ما یحدث فی معبر الکرامة لا علاقة له بالکرامة
ما یحدث فی معبر الکرامة لا علاقة له بالکرامة
عندما عدت للاستقرار بالضفة الغربیة فی منطقة بیت لحم تحدیدا قبل حوالی أربعة أعوام قادما من بغداد بعد الحرب على العراق واحتلالها، لاحظت بأن هنالک الکثیر من المسائل قد تغیرت حتى انه یمکن القول بأننی لاحظت بان بعض المسائل قد تغیرت بشکل کبیر، خاصة فیما یتعلق بموضوع العمران وامتداد البنیان إلى مناطق کثیرة کانت قبل خمسة عشر عاما تعتبر أراض زراعیة، ویمکن القول بان ما شاهدته یشبه "الثورة" العمرانیة وقد تغیرت الکثیر من التفاصیل التی کانت لا تزال فی ذهنی، کما تم فتح الکثیر من الشوارع بحیث شعرت بحالة من الارتباک فی بعض الأحیان لأننی لا اعرف الکثیر من الطرق "الجدیدة".
کان البعض من الأصدقاء یسألنی وخاصة بعد العودة مباشرة کیف وجدت "الوطن بعد هذه الغیبة التی طالت حوالی الخمسة عشر عاما، وکنت أرد بأننی لا ارغب بالإجابة إلا بعد إن استقر لفترة معقولة من الزمن وذلک حتى تکتمل الصورة فلا تکون الإجابات عفویة وبدون تدقیق إلا إننی کنت أقول بان الملاحظة التی لا بد منها بشکل سریع ودون الدخول التفاصیل هو هذا التطور والامتداد العمرانی المذهل والکبیر وتحول الکثیر من الأراضی الزراعیة الى مناطق للسکن الذی یبدو عشوائیا وبدون تخطیط، کنت ارفض الإجابة فیما یتعلق بالإنسان الفلسطینی.
سوف أسرد هنا ملاحظاتی عما یسمى بمعبر الکرامة هکذا بدون "فذلکات" کلامیة وبدون رتوش ولا محاولات تجمیل، بل الواقع بکلمات بسیطة وهو الذی یمکن ان یواجه کل من سافر إلى الأردن عبر "الکرامة".
فی کل مرة عندما کنت ارغب بالتوجه الى الأردن بغض النظر عن سبب الزیارة یتم سؤالی من قبل بعض الأهل أو الأصدقاء هل ستذهب إلى المعابر، وکنت لا اعرف ما الذی یقصدونه بهذا السؤال وما هو المقصود بالمعابر وهذه حقیقة، إلى أن جاء الوقت الذی سافرت فی احدى المرات مع احد الأشخاص الأعزاء الذی قال لی بأننا سوف نذهب الى المعابر لان ذلک أفضل وأسرع، فقلت فی نفسی حسنا علنی أتعرف على المعابر، وفعلا وصلنا بالسیارة الى المعابر دون المرور بقاعة المسافرین التی عادة ما اجلس بها منتظرا استکمال المعاملة کما بقیة خلق الله، وبینما نحن واقفین "فی المعابر" قلت له إذن هذه هی المعابر فقال نعم، قلت له إذن کل هؤلاء الذین ألاحظهم فی کل مرة هم یأتون إلى هنا بنفس الطریقة التی أتینا بها وأضفت "لکن هذا جزء من الفساد ولا یجوز لان هنالک مئات وآلاف النساء والأطفال الذین یجلسون فی القاعة واعتقد بأننا لسنا أفضل من کل هؤلاء"، فرد علی بأننا لسنا الوحیدین وان بالإمکان ان أرى عشرات ان لم یکن مئات الأشخاص الذین ینتظرون فی المعابر من اجل الصعود فی الحافلات دون المرور بقاعات الانتظار مثل بقیة "البشر". فعدت وکررت على مسامعه بان هذا جزء من الفساد وأن "هذه سوف تکون المرة الأولى بالنسبة لی والأخیرة التی آتی فیها الى المعابر" وهذا ما کان.
کنت أقرر فی کل مرة أسافر الى الأردن أن اکتب عن هذا الوضع الشاذ والذی لا یجوز أن یستمر،صحیح أننی ألاحظ عشرات الأشخاص خلال الوقوف فی معابر لکن هذا یعنی با، الرقم قد یصل إلى عدة مئات على مدار الیوم، وفی کل مرة أعود وأتراجع على أمل أن یصبح الحال أفضل فی المرة القادمة، لکن یبدو أن الأمور بدلا من أن تسیر قدما فی الاتجاه الصحیح تتردى وتزداد سوءا، بحیث أصبح عدم الکتابة فیه مشارکة فی الفعل وعلى هذا الأساس قررت أن اکتب عل هذا یریحنی "وأخلص ذمتی"، لقد أصبح الحال أسوأ وأعداد الذین یقفون فی المعابر اکبر إلى الدرجة التی عندما سافرت فی المرة الأخیرة تم تأخیر الحافلة التی أنا بها لأن أحدهم اتصل "هذا ما استطعت أن افهمه من خلال المکالمات الهاتفیة عبر التلفون النقال الذی یحمله اشرطی الواقف على باب الحافلة" وانه قادم وکانت الحافلة التی تقلنا هی الأخیرة بحیث بقینا فی انتظار الشخص الذی لا اعرف من یکون وما هی وظیفته ولست مهتما بذلک، وما اهتم به هو أن ینتهی هذا الحال "المایل".
الحقیقة أن الأمور لا تتوقف عند هذا الحال فالمواطن وبمجرد أن یدخل الى ساحة الانتظار یدفع رسوم دخول بمجرد عبوره المدخل الرئیسی لا اعرف لماذا ومن أجل ماذا، ولا أجد تبریرا مقنعا لها، ثم تصل بالسیارة الى باب القاعة فینقض علیک "العمال" من اجل إن یأخذوا الحقیبة التی قد لا تکون کبیرة وأنها یسهل حملها، وان لم تفعل وتسمح لعامل بأخذها فهذه مشکلة، لان هذا یعنی أن لا أحد یهتم بوضعها فی الشاحنة المخصصة للحقائب وان سمحت لأحدهم بحملها فان علیک إعطاؤه مبلغا یعجبه هو لا ما یعجبک أنت، وإلا أصبح مصیر الحقیبة فی أی مکان وقد تضطر للانتظار طویلا فی المکان المخصص لوصول الحقائب الذی یعرف کل من سافر الى الأردن أین یقع، والحقیقة أنه یلزمک واسطة من اجل التأکد من أن حقیبتک سوف یتم وضعها فی الشاحنة أمام عینیک وهذا یعنی أن تدفع "خاوة".
أما عن قاعة الانتظار فهی لا تبدو نظیفة کما یجب وإذا کانت المبالغ التی یتم دفعها عند بوابة الدخول تستعمل من اجل الخدمات فاعتقد بان النظافة یجب أن تکون على درجة عالیة خاصة وأننی وفی احدى المرات التی کنت متجها الى الأردن صادف وجود من استطعت أن أمیز بأنهم مفتشون على النظافة وقد قلت لأحدهم بان القاعة غایة فی الوساخة فقال لی اتفق معک إنها "مزبلة".
طبعا لا بد هنا من الإشارة الى الطریقة والمکان الذی یتم فیه وضع الحقائب المتجهة الى الأردن، حیث انه مکان عار یتم رمی الحقائب فیه بشکل عشوائی ویتسبب فی حالة من الإرباک والفوضى لا مثیل لها، هذا عدا عن تکسیر الحقائب واتساخ المکان، هذا إذا استثنینا عدم وصول الحقائب لان صاحبها لم یقم بدفع " خاوة" للعمال الذین لن یکترثوا بوضعها فی شاحنة الحقائب وهذا ما قد یضطرک الى الانتظار وقت طویل حتى تأتیک الحقیبة، کما أن حالة من الفوضى تعم المکان بسبب عدم وجود أی جهة تنظم صعود المسافرین الى الحافلات وهنا تلعب العضلات والقوة الجسدیة الدور الأهم ویبقى على النساء والشیوخ والأطفال أو الضعفاء ان ینتظروا حتى " یحن" علیهم ابن "حلال" ویقدم لهم المساعدة.
طبعا هنا لم أتعرض لإجراءات دولة الاحتلال التی فیها کل ما یمکن تصوره من اللا إنسانیة والمهانة والإذلال الذی صار حالة مستدیمة فی المعابر من حیث الانتظار الطویل أو مراجعة المخابرات الإسرائیلیة وإجراءات التفتیش المهینة التی تتم بشکل لا علاقة له بالأمن ولا بسواه، بل هو یدخل فی صلب المحاولات الإسرائیلیة الدؤوبة التی تستهدف کرامة الإنسان الفلسطینی وصموده ومحاولات الضغط علیه من اجل مغادرة الوطن، وهی إجراءات باتت على أی حال معروفة لکل من یضطر لخوض تجربة السفر عبر ما سمى معبر "الکرامة"، الشیء الأخیر الذی لا بد من أن یذکر هو أننی وفی المرة الأخیرة التی عدت من الأردن مشیت الى خارج المنطقة ولکن قبل أن اجتاز الساحة استوقفنی حارس على الباب الخارجی وقال لی إن علی أن ادفع خمسة شواقل رسوم خروج فقلت له لماذا وهل ما یتم دفعه عند الدخول لا یکفی، فقال لیعلیک إن تقرأ ما هو مکتوب على اللوحة الموجودة على البوابة، فقلت له لکن هذا ما لم أراه فی أی مکان فی العالم فقال اعرف لکن أنا موظف وأقوم بتنفیذ الإجراءات، حاولت أن أتمرد لکن أتى الشرطی الذی یقف على البوابة وقال لی لا بد من أن تدفع فقلت له لکن هذه "خاوة" فقال لی اتفق معک لکن هذه هی الإجراءات فقلت له أنا لست مقتنعا بهذا فرد بانه کذلک لیس مقتنعا وانه یشعر بان المواطن یتحمل الکثیر من النفقات غیر المعروفة وغیر المقنعة، فقلت له سوف اکتب عن کل ما یجری هنا قال لیتک تفعل لأننی اعلم بان هذا الذی یحدث لا یسر ولا اتفق معه فدفعت وانصرفت.
( للکاتب والصحفی الفلسطینی رشید شاهین )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS