مرامی اسرائیل من " دبلوماسیة المدافع " إزاء ایران
مرامی اسرائیل من " دبلوماسیة المدافع " إزاء ایران !!
حرص اسرائیل على مظاهر استعراض العضلات فی مواجهة إیران کما حدث مؤخراً یستدعی التوقف قلیلاً....فهل هذه المظاهر تعکس توجهاً حقیقیاً لضرب ایران، أم أنها تأتی لردع الجمهوریة الإسلامیة وحثها على الاستجابة لاقتراحات الوکالة الدولیة لشؤون الذرة وعروض الاتحاد الأوربی وإغراءاتها بوقف هذا المشروع.
صحیفة " معاریف " کشفت مؤخراً النقاب عن أن رئیس الوزراء الإسرائیلی ایهود أولمرت التقى بالعقید المتقاعد افیناعم سیلع، مدیر التخطیط الأسبق فی سلاح الجو الإسرائیلی والذی کان مسؤولاً عن تخطیط الهجوم على المفاعل الذری العراقی فی العام 1981، وشارک فی الهجوم، وهی العملیة التی أطلق علیها الجیش الإسرائیلی فی حینه " حملة أوبرا ". وأشارت الصحیفة الى أن اللقاء مع سیلع ( 63 عاماً ) یکتسب أهمیة قصوى لأنه یعتبر " أب " فکرة تزوید الطائرات بالوقود اثناء اقلاعها بالجو، وقد اضطر الجیش الى اقالته فی العام 1987 بسبب ضغوط مارستها الادارة الأمریکیة بعدما تبین أنه استغل وجوده فی دورة تعلیمیة فی الولایات المتحدة، وقام بتجنید الجاسوس الامریکی الیهودی جونثان بولارد لصالح اسرائیل. بن کاسبیت المعلق السیاسی للصحیفة الذی نشر الخبر شدد على أن اولمرت طلب ان یسمع من سیلع تقدیراته بشأن احتمالات هجوم اسرائیلی ممکن فی ایران، معتبراً أن الکشف عن اللقاء یکتسب أهمیة خاصة فی اعقاب الکشف عن المناورة الجویة الاسرائیلیة واسعة النطاق التی جرت فوق حوض البحر الابیض المتوسط.
مشروع حیاته
فی ذات السیاق وبشکل غیر معهود، کشف النقاب فی اسرائیل عن قرار أولمرت بتمدید ولایة رئیس جهاز الموساد الجنرال مئیر دجان بسنة اخرى، مع العلم أنها المرة الثانیة التی یتم تمدید ولایة دجان. واجمعت وسائل الاعلام الاسرائیلیة على أن قرار أولمرت یعکس حقیقة التوجهات الإسرائیلیة تجاه ایران على اعتبار أن دجان هو المشرف على معالجة التهدید النووی الإیرانی، الى جانب أنه یعبر عن " رضا واعجاب " أولمرت بانجازات دجان فی ثلاث مجالات هامة، وهی جمع معلومات استخباریة ذات قیمة عن طهران ودوره فی تصفیة عماد مغنیة الى جانب تقدیمه المعلومات التی ادت الى تدمیر المنشأة البحثیة السوریة فی اواخر العمل 2006 والتی تدعی إسرائیل والإدارة الأمریکیة أنها منشأة نوویة، وهی " الإنجازات " التی حولتها الى القائد الأمنی " الأهم " فی إسرائیل. وأولمرت بصفته رئیساً للمواد یعتبر هو القائد الأعلى لجهاز " الموساد " وجهاز المخابرات الداخلیة " الشاباک ". وکان موقع " YNET "، أشهر المواقع الاخباریة الإسرائیلیة قد نشر مؤخراً بروفایل عن دجان أکد فیه أنه یعتبر أن القضاء على المشروع النووی الإیرانی هو حلم حیاته.
من ناحیتها ابدت الصحف الإسرائیلیة اهتماماً بالغاً بالتدریبات التی قام بها سلاح الجو الإسرائیلی مطلع حزیران الجاری فی اجواء بحری " الأبیض المتوسط " و " إیجهة "، والتی أکدت مصادر أمریکیة مطلعة أنها تأتی فی سیاق استعدادات إسرائیل لضرب المشروع النووی الإیرانی. الصحف الإسرائیلی حاولت التطرق للإمکانیات المتاحة أمام إسرائیل للقیام بمثل هذا الهجوم والمعیقات المیدانیة والسیاسیة التی قد تجعل نجاح تل أبیب فی مخططها تجاه إیران أمراً مشکوک فیه.
معیقات میدانیة
فمن ناحیته کشف یوسی میلمان معلق صحیفة " هارتس " للشؤون الاستخباریة النقاب عن نتائج بحث اعده اثنان من کبار الباحثین الأمریکیین فی المجال الاستراتیجی وهما فینوتی راس واوستون لونغ، تدلل على أن هناک صعوبات میدانیة تقف أمام قدرة إسرائیل على العمل عسکریاً ضد إیران. وحسب البحث الذی ضمن میلمان نتائجه فی مقال نشره فی الصحیفة، فأن إسرائیل فی حال قررت العمل ضد إیران فأنها ستکون مضطرة لتقلیص حجم " بنک الأهداف " التی ستضربها فی العمق الإیرانی. وأشارت نتائج البحث الى أن طائرات سلاح الجو الإسرائیلی التی ستشارک فی الهجوم على إیران ستجد نفسها مضطرة للسیر فی أحد ثلاث مسارات جویة، کلها مسارات اشکالیة. ونوه البحث الى أنه من الممکن أن تقلع الطائرات الاسرائیلیة فوق الأجواء الأردنیة ومنها للعراق وصولاً لإیران، حیث ان هناک أساس للاعتقاد أن محطات الرادار الأردنیة لن یکون بوسعها اکتشاف الطائرات اثناء طیرانها على اعتبار انها تطیر على ارتفاعات شاهقة، فضلاً عن أن الجیش الأمریکی سیکون مطالب بتخصیص ممر لهذه الطائرات فی الأجواء العراقیة. ونوه البحث الى أن المسار الثانی الذی من الممکن أن تسلکه الطائرات الإسرائیلیة سیکون فوق المنطقة الحدودیة الفاصلة بین سوریا وترکیا، فی حین أن المسار الثالث هو الأطول، وهو أن تتحرک الطائرات جنوباً فوق میاه الخلیج العربی وصولاً لإیران. وأشار البحث الى أن العدد الأکبر من الطائرات الإسرائیلیة التی من الممکن أن تشارک فی قصف ایران لن یتجاوز المائة طائرة تقوم بعدد محدود من الغارات. وأکد البحث أن حجم ما تحمله الطائرات من قوة تدمیریة یتوقف على طول المسافة التی ستقطعها حتى تصل الأجواء الإیرانیة. وتشدد نتائج البحث على أن نجاح أی هجوم إسرائیلی على إیران یتوقف على دقة المعلومات الإستخباریة التی بالإمکان الحصول علیها، وتحدیداً حول عمق التحصینات التی تتواجد أسفلها المنشآت الذریة الإیرانیة.
معیقات سیاسیة
أمیر أورن المعلق العسکری لصحیفة " هارتس "، یرى أن العوامل التی تتحکم فی توقیت الضربة الإسرائیلیة لإیران تتصل بدرجة التطور التی وصل إلیها المشروع النووی الإیرانی، بالإضافة للمتغیرات السیاسیة المتمثلة فی قرب أفول نجم الإدارة الأمریکیة. واضاف " وتیرة تقدم المشروع النووی الایرانی وساعة الانتخابات فی واشنطن قد تقود القیادة الإسرائیلیة الى الاستنتاج بان من الافضل القیام بعمل عسکری ضد ایران فی الصیف أو الخریف القادم لهذا العام وعدم الانتظار لسنة اخرى ". وشدد أورن على أن هذا التحدی یتطلب وجود حکومة إسرائیلیة مستقرة، مؤکداً أن معالجة المشروع النووی الإیرانی یتطلب التخلص من أولمرت. وأردف قائلاً " الحکومة الإسرائیلیة الحالیة غیر قادرة على القیام بعمل ضد ایران، فهی غیر قادرة على الإتفاق على اتفاق التهدئة الذی تم التوصل الیه مع حماس، کما أنها عاجزة عن حسم صفقة تبادل الاسرى مع حزب الله. فطالما تشبث ایهود اولمرت برئاسة الحکومة فی ظل الشبهات الجنائیة ضده التی تقترب یوم بعد یوم الى مستوى لائحة الاتهام، ستکون هذه الحکومة مجردة من القدرة على الحسم. ابعاد اولمرت الفوری عن منصبه هو لهذا السبب حاجة وطنیة بل ووجودیة "، على حد تعبیره.
سهم مرتد
من ناحیته یرى رون بن یشای الباحث فی " مرکز ابحاث هرتسلیا متعدد الإتجاهات "، الذی یعتبر مرکز الأبحاث الأهم فی إسرائیل أن المناورات التی أجراها سلاح الجو الإسرائیلی والتی أکدت صحیفة " نیویور تایمز " الأمریکیة أنها جاءت ضمن استعدادات إسرائیل لشن هجوماً على المنشآت النوویة الإیرانیة، یهدف الى ممارسة ضغوط على الدول التی تتعامل تجاریاً مع إیران لوقف تعاملها التجاری من طهران. وفی مقال نشره فی صحیفة " یدیعوت أحرنوت "، أضاف بن یشای قائلاً " التدریبات التی قام بها سلاح الجو تهدف الى اقناع کلا من الصین والیابان وروسیا وبعض الدول الأوروبیة بوقف التعامل تجاریاً مع طهران وتحذیرها أنه فی حال لم تساهم فی ممارسة الضغوط الإقتصادیة على إیران من أجل وقف برنامجها النووی، فأن إسرائیل ستضطر للعمل ضد إیران الأمر الذی سیؤدی الى تضرر مصالح هذه الدول تحدیداً، إذ أن أسعار النفط ستصل مستویات جنونیة ". لکن بن یشای یحذر فی المقابل من مغبة تأثیر الکشف عن التدریبات على ردود فعل إیران، متوقعاً أن یؤدی الکشف عن هذه التدریبات الى ردة فعل مضادة، بحیث تتجه طهران الى اقتناء المزید من الأسلحة والتجهیزات العسکریة، على أمل أن تکون قادرة على التصدی لأی عمل عسکری. وحذر بن یشای من أن تتحول التدریبات التی قامت بها اسرائیل الى " سهم مرتد " الى نحرها، حیث أنه تم عرض هذه المناورات أیضاً فی الولایات المتحدة على أساس أنها محاولة إسرائیلیة لإقناع إدارة بوش فی آخر أیامها بضرب إیران نیابة عن إسرائیل، وبالتالی تحمیل امریکا ولیس إسرائیل تبعات معالجة تهدید لإسرائیل ولیس لأمریکا.
استراتیجیة المدافع
من ناحیته اعتبر الیکس فیشمان المعلق العسکری لصحیفة " یدیعوت أحرنوت " أن التدریبات التی قام بها سلاح الجو الإسرائیلی فی اجواء البحر الأبیض المتوسط وبحر " ایجه " تعبر عن انتقال اسرائیل والولایات المتحدة فی مواجهتما للمشروع النووی الإیرانی الى " دبلوماسیة المدافع "، للضغط على إیران للإستجابة ل " مجموعة الإغراءات " التی قدمتها دول الإتحاد الأوروبی لطهران للتراجع عن مشروعها النووی، الى جانب أن اسرائیل وامریکا هدفتا ایضا الى ممارسة الضغوط على اوروبا لتصعید الضغوط الإقتصادیة على ایران من اجل اجبارها على وقف مشروعها النووی. وأضاف فیشمان " من غیر المستبعد أن تکون إسرائیل والولایات المتحدة قد نسقتا عملیة الکشف عن هذه التدریبات من أجل التاکید على جدیة النوایا الإسرائیلیة لضرب ایران ". ونوه فیشمان الى حقیقة ان اسرائیل قامت بعدة خطوات للکشف عن هذه التدریبات مثل الحصول على اذن من الیونان للتحلیق فوق اجواء میاهها الأقلیمیة، الى جانب أن هذه التدریبات تمت أمام قطع سفن الأسطول البحری الروسی الذی اصبح على علم بکل تفاصیل التدریبات. وشدد فیشمان على أن الولایات المتحدة وافقت على اجراء هذه التدریبات على الرغم من ادراکها المسبق أن الکشف عنها سیؤدی مرة اخرى الى ارتفاع اسعار النفط.
( المقال لـ صالح النعامی )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS