التهدئة تعمیق لحالة الانقسام الفلسطینی
التهدئة تعمیق لحالة الانقسام الفلسطینی
الادعاء بان الحالة الفلسطینیة بعد الاتفاق بین حماس وإسرائیل عبر الوساطة المصریة على موضوع التهدئة أصبحت أفضل مما کانت علیه قبلها ادعاء قد لا یکون دقیقا، بل هو ابعد عن الواقع وفیه الکثیر من المبالغة، ویمکن القول عنه أکثر من ذلک فیما لو أردنا أن نذهب بعیدا فی التفکیر بصوت عال، لکن وحیث أن هنالک من الکلام الجمیل والمجامل یتم على کافة المستویات ضمن الفصائل الفلسطینیة المختلفة فإننا لن نحاول القفز على هذا "الإجماع" کما تتم تسمیته برغم أننا نعتقد أن هذا الإجماع لیس حقیقیا وبتقدیرنا أن فیه الکثیر من المجاملة أکثر مما فیه من القناعة.
یمکن لمن یشاء ممن یدافع عن التهدئة ویقول أنها تعمل على تحسین الأوضاع أو أنها قد تکون البدایة فی اتجاه المصالحة الفلسطینیة الفلسطینیة أن یدعی ما یشاء وان یدافع عن موقفه کما یرید، لکن علیه أیضا أن یستمع إلى الفضائیات وهذا التذمر الکبیر الذی یبدیه من هم ضد التهدئة أو یرفضونها، کما أن علیه أن یعود إلى ما تتم کتابته فی الصحف والمواقع الالکترونیة المختلفة، هذا عدا التصریحات الکثیرة لممثلی الفصائل التی أعلنت أن لها تحفظات على التهدئة، هذه التصریحات التی تحمل فی ثنایاها الکثیر من عدم الرضا عن شروط التهدئة.
قد لا یقول ممثلوا الفصائل ذلک – عدم رضاهم ورفضهم للتهدئة- بشکل مباشر إلا أن من یقول فی کل مناسبة أن شیئا على الوضع فی قطاع غزة لم یتغیر وانه لا بد من فتح معبر رفح إذا کان للتهدئة أن تستمر وانه لا بد من إعادة النظر فی اتفاق التهدئة وان من الخطأ أن لا تشمل الضفة الغربیة وان الممارسات الإسرائیلیة وما تقوم به قوات الاحتلال من اعتداءات یومیة فیها إنما یعنی أن إسرائیل تستفرد بالضفة.
أن یکون هناک إجماع على مسالة ما بین الفصائل الفلسطینیة فهذا شیء یسعد الکل الفلسطینی لکن هذا الإجماع لا بد أن یکون صادر عن قناعات حقیقیة لا مجال فیها للشک أو التشکیک، وقد کنا دعونا فی أکثر من مناسبة أن من المرغوب والمطلوب أن تجتمع الفصائل لتدارس التجربة الفلسطینیة بشکل عام وان تخرج بقرارات أو على الأقل بتصورات ومن ثم تترجم ذلک وبهدوء وعلى "مهلها" وبدون استعجال إلى آلیات یتم العمل بها من اجل التقدم أماما بالمسالة الفلسطینیة،
من الملاحظ وبوضوح وبعیدا عن المجاملات وتزویق الکلام انه وبعد ثلاثة أسابیع على بدء التنفیذ لاتفاق التهدئة، فان شیئا على الواقع الفلسطینی فی قطاع غزة لم یتغیر، فالمعابر لا زالت رهینة القرار الإسرائیلی ومعبر رفح الذی کان من المفروض أن یتم الحدیث حوله بعد عشرة أیام من بدء التهدئة بحسب الاتفاق لم یتم أی شیء بخصوصه، کما أن الدولة المصریة التی کانت "عراب" التهدئة لا یبدو أنها تستطیع أی شیء من اجل تغییر المواقف الإسرائیلیة هذا إذا کانت ثمة جهود تبذل من قبلها أصلا فی هذا السیاق، کما أن الوضع فی الضفة الغربیة بقی على حاله، لا بل هو یزداد سوءا وتزداد شراسة الحملة الإسرائیلیة على مدنها وقراها وعلى جمعیات حرکة حماس التی هللت ولا زالت للتهدئة وتبنتها بشکل کبیر واعتبرتها أحد الانجازات " التاریخیة ربما للحرکة"، ومن الواضح أن ما یتم من سجالات بین ممثلی مختلف الفصائل عبر الفضائیات ووسائل الإعلام المختلفة لا یمکن أن یبشر بالخیر، فهناک اتهامات واتهامات متبادلة بین الأطراف المختلفة فی موضوع التهدئة وصلت فی بعض الأحیان إلى حد التخوین وغیر ذلک.
عندما نقول أن التهدئة تعمق الانقسام لیس رغبة منا فی رؤیة هذا الانقسام یزداد عمقا، لکن لیس بالضرورة أن تکون هناک حروب ومعارک بین أبناء الشعب الواحد من اجل أن نقول ها هم الناس منقسمون على أنفسهم، إلا أن عدم الرضی قد یتراکم والخلافات قد تتعمق فتاتی بنتیجة لا نعتقد بان أحدا یتمناها کما حدث العام الماضی عندما وقع الانقسام بین حرکتی حماس وفتح هذا الانقسام الذی قسم الأرض والشعب واضعف القضیة بشکل کبیر لم یحدث أبدا من قبل.
الاتهامات والاتهامات المتبادلة التی وصلت حد التخوین وغیرها تعود بشکل أساسی إلى حالة التنافس والتنازع الموجودة فی الساحة الفلسطینیة وبالتحدید بین حرکتی فتح وحماس بالإضافة إلى الاختلاف فی وجهات النظر بین حرکة حماس بشکل خاص ومختلف الفصائل الأخرى مثل حرکة الجهاد الإسلامی والجبهتین الشعبیة والدیمقراطیة وباقی الفصائل التی أبدت تحفظاتها حول التهدئة تلک التحفظات التی باتت معروفة للجمیع والتی یبدو أنها لم تبتعد عن الواقع بحسب ما نرى حیث کانت هذه الفصائل قد حذرت من الشروط التی تتضمنها التهدئة وخاصة فیما یتعلق بعدم شمولها لضفة الغربیة المحتلة وعدم الفتح الفوری لمعبر رفح.
إسرائیل التی تلعب بشکل واضح على حالة الانقسام مارست سیاستها فیما یتعلق – بالفصل- بین المسارات والمناطق والناس بشکل ذکی على مدى سنوات طویلة، فهی مارسته فی مدرید عندما لم توافق على التفاوض مع الدول العربیة مرة واحدة ونجحت بإضعاف المواقف العربیة وخرجت باتفاق للسلام مع الأردن، وهی الآن تتفاوض مع سوریة بمعزل عن الفلسطینیین وتحاول أن تفاوض اللبنانیین بمعزل عن الفریقین، وهی تمارس ذلک الآن من خلال التعامل مع قطاع غزة بشکل مختلف عن الضفة الغربیة، وهی تفعل الشیء ذاته من خلال التحاور مع السلطة الفلسطینیة فی رام الله بینما ترفض ذلک مع حرکة حماس التی استثمرت ذلک بالقول بأن التفاوض الذی تقوم به السلطة فی رام الله لا یمکن أن تمارسه حماس علما بان حماس تفاوضت مع إسرائیل بشکل غیر مباشر من خلال مصر ولا زالت، والمثل العربی معروف " أول الرقص حنجلة"، ونحن نعتقد بأنه لا یوجد هنالک فرق شاسع بین هذا وذاک، وتحاول إسرائیل کذلک الإیحاء للفلسطینیین فی قطاع غزة بأن الأوضاع فی الضفة الغربیة أفضل منها فی القطاع لأسباب بات الجمیع یعلمها.
إسرائیل تمارس سیاسیتها " التقسیمیة" إن جاز التعبیر ومع الأسف هناک من ینجر من الفصائل أو القادة لذلک ویروج له بحیث أصبح "العرب عربین" وفی الحالة الفلسطینیة أصبح العرب " ستة عربان " فی الضفة وغزة والأردن وسوریا ولبنان وبقیة دول الشتات وانقسم الوطن لیصبح للفلسطینیین وعلى ما یردد الإعلام الإسرائیلی لیس دولة واحدة لا بل دولة فی الضفة وأخرى فی القطاع.
التهدئة فی واقع الأمر هی لیست کما قیل عنها من أنها استراحة المحارب بالنسبة لفلسطینی وإنما هی استراحة للإسرائیلی الذی یمعن فی بناء المستوطنات ویبنی الجدار ویشن حملات الاعتقال والدهم والاغتیالات فی الضفة الغربیة کما أنها خلصت إسرائیل من عبئ إعلامی فیما یتعلق بموضوع الحصار على قطاع غزة بحیث صار الإغلاق عملیا " مشرعن ومبرر" بحجة أو بدون، وخاصة ما تقوله إسرائیل عن المقذوفات بیتیة الصنع التی یتم إطلاقها بین حین وآخر، وهی تبدو أمام العالم وکأنها تمارس حقها فی "الدفاع" عن نفسها، ویبدو الطرف الفلسطینی مدانا وهو سبب کل ما یجری من "إرهاب" وعدوان.
یمکن أن نتفهم موقف الداعین إلى التهدئة خاصة فی حماس الذین وکما یرى الکثیر من الساسة والمحللین لم یعد أمامهم الکثیر من الخیارات فی ظل تدهور الأوضاع الإنسانیة بعد سنة کاملة من تفردهم فی حکم القطاع، وبالتالی صار لا بد من إیجاد مخرج لهذا الوضع البائس الذی نجم عن الحصار الذی تفرضه إسرائیل بشکل صارم على أبناء الشعب الفلسطینی هناک، کما أنهم اعتقدوا بان أی حوار مع إسرائیل بغض النظر عمن هو الوسیط إنما هو انتصار لهم على افتراض أن هذا اعتراف غیر مباشر بالحرکة قد یجر الى اعترافات ولو غیر مباشرة أخرى بهم، لکن هل هذا یکفی لإبرام التهدئة بشکلها الذی تمت به؟ وهل هذا الاتفاق سوف یعزز الموقف الفلسطینی أم سیعمل على إضعافه خاصة وان حرکة حماس لم تتوقف یوما عن الترویج والتنظیر لموضوعة المقاومة، وهی وکما تشیر کل أدبیاتها -وخاصة بعد أن شارکت فی الانتخابات التشریعیة- من انه تم انتخابها بناء على برنامجها المقاوم ولیس الاستسلامی؟! ترى هل تغیرت المفاهیم بالنسبة لحماس أم أن التجربة فی کرسی الحکم "شذب أو صقل" وربما " عقلن" تجربتها کما یرى البعض؟ أم ترى صار لدیها اعتقادا بان قطاع غزة هو اقرب الى الحریة منه الى الاحتلال؟!، أسئلة بحاجة الى إجابات ولیست أیة إجابات.
أن یقال بان من یطلق " المقذوفات" البیتیة الصنع خرج عن الإجماع الوطنی فهذا اتهام خطیر وهو یعنی بحسب ما نفهمه " الخیانة والعمل ضد الإجماع الوطنی" فهل یجوز أن تظل هذه التهمة مسلطة على رقاب الناس مجرد أن نختلف معهم، أو لم یکن هؤلاء هم أنفسهم مناضلین قبل بدء التهدئة؟، أو لیس هذا یسهم فی تعمیق الانقسام فی الساحة الفلسطینیة؟،وهل ستبقى الساحة الفلسطینیة رهینة توزیع الاتهامات والشهادات بالوطنیة وعدمها هکذا الى الأبد؟.
نعتقد بأنه لا بد من وقفة ضروریة لمناقشة التهدئة مرة أخرى وثالثة ورابعة من اجل دراسة الایجابیات والسلبیات ومدى تعزیزها للوحدة الوطنیة أو تعزیزها الانقسام فی الساحة، حیث إن " الناس" لیس بحاجة إلى المزید من الإحباط ولا المزایدات ولا کیل الاتهامات والاتهامات المضادة، کما أنها " الناس" تتساءل إلى متى تبقى الساحة حبیسة هذا الاختلاف بین الحرکتین حماس وفتح؟ وما إذا کان الوطن تحول إلى " ملکیة خاصة" للتنظیمین؟ نعتقد بان على الراشدین فی الحرکتین أن یعوا هذه التساؤلات وان یتوقفوا أمامها طویلا قبل أن تنحدر الساحة الى هاویة أخرى لا یعرف أحد إلى أین ستقود هذه المرة خاصة فی ظل اتصالات أو مفاوضات غیر مباشرة بین حماس وإسرائیل واتصالات مباشرة بین السلطة وإسرائیل فهل الخلافات والتناقضات بین حماس وفتح هی أعمق مما هی بین کل منهما وبین إسرائیل؟!
( للکاتب والصحفی الفلسطینی من بیت لحم رشید شاهین )
ن/25