتدخل بالقوة لمنع فصائل المقاومة الاخرى مثل الجهاد وکتائب شهداء الاقصی (فتح) وألویة الناصر صلاح الدین، والجیش الاسلامی، من اطلاق صواریخ للحیلولة دون انهیار اتفاق التهدئة، والحفاظ على علاقاتها مع مصر، او التنصل من هذا الاتفاق کلیا لان اسرائیل لم تلتزم به اساسا من خلال اقدامها على توغلات واغتیالات استفزازیة فی الضفة الغربیة لاستهداف فصائل المقاومة وعناصرها.

الوساطة المصریة سقطــــت بمجرد التزام القـــــیادة المصــــریة بربط مسألة فتح معبر رفح بالافـــــراج عن الجـــندی الاسرائیــلی جلعاد شلیط ، وجاءت عملیة الاغتیالات الاسرائیلیة الاخیرة فی نابلس لتطلق علیها رصاصة الرحمة ، ولعل سقوط هذه الوساطة هو نعمة لحرکة حماس وانقاذ لها من اتفاق أضر بصورتها، دون ان تحقق من ورائه ای مکاسب حقیقیة على الارض.

فاسرائیل کانت دائما تقول انها مستعدة لوقف غاراتها وتوغلاتها، بل وحصارها للقطاع اذا توقفت الصواریخ، ای ان الامر لا یحتاج الی وساطة، وجولات مکوکیة للواء عمر سلیمان رئیس المخابرات المصریة.

حماس حرکة مقاومة، واطلاق الصواریخ هو احد ابرز ادوات مقاومتها، ولا یجب التنازل عن هذه الورقة الا فی اطار اتفاق متکامل، برفع کلی للحصار، وفتح جمیع المعابر دون ای استثناء، و وقف المجازر الاسرائیلیة جمیعا فی الضفة والقطاع. وطالما ان هذه الشروط لم تتحقق الا جزئیا، وبشکل منقوص، فإن انهیار اتفاق التهدئة هذا هو مسألة وقت وتوقیت، خاصة ان الجناح العسکری فی الحرکة لم یکن مرتاحا له فی الأساس.

( المقال لـعبد الباری عطوان فی القدس العربی اللندنیة)

ن/25


| رمز الموضوع: 141037







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)