لیس غریبا أن توافق دولة عربیة على ضربة إسرائیلیة لإیران

لیس غریبا أن توافق دولة عربیة على ضربة إسرائیلیة لإیران

نشرت صحیفة القدس العربی نقلا عن صحیفة هآرتس الإسرائیلیة ما مفاده أن مسؤولین من دولة عربیة لم تسمها لا یعارضون توجیه ضربة إسرائیلیة للمنشآت النوویة الإیرانیة، هذا الخبر یأتی بعد یومین مما قاله الوزیر الإسرائیلی ایهود باراک من أن دولة إسرائیل هی الدولة الأقوى فی المنطقة مهددا بضرب إیران ومن أن إسرائیل لا تخشى توجیه مثل هذه الضربة إلى إیران.

لا نعتقد بأن موافقة دولة عربیة واحدة أو حتى مجموعة من الدول العربیة على توجیه ضربة إلى إیران أو إلى أی دولة من دول المنطقة أو فی العالم أصبح شیئا مستهجنا ویمکننا القول أن هذا الأمر لم یعد مستغربا – على الأقل بالنسبة لنا- فلقد وافقت هذه الدولة وغیرها من الدول العربیة فی العام 2003 على أن تقوم أمیرکا بضرب العراق وتدمیره وارتکاب المجازر بحق شعبه وتراثه وتاریخه وکیانه السیاسی وحتى إلغائه کدولة وطبعا احتلاله وتحویله إلى واحدة من المحمیات العربیة التی تسبٌح بحمد السید الأمیرکی وفضله، وهی "دول العربان" کانت قبل ذلک شارکت فی قتل ما یزید على الملیون من أبناء العراق حینما ساهمت بشکل أساسی وبدون أدنى تردد وبطریقة تبعث على الاستهجان والریبة والغثیان فی فرض حصار ظالم خانق یعتبر من أکثر وأشد أنواع الحصار فتکا وجورا ولا إنسانیة على هذا البلد بعد أن دمرت أمیرکا ما دمرته فیه خلال الحرب علیه عام 1991 بحجة "تحریر" الکویت.

کذلک لا نعتقد بان موافقة تلک الدولة أو الدول  العربیة على ضرب إیران فیه شیئا من المفاجأة، خاصة وأننا شاهدنا کیف کانت مواقف الدول العربیة خلال الحرب التی قامت بها دولة الاحتلال الإسرائیلی على لبنان "الشقیق" فیما أصبح یعرف بحرب تموز، لقد کانت مواقف الدول العربیة تبعث على "التقزز" والخجل خاصة عندما کان کل شیء فی هذا البلد -بما فی ذلک الأطفال والشیوخ والنساء- یتعرض "للذبح" على ید قوات الدولة العبریة بأسلحة أمیرکیة بشکل خاص بینما تهلل بعض الدول العربیة لذلک وتتمنى أن تصبح فی الیوم التالی فتجد المقاومة وقد انتهت أو تکبدت هزیمة نکراء.

الدولة العربیة التی لا تعارض ضرب إیران لم تعد تملک زمام قرارها فهی مثل "شقیقاتها" الدول العربیة استسلمت و سلمت قدرها ومقدرات بلادها وشعوبها منذ وقت طویل للسید الأمیرکی، وصارت جزءا من سیاسته الخارجیة، هذه الدول لم تعد تتمتع بالقدرة على الخروج عن التبعیة والانسیاق لسیدها وراعی نعمتها، وهی تنظر إلیه على انه هو الذی یثبت أرکان نظمها ویحافظ على بقائها واستمراریتها، وهی بالتالی تجد فی هذا الکیان الإسرائیلی أداة أخرى فی فعل الحمایة هذا، وهی لن تتردد بالاستنجاد به إذا ما دعت الحاجة وستجد دولة الکیان مستجیبة بکل ترحاب لفعل ذلک.

أن یتم تصویر الخطر الإیرانی فی المنطقة على انه اکبر من الخطر الإسرائیلی أو حتى یساویه فی الکثیر من وسائل الإعلام العربی التی تم تأسیسها من اجل الترویج للمشاریع الاستسلامیة والخنوع للأجنبی وبتوجیه من دوائر التآمر الغربیة والإسرائیلیة، وکذلک أن یتم التلمیح أو التصریح من جانب الکثیر من مسؤولی "دول العربان" عن هذا الخطر الإیرانی فإننا نرى فی ذلک الکثیر من الزور والدجل والنفاق، فإیران طالما قالت بأن برنامجها لیس سوى للاستعمال السلمی وان لیس لها طموحات أو نوایا بان تحول هذا البرنامج إلى برنامج عسکری، وهذا ما أشار إلیه محمد البرادعی وما أکده فی أکثر من مناسبة، ولا نعتقد بان من حق أمیرکا القول بان هذا البرنامج یشکل خطرا سواء علیها أو على دول الجوار التی تقوم الولایات المتحدة الأمیرکیة عملیا باستعمارها من خلال کل القواعد العسکریة الأمیرکیة المتواجدة فیها وکذلک من خلال السیطرة على قرار تلک الدول السیاسی والسیادی وکذا على قراراتها الاقتصادیة.

القضیة لیست قضیة الخطر الإیرانی المزعوم بقدر ما هی رغبة السیطرة والاستحواذ والتبعیة التی تریدها أمیرکا وحلیفتها الدولة الخارجة على القانون، القضیة لیست إیران ولیست أی من الدول الأخرى التی ترغب فی الحصول على التکنولوجیا النوویة، القضیة أن هنالک سیاسة أمیرکیة وغربیة وإسرائیلیة عامة تمنع على العربان وعلى المسلمین أن یتمکنوا من ناصیة العلم والتکنولوجیا، وبمجرد أن تحاول أی من هذه الدول أن تفکر بالحصول على ذلک فان العالم یقف على رأسه بدلا من الوقوف على قدمیه، وتتحول القضیة إلى خطر یهدد العالم، ولا احد یفکر أو یسال عن عدد الرؤوس والقنابل النوویة التی تمتلکها إسرائیل التی تم تأسیسها من اجل ترکیع المنطقة العربیة بشکل خاص وإبقائها تابعة ذلیلة لا تمتلک قراراها ولا إرادتها والتی کان کارتر آخر من قال أنها تفوق أل 150 رأسا.

محاولات الترویج عن الخطر الإیرانی النووی التی ما انفکت إسرائیل وأمیرکا ومن تحالف معهما عن تردیدها وکذلک الهجمة الشیعیة التی تحاول أمیرکا وبعض العربان التخویف منها لن تنطلی على الشعوب العربیة المغلوب على أمرها، هذه الشعوب التی وقفت قلبا وقالبا مع حزب الله فی حربه ومقاومته للحرب الهمجیة الأخیرة على لبنان وکانت وکأنها تقول لحکام بلدانها "نحن لا نصدقکم"، "نحن مع المقاومة اللبنانیة، "نحن ضد تزویرکم وکذبکم وتلفیق إعلامکم وتزویره".

إننا نعتقد بان الزیارات التی سیقوم بها مسؤولین إسرائیلیین هذا الشهر وتلک الزیارات التی یقوم بها العدید من المسؤولین الأمیرکیین لإسرائیل وکذلک ما قامت به إسرائیل من مناورات وما قیل عن وجود طیران إسرائیلی حربی فی العراق کما والطائرة التی تم کشف الستار عنها بالأمس وکذلک التهدیدات التی تقوم بها إسرائیل بضرب إیران ما هی إلا تهیئة لضربة عسکریة یتورط فیها أکثر من طرف عربی وإقلیمی وهی بتقدیرنا سوف تقود المنطقة إلى مجاهل لا احد یدری إلى أین ستقود إذا ما تحققت وهی إذا ما تحققت ستضع المنطقة برمتها على کف عفریت لا بل قد تقود إلى تغییرات سیاسیة وتقسیمات لدول فی المنطقة ویکون الثمن الذی سوف تدفعه بلدان التآمر جزء من تلک النتائج المدمرة.

السؤال أو الأسئلة التی لا بد منها هنا، هل هذا ما تریده تلک الدولة أو الدول العربیة؟ وهل المنطقة بحاجة إلى مزید من الاضطراب والتوتر والحروب ومن الذی سیستفید من ذلک؟ والسؤال کذلک، هل لو کانت إیران هی نفسها إیران الحلیف الاستراتیجی والمحکومة من قبل الشاه المخلوع هی التی تقوم بتطویر قدراتها النوویة، هل کانت أمیرکا ستتخذ الأسلوب والنهج ذاته الذی تحاول اتخاذه الآن؟، وهل کانت "دول العربان" سوف تحتج وتروج وتحاول التخویف والترویع کما هو حاصل الآن أمْ کانت ستقف موقفا مختلفا یتساوق ویتماها مع موقف سیدها فی البیت الأبیض؟  

أخیرا نقول بأن على العربان أن یفیقوا من غفلتهم، خاصة وان التجربة العراقیة لیست بعیدة ولم تعد تاریخا یحکى بقدر ما هی واقعا معاشا، هذه التجربة التی لا زالت ماثلة أمامنا والتی استطاعت أمیرکا من خلال حبل الکذب الذی مارسته على مدى أعوام ومن خلال کل ما زینته للعالم عن خطر عراقی مزعوم أن تصل بالعراق إلى النتیجة کما نعیشها.

( بقلم الکاتب والصحفی الفلسطینی رشید شاهین من بیت لحم )

ن/25