العمل السیاسی تحت عباءة أوسلو
العمل السیاسی تحت عباءة أوسلو
عندما تختل موازین القوى لصالح العدو الصهیونی، تصبح المنازلة السیاسیة معه بمعزل عن المقاومة المسلحة وفی ظل تمزق الجبهة السیاسیة الفلسطینیة خسارة حتمیة لنا نحن الفلسطینیین، إذ تتحول السیاسة فی هذه الحالة إلى سلاح بید عدونا وحده وسیف مسلط على رقاب شعبنا.
ولذلک حرص العدو الصهیونی منذ البدایة على تجرید شعبنا الفلسطینی من کل أدوات المقاومة المسلحة، وبذل ما یسمى "المجتمع الدولی" الداعم للمشروع الصهیونی ضغوطاً هائلة على شعبنا لمنعه من استخدام القوة المسلحة فی الدفاع عن نفسه وانتزاع حقوقه من الاحتلال، ولا یزال المجتمع الدولی یرهن الاعتراف بالشرعیة الفلسطینیة بتخلی شعبنا عن مقاومة الاحتلال والتسلیم بما یدعیه هذا الاحتلال الغاصب من حقه فی اغتصاب فلسطین.
ورغم أن الاحتلال الصهیونی ورعاته الغربیین یسعون لإقناع شعبنا بعدم جدوى المقاومة، فإن المقاومة السلمیة والمسلحة على حد سواء هی التی تجعل الحلول السیاسیة ذات قیمة وجدوى بالنسبة لنا، وهذا ما أکدته تجارب حرکات التحرر الوطنی من الاحتلال على مدار التاریخ، فترک المقاومة المسلحة ضد الاحتلال یجعل السیاسة أداة بیده وحده یستخدمها ضد من یحتل أرضهم ویستبیح حقوقهم ولا یبالی بما یصل إلیه حالهم من ذل وخسارة وهوان.
ولذلک لا تکون الحلول السیاسیة ذات جدوى إلا عندما یصبح لدى العدو استعداد للتنازل من أجل تفادی ضربات المقاومة وما تلحقه به من خسائر لا یقوى على تحملها، حینذاک یصبح الانخراط فی العملیة السیاسیة أمراً لا بد منه لتوظیف إنجازات المقاومة فی التحرر من الاحتلال وانتزاع الحقوق منه وإجباره على کف عدوانه. أما طرح خیار المقاومة جانباً وتبنی الحلول السیاسیة خیاراً استراتیجیاً، فإن ذلک یمثل انتحاراً سیاسیاً واستسلاماً للعدو، لأن الحلول السیاسیة فی هذه الحالة لن تؤدی إلا إلى تکریس الاحتلال وإضاعة الحقوق.
وبالنسبة للحالة الفلسطینیة، فلسنا هنا بصدد تقییم نتائج دخول حرکة حماس فی المعترک السیاسی، لأن مشارکة حرکة المقاومة الإسلامیة فی السلطة تهدف أساساً إلى حمایة المقاومة من الاجتثاث وتأکید شرعیتها وتوظیف إنجازاتها فی خدمة القضیة الفلسطینیة، وانتزاع قیادة الشعب الفلسطینی ممن خطفها واحتکرها وإنقاذه من محاولات تدجینه وترکیعه، ومنع نظام أوسلو من الانفراد بالقرار الفلسطینی وتصفیة القضیة الفلسطینیة وفق الرؤیة الصهیونیة. ولتحقیق هذه الأهداف، رأت حرکة حماس أنه لا بد من الحصول على الشرعیة السیاسیة عبر المشارکة فی النظام السیاسی.
وبما أن بقاءها خارج نظام أوسلو لا یقل خطورة – على القضیة الفلسطینیة – عن مشارکتها فیه، اضطرت حرکة حماس لخوض تلک المغامرة السیاسیة، التی لا یمکن تفادی أخطارها إلا برفض إملاءات المجتمع الدولی المتمثلة فی شروط اللجنة الرباعیة الدولیة والتشبث بحق شعبنا فی مقاومة الاحتلال. وهذا ما فعلته حرکة حماس، مما دفع بالولایات المتحدة الأمریکیة وحلفائها الأوروبیین والعرب والفلسطینیین إلى عدم الاعتراف بشرعیة الحکومة التی تتولاها حرکة حماس.
وطالما تمسکت حرکة حماس بمواقفها وثوابتها، فمن العبث توقع حدوث تغییرات جوهریة على موقف المجتمع الدولی من مشارکتها فی السلطة، ومن غیر المعقول توقع حدوث اختراق لصالح حرکة حماس فی موقف الاتحاد الأوروبی، الذی لا یزال یرفض الاعتراف بشرعیتها ویشارک فی عزلها سیاسیاً والضغط علیها.
فالأوروبیون ینظرون إلى حرکة حماس على أنها لم تستطع حتى الآن القیام بأیة خطوة سیاسیة بعد وصولها للسلطة وتولیها الحکومة الشرعیة، وهم یقصدون بذلک الاعتراف بما یسمى (إسرائیل). وبعبارة أخرى، لکی یسمح الأوروبیون لحرکة حماس المشارکة فی العملیة السیاسیة، یجب علیها عدم المساس بنظام أوسلو والتقید بالتزاماته تجاه الاحتلال.
وقد جسد خطاب الرئیس الفرنسی سارکوزی أمام الکنیست الصهیونی موقف الاتحاد الأوروبی من القضیة الفلسطینیة، وهو موقف ینطوی على قدر کبیر من المکر والمراوغة، ویعبر عن انحیاز کامل للکیان الصهیونی. فقد أکد سارکوزی فی خطابه حرص بلاده على أمن الکیان الصهیونی ویهودیة ما یسمى (إسرائیل)، وأعتبر مقاومة الاحتلال الصهیونی غیر شرعیة، وتعهد بالاستمرار فی عزل حرکة حماس سیاسیاً حتى تستجیب لإملاءات المجتمع الدولی.
والموقف الأمریکی من مشارکة حرکة حماس فی السلطة لا یختلف عن الموقف الأوروبی إلا فی کون الأول أکثر وضوحاً وأشد صلابة. أما أنظمة ما یسمى "محور الاعتدال العربی"، فتتسم مواقفها بالتواطؤ مع الإدارة الأمریکیة والکیان الصهیونی، إضافة إلى سعیها لإفشال تجربة حرکة حماس، بسبب عداء تلک الأنظمة لحرکات الإسلام السیاسی. وفی ظل هذه المعطیات البائسة، سیظل باب العمل السیاسی الفاعل موصداً فی وجه حرکة حماس، وستظل المقاومة الفلسطینیة فی بؤرة الاستهداف الصهیوصلیبی.
وهنا تبرز مسألة هامة تتعلق باتفاقیة التهدئة فی غزة، فما الهدف السیاسی من وراء مثل هذه التهدئة المفتوحة التی یتوقع أن تمتد لتشمل الضفة المحتلة فی غضون ستة شهور؟! فهل الهدف منها إعطاء عملیة التسویة السیاسیة فرصة جدیدة عبر إفساح المجال لحرکة حماس للعمل تحت عباءة أوسلو أم أنها تهدف إلى تمکین الاحتلال الصهیونی من مواصلة الحلول أحادیة الجانب فی مقابل تخفیف الحصار الاقتصادی المفروض على غزة؟!
لیس من المتوقع أن تؤدی التهدئة إلى إی تغییر فی موقف المجتمع الدولی من حرکة حماس، ولن یجدینا نفعاً العمل السیاسی تحت عباءة أوسلو، ولا یمکن للشعب الفلسطینی أن یصمت إزاء الإجراءات الصهیونیة الرامیة إلى إقامة دولة یهودیة على أنقاض فلسطین.
( المقال للدکتور محمد اسحق الریفی )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS