دجل ومکر ونفاق غریب وعجیب

مواقف وتصریحات بعض القادة والرؤساء والزعماء, لیس لها سوى تفسیر وحید لا شقیقة  له ولا شقیق. 

وهو أنهم متفقین على  تأدیة کافة فروض الطاعة لقوى الاستعمار والصهیونیة والامبریالیة  العالمیة وإسرائیل, حتى وإن اختلفوا فیما بینهم على تفسیر سنن بعض أسیادهم, ظنا منه بأنه یساهم بذلک  فی تعظیم هذه الفروض والواجبات. ولکی یثبت الواحد منهم لأسیاده  المستعمرین, أنه بإضافته وتفسیره لبعض شرائعهم وسننهم خیر مجتهد  وعالم  وفقیه. لأنه یستنبط له ولغیره منها الکثیر من التفاسیر والإحکام  والفتاوى, لیسهل علیه وعلى غیره  أدائها بیسر وسلاسة. وهم على قناعة تامة بأن ما یسنوه من سنن لا تفسد  الود والصداقة والحب والمحبة فیما بینهم ,أو بینهم وبین إسرائیل. ولا یضر بتاتا بأی من مصالح  قوى الاستعمار والامبریالیة وإسرائیل, وهدفهم من هذه السنن أن یحققوا الفائدة المرجوة منهم. وحتى لو أضر بمصالح بلاده, فذاک أمر هین طالما هو لخدمة قوى الاستعمار والامبریالیة وإسرائیل.

أولا ـــ فالرئیس  سارکوزی مثلا:حین وجد إسرائیل لا تهضم المشروع النووی الإیرانی. سارع لیتحفنا بتصریح یقول فیه: الکل بات یدرک الیوم أن الصواریخ النوویة الإیرانیة بعیدة المدى یمکن أن تطال أوروبا فی اقل من نصف ساعة, وان امن أوروبا معرض للخطر. وربما تناسى أو لم یفطن سارکوزی لکذبة طونی بللیر قبل ستة اعوام ,حین راح یؤکد بأن معلومات بلاده الإستخباراتیة  التی لا تقبل الشک, تثبت أن صواریخ أسلحة الدمار الشامل العراقیة  یمکنها تدمیر بریطانیا  خلال 45 دقیقة, لیخدع ویضلل شعبه والعالم , ویبرر تحالفه مع جورج بوش فی غزو وأحتلال العراق. ویومها اعتبرت أنظمة ووسائط إعلام بعض دول الاعتدال العربی والإسلامی کلام بللیر کتاب منزل, وأنه احد حواری جورج بوش الذی أعتبر نفسه نبی جدید للعباد کافة. وراحت تروجها على أنها حقیقة, مع أنها کذبة فبرکها بللیر واقر بأنها کذبة. وربما صعب على الرئیس  سارکوزی بأن یسجل الرئیس جورج بوش عدة أهداف فی مرماه, عندما زار إسرائیل. حین عوى بتصاریح  قال فی واحد منها: أنه لمن دواعی فخری وسروری أن بلادی کانت أول دولة تعترف بإسرائیل.وأن بلادی ترى أمنها مساویا لأمن إسرائیل, وعندما تتعرض إسرائیل للخطر سینضم إلیها 307 ملیون أمریکی. وأن من حق إسرائیل الاحتلال والاستیطان  وعدم التعاون مع القتلة الذین تعهدوا بتدمیر إسرائیل. وأن من ینتقدون إسرائیل فهم معادون للسامیة. فسارع سارکوزی لیزور إسرائیل وأیضا مع زوجته کما فعل بوش. وراح یشوط بتصریحاته  لعله یسجل أهداف التعادل على الأقل فی شباک  الرئیس جورج بوش . فصرح قائلا :أمن إسرائیل لا جدال فیه بالنسبة إلى فرنسا.وکأنی بسارکوزی یقر بأن أمن فرنسا یحتمل الجدل الکثیر. نحن فی فرنسا لا نتحاور مع إرهابیین. وقصد سارکوزی حماس, و أراد بذلک أن یزاید على إدارة جورج بوش التی  تمیل للتحاور مع حماس. ونسی  إن إسرائیل تتفاوض مع حماس بوساطة مصریة. فرنسا لن تساوم أبدا على أمن إسرائیل. وهذا معروف منذ قرن مضى ولم یأت فیه سارکوزی بشیء جدید.

من حق الشعب الإسرائیلی کسائر الشعوب العیش بأمان فی حدود مضمونة ومعترف بها. وهنا تبدو مراوغة سارکوزی حین لم یضمن  تصریحه حق الشعب الفلسطینی کشعب من باقی الشعوب العیش بأمان فی بلاده.

من حق الشعب الفلسطینی أن تکون له دولة یمارس فیها سیادته,وأقول ذلک لأن هذا ما اعتقده. وهنا ألتزم الحذر لکی لا یزعج مضیفه. مبررا قوله على أنها اعتقاده, والاعتقاد دائما یمکن أن یکون صح أو خطأ.

لا یمکن إحلال السلام بدون وقف الاستیطان. وهنا أستظل سارکوزی بموقف رایس المندد بالاستیطان.

لا یمکن تحقیق السلام إن لم یقاوم الفلسطینیون بأنفسهم الإرهاب.  وهنا راح یجلد سلطة محمود عباس والفلسطینیین, ویبرر قیام أهلیة فلسطینیة تحت ذریعة ما یسمى بالحرب على الإرهاب. والمضحک أن من عینت  لمرافقته وزوجته فی زیارته هی  وزیرة الخارجیة تسیبی لیفنی. التی  شارکت فی أوائل الثمانینات من القرن الماضی باغتیال أحد قادة منظمة التحریر فی أثینا. وأدت خدمتها العسکریة فی جیش الدفاع برتبة ملازم أول.ثم عملت بعد انتهاء خدمتها فی الموساد فی باریس من عام 1980 حتى عام 1984م  حین کانت تدرس الحقوق.وهی أبنة الإرهابی إیتان الذی حکم علیه بالسجن 15عام لمهاجمته قاعدة عسکریة بریطانیة إبان الانتداب البریطانی لفلسطین. ولکنه فر من السجن . ووالدتها سارة التی کانت قائدة لإحدى خلایا منظمة الأرغون . وأنها روت بنفسها أنها شارکت بالسطو على قطار وسرقت 35000 جنیه إسترلینی. وهاجمت قطار آخر, وبعد أن سرقته وباقی عصابتها, أحرقته بمن فیه من البضائع والرکاب والمسافرین. 

لا یمکن تحقیق السلام بدون حل مشکلة اللاجئین الفلسطینیین. وهنا أنتهج سارکوزی المکر والنفاق ,حین اغفل عمدا حق العودة للفلسطینیین بهذا التصریح ,کی لا یغضب بنی جلدته من الصهاینة وحکام إسرائیل.

 لا یمکن تحقیق السلام بدون الاعتراف بالقدس عاصمة للدولتین. وهذا القول أراد منه سارکوزی دعم غالبیة الإسرائیلیین, الذین باتوا على قناعة بأن قرار الکنیست والحکومة باعتبار مدینة القدس الموحدة عاصمة لإسرائیل, قرار خاطئ ومتسرع وغیر صحیح, ولم یحظى بالموافقة حتى من أعز حلفاء وأصدقاء إسرائیل.

ستبقى فرنسا إلى جانب إسرائیل حین یکون أمنها ووجوها مهددین. وهذا معروف ولم  یأت فیه بجدید. وربما افتعلت حادثة إطلاق النار أثناء وداعه فی المطار,حتى یعود بسنن جدیدة تکون أکثر خدمة لمصالح إسرائیل. والمضحک والمحزن أن محمود عباس راح یشید بسارکوزی, وبظنه أنه سیملأ منه جراره بالحلیب!! وشیمون بیریز یعتبر سارکوزی صدیق حمیم وحلیف یمکن الاعتماد علیه. والشعب الفرنسی بات ینفض من حول نیکولا سارکوزی, وینظر إلیه على أنه حاخام صهیونی سطا على قصر الإلیزیه کرئیس فرنسی.

ثانیا ـــ بعض أنظمة الاعتدال العربیة والإسلامیة. والتی تعتبر أن الشیعة والسنة والمسیحیین هم على حق وصواب طالما هم یؤیدون ویتواطئون مع الإدارة الأمریکیة وإسرائیل, ویساندونهما فی العدوان على العروبة والإسلام. ولذلک حین تعاون العملاء والخونة من السنة والشیعة مع العدوان والاحتلال الأمریکی للعراق, فتحت لهم هذه الأنظمة صدرها وبلادها ومیزانیتها ووسائط إعلامها  على مصراعیها , وراحوا یبجلونهم ویتبارکون بهم وکأنهم أولیاء ومن الصالحین. أما من راح یقاوم المحتل ویرفض التعاون معه, فأنبروا لیعاملونهم کأعداء وإرهابیین ومن بقایا نظام صدام حسین,أو راحوا یتهمونهم على  أنهم من السنة والشیعة الذین خسروا امتیازاتهم بسقوط النظام. ولأن المقاومة اللبنانیة وحزب الله وحرکتی حماس والجهاد وبعض فصائل المقاومة الفلسطینیة  لا ینطبق علیهم هذا التوصیف, راحوا یتهمونهم بأنهم منضوون فی حلف شیعی  فارسی إیرانی ومن حلف ولایة الفقیه. وحین احتدم الصراع بین إیران من جهة وإدارة جورج بوش وإسرائیل من جهة أخرى, راحوا یتهمون إیران بأن لها أطماع فی العراق ودول الخلیج. وتنشر التشیع , وتشیع السنة فی کل مکان. ولأن سوریا بقیت ملتزمة بموقف الصمود والتصدی لقوى الهیمنة والاغتصاب والاحتلال والعدوان والاستعمار, وتصر على رفض الاستسلام. راحوا یناصبونها العداء, ویتهمونها بأنها هی من تقوم بإلاغتیالات فی لبنان, وأنها تسعى للسیطرة على لبنان, وأنها منضویة فی حلف إیرانی فارسی, وأنها لا ترید الاستقرار للبنان والعراق, وأنها ترسل الإرهابیین إلى العراق , وتمرر الذخیرة والسلاح لحزب الله فی لبنان.

ثالثا ـــ بعض المرجعیات الدینیة وبعض رجال الدین الإسلامی والمسیحی. وهؤلاء باتت مواقفهم فیها العجب العجاب.حین راحوا یطوعون الدیانتین المسیحیة والإسلامیة وفق مشیئة وإرادة  الإدارة الأمریکیة وإسرائیل, وبعض الأنظمة العربیة والإسلامیة ومصالح آل الحریری. فهم لم یکترثوا بما حل بالعراق من دمار , ولم ینبسوا بحرف عن اضطهاد العرب والمسلمین فی السجون الأمریکیة والإسرائیلیة. ولم یرف لهم جفن لحصار قطاع غزة, أو مما یعانیه الفلسطینیون والعراقیین على ید قوات الغزو والعدوان والاغتصاب والاحتلال. ولم یکترثوا بعدوان إسرائیل على لبنان صیف 2006م وما نجم عنه من دمار وخراب بسبب أعمالها الإجرامیة والإرهابیة. ولم یؤرقهم ما یعانیه العباد من فقر نتیجة الغلاء والتصرفات المشینة لإدارة بوش وبعض دول النفط بزیادة کمیات ضخ النفط , وتواطؤهم مع الإدارة الأمریکیة لرفع  سعر النفط لتعویض خسائرها فی حروبها فی کل من العراق وأفغانستان. فهم دوما غائبون عن کل ما یسیء للإنسان العربی وحقوقه ولکل ما یعانیه من صعوبات ومشقات فی تأمین لقمة العیش .وبات کل ما یؤرقهم إنما هو سلاح حزب الله, وتحرک حزب الله لإجهاض الفتنة فی التاسع من آبار عام 2008م. وراحوا یربطون عز الإسلام والمسیحیة بانتصار قوى الأکثریة وببقاء فؤاد السنیورة رئیسا للوزراء,وبدوام عز آل الحریری والشیخ سعد ونسیب لحود. وأن أعداء الإسلام والمسیحیة لیسوا هم المنافقین والصهاینة والکذابین والمجرمین والزناة والطغاة واللصوص والقتلة والمجرمین والنخاسین وعبدة الطواغیت والمال السیاسی والأصنام , وطابور الخونة والعملاء, وإنما هم سوریا وإیران وبقایا نظام صدام حسین. وفصائل المقاومة فی العراق وفلسطین ولبنان, وحزب الله وحماس والجهاد, وحسن نصر الله وخالد مشعل وإسماعیل هنیة ونبیه بری والعماد میشال عون وعمر کرامی وسلیم الحص  ووئام وهاب وطلال أرسلان وفتحی یکن, وکل عالم وشیخ وفقیه یسعى لوأد الفتنة, ولا یقر بأعمال التحریض الطائفی والمذهبی, أو یسعى لوأد الفتنة, أو یفتی ویجتهد بما یتعارض والمصالح الاستعماریة والإسرائیلیة, أو لا یقر بما تنتهجه بعض الدول النفطیة وأمرائها فی هدر أموال النفط على دور الدعارة والرذیلة والخمر والقمار, ووضعها فی خدمة إدارة جورج بوش. أو لا یلتزم بالمرجعیات الدینیة وبعض رجال الدین الذین یأتمرون بأوامر مخابرات  بعض الدول النفطیة.

ثالثا ـــ بعض الشخصیات من الرجال والنساء: فالممثلة بریجیت  باردوا طالبت نیکولا سارکوزی حین کان وزیرا للداخلیة بضرورة تخدیر الحیوانات التی تذبح بمناسبة عید الأضحى المبارک. وقالت فی رسالتها لسارکوزی : لقد سئمت من الخضوع لنزوات هذه المجموعة ( المسلمین) التی تدمرنا وتدمر بلادنا من خلال فرض إرادتها علینا. ثم السیدة  بیار کیار زجارد زعیمة حزب الشعب الدانمرکی , التی کانت تعمل خادمة , وباتت أبرز سیاسیة یمینیة متطرفة . والتی استطاعت فرض إجراءات متشددة ضد الأجانب  فقط من العرب والأفارقة والأسیویین, والتی کان من نتیجتها تراجع عدد الوافدین إلى الدانمرک. والسیدة لویز فیرمزیت مرشحة حزب الشعب لمنصب عمدة کوبنهاغن. وهی بائعة هوى, وظهرت فی أفلام دعارة. وتصف المسلمین بالقتلة والمعتدین. والسید غریت وایلدرز زعیم حزب الحریة الیمینی الهولندی المناهض للمسلمین , والذی یشبه القرآن الکریم بکتاب هتلر کفاحی. ویسعى لمنع المسلمین من الهجرة إلى هولندا. ویتوعد المسلمین فی هولندا على مدار الساعة. ویخاطبهم قائلا: بأن على المسلمون  إذا کانوا راغبین فی البقاء فی هولندا, فعلیهم أن یمزقوا نصف صفحات القرآن. ولیتصور المرء کم هو برکان کراهیة وحقد.

والسؤال الملح هو: متى تخجل وتستحی بعض المرجعیات الدینیة والسیاسیة وهی ترى تطابق مواقفها مع مواقف أعداء الإنسانیة والعرب والمسلمین؟ ومتى تنتهی عن غیها وتصرفاتها التی تتعارض وأحکام کل دین سماوی؟ ومتى ستعود إلى رشدها وتعمل بما أمر الله سبحانه وتعالى,  وتقر بعبودیتها لله وحده, دون أن تشرک بعبودیتها لله من أحد مهما علا مقامه وأکتنز وثقل بماله, ویثقل رأسه  بقوى بلاده العسکریة ویسخرها للعدوان والغزو والاحتلال وممارسة الجریمة والارهاب؟ و ألیس المفروض علیها ن لا تخاف فی الله لومة, وأن لا تجبن وتضعف أمام سطوة جورج بوش,لأن الله هو أحق من تخافه وتخشاه؟ وإلى متى  سیستمر بعض الرؤساء وبعض المرجعیات الدینیة والسیاسیة  فی ممارساتهم النفاق والازدواجیة فی التعامل مع قضایا الإنسانیة والشعوب, ویرضون لأنفسهم أن یکونوا شهود زور, وخدم  لمالکی المال السیاسی والنفطی؟ ومتى تنتهی بعض الشخصیات عما تقوم به من دور بغیض وشریر؟

( بقلم العمید السوری المتقاعد برهان إبراهیم کریم )

ن/25