على مائدة سارکوزی .. العرب فی قمة الاتحاد من أجل إسرائیل

على مائدة سارکوزی .. العرب فی قمة الاتحاد من أجل إسرائیل

قمة الاتحاد من أجل المتوسط بباریس فی 13 یولیو 2008 ، هى أشبه بفخ جدید نصب للعرب وللأسف وقعوا فیه بکل سهولة ، فالهدف الحقیقی لتلک القمة لیس تعزیز التعاون بین الدول المشاطئة للمتوسط شمالا وجنوبا کما یدعی صاحب الفکرة ، الرئیس الفرنسی نیکولا سارکوزی ، وإنما توفیر مظلة دولیة جدیدة تضمن تغلغل أوروبا وإسرائیل فی المنطقة العربیة، ولعل هذا ما حذر منه الزعیم اللیبی معمر القذافی ، بل ودفعه أیضا لمقاطعة القمة.

وکان القذافی قد أعلن فی 9 یولیو أن الاتحاد من أجل المتوسط سیصبح بوابة للتطبیع المجانی مع إسرائیل ، مؤکدا رفض لیبیا الانضمام له بسبب اصرار فرنسا على مشارکة إسرائیل ، ولم یمض سوى یومین على ما أعلنه الزعیم اللیبی إلا وخرجت من داخل إسرائیل ذاتها تصریحات تؤکد صحة ما ذهب إلیه ، حیث أعرب الناطق باسم الحکومة الاسرائیلیة مارک ریغیف فی 11 یولیو عن أمله فی أن تشکل القمة ،التی ستعلن رسمیا انطلاق الاتحاد من أجل المتوسط ، فرصة للقاءات مباشرة بین أولمرت وقادة عرب ، قائلا :" لقد اعتبرت إسرائیل على الدوام أنه فی مصلحة کل شعوب المتوسط تعزیز تعاونها ولذلک نحن نرحب بالمشارکة فی الاتحاد من أجل المتوسط".

وبالنسبة لأهمیة الاتحاد لإسرائیل ، أوضح ریغیف أنها المرة الأولى التی یجتمع فیها قادة عرب على أعلى مستوى مع إسرائیل على طاولة واحدة ، قائلا :" الاتحاد خطوة على طریق تطبیع علاقات إسرائیل مع الدول العربیة حیث یمکن عقد لقاءات مباشرة بین قادة عرب ومسئولین إسرائیلیین ".

وللأسف ، فإن الظروف مهیأة تماما لتحقیق هدف إسرائیل ، فسوریا ترید الخروج من العزلة الدولیة المفروضة علیها ولذا فإنها لم ترفض هذه المرة الجلوس فی اجتماع یضم إسرائیل کما کانت تفعل فی السابق ، هذا بجانب التحذیرات المتزایدة من ضربة عسکریة وشیکة لإیران.

ورغم أن البعض قد یجادل بأن الرئیس السوری بشار الأسد رفض ضغوط سارکوزی لعقد اجتماع مباشر مع رئیس الوزراء الإسرائیلی إیهود أولمرت ، إلا أنه فی حقیقة الأمر فإن الاثنین سیجلسان على نفس الطاولة التی سیتم منها إعلان الاتحاد ، وهو الأمر الذی لن تفوته إسرائیل لتأکید تحقیق اختراق فی الموقف السوری وإقناع دول عربیة أخرى بالتطبیع، خاصة وأنها بدأت بالفعل مفاوضات غیر مباشرة مع دمشق منذ فترة بوساطة ترکیة ، ولذا یبدو أننا لن نفاجیء کثیرا إذا ما سمعنا بعد انتهاء الاحتفال بتدشین الاتحاد عن نجاح إسرائیل فی التطبیع مع دول عربیة أخرى بخلاف مصر والأردن وقطر . 

وبجانب الخطر الداهم السابق ، هناک آثار سلبیة أخرى تنتظر العالم العربی ، فاصرار سارکوزی على هذا الاتحاد وتراجعه عن القطیعة مع سوریا وما یعنیه هذا من تناسی أمر المحکمة الدولیة الخاصة بقضیة الحریری ، لم یکن لیتم دون غایات أکثر أهمیة ستعود على مقترح الفکرة ولعل هذا ما دفع ألمانیا لمعارضتها بقوة .

فسارکوزی یهدف إلى استعادة أمجاد فرنسا الاستعماریة فی منطقة جنوب المتوسط حتى وإن کان ذلک على حساب میزانیة الاتحاد الأوروبی ‏، وهذا ما أدرکته ألمانیا ولذا صرحت المستشارة إنجیلا میرکل علانیة رفضها تمویل مشاریع هدفها الأساسی دعم مصالح فرنسا فی المنطقة ، کما أعربت عن قلقها من أن یؤدی المشروع السارکوزی إلی إضعاف مشروع الشراکة الأوروبیة المتوسطیة المعروف باسم "عملیة برشلونة" ، ولذا أصرت على أن تنضم جمیع دول الاتحاد الأوروبی إلی مشروع سارکوزی الجدید وأن یکون هدفه هو إحیاء عملیة برشلونة ، بالإضافة إلى تمسکها بأن یتم مناقشة کل عملیات التمویل من خلال المجلس الأوروبی وباقتراح من اللجنة الأوروبیة‏.‏

وبعد افتضاح أمر المشروع ، تراجع سارکوزی عن اسم " الاتحاد المتوسطی "  الذی أطلقه على فکرته فی البدایة وکان یقتصر فقط على الدول شمال وجنوب المتوسط ، لیصبح بعد ذلک الاتحاد من أجل المتوسط ، وهو ما یضمن هیمنة مشترکة لفرنسا والاتحاد الأوروبی وإسرائیل . 

فالتسمیة الجدیدة تعنی إقامة تجمع بین الاتحاد الأوروبی الذی یضم 27 دولة والدول جنوب المتوسط وبالتالی إقامة اتحاد من 41 دولة بین أوروبا قویة کبیرة وموسعة وغنیة وجنوب ضعیف اقتصادیا وفقیر وأقل عددا‏,‏ خاصة بعد أن انسحبت لیبیا ، وبالتالی تحولت الفکرة من الهدف المعلن ألا وهو علاقات متساویة بین ضفتی المتوسط إلی هیمنة أوروبیة وبالتالی تحول الجنوب شیئا فشیئا إلی مناطق نفوذ مرة أخری للدول الأوروبیة وعلى رأسها فرنسا ، خاصة وأن ‏جنوب المتوسط مازال یعانی من الانقسامات والصراعات السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة بین بلدانه ، فهناک الصراع بین المغرب والجزائر حول الصحراء الغربیة والصراع بین إسرائیل من جهة وسوریا ولبنان والفلسطینیین من جهة أخرى .‏

صحیفة الأهرام عبرت عن الأهداف الخبیثة السابقة ، قائلة :" سارکوزی أعلن رغبته فی إقامة اتحاد بین دول حوض البحر المتوسط یکون هدفه‏:‏ جعل المتوسط‏ البحر الأکثر نظافة فی العالم‏ من وجهة النظر البیئیة وجعل المنطقة هی الأعلی فی التنمیة مع احتمال إنشاء بنک متوسطی للتنمیة وجعل البحر الأکثر أمنا فی العالم مع تطویر العمل من أجل محاربة الإرهاب وتجارة المخدرات والرقیق والمهاجرین‏ وأن تصبح المنطقة‏‏ ساحة للحوار والثقافات‏ ونقطة الوصل بین أوروبا وإفریقیا‏.تلک هی الأهداف المعلنة ولکن من ناحیة أخری کانت هناک أهداف أخری غیر معلنة منها تحیید ترکیا لمنعها من المطالبة بالانضمام إلی الاتحاد الأوروبی ,‏ کما وضح أن المشروع الفرنسی یعمل علی ضم إسرائیل فی مشاریع إقلیمیة لتصبح واقعا أمام الدول العربیة الأخری التی مازالت ترفض التطبیع مع الکیان العبری وتناسی الصراع القائم مع الفلسطینیین والحصار والمحاولات الإسرائیلیة المستمیتة من أجل قمع الشعب الفلسطینی وإجباره علی الرحیل‏".‏

واستطردت تقول :" یردد المسئولون الفرنسیون فی محاولة لإقناع الشعوب العربیة بحجتهم أن أوروبا استطاعت تجاوز الخلافات والعداء من خلال بناء اتحاد اقتصادی قوی‏,‏ ولکنهم یتناسون أن أوروبا لم تقم الاتحاد الأوروبی إلا بعد انتهاء الحرب والتوقیع علی اتفاقیات سلام وهو لیس الوضع بالنسبة للمنطقة‏ ".

والخلاصة أن الشیء الوحید الذی سیخرج به العرب من قمة الاتحاد من أجل المتوسط هو عقد قمة بین الأسد والرئیس اللبنانی میشیل سلیمان لبحث تحسین علاقاتهما المتوترة منذ اغتیال الحریری والاتفاق على إعادة العلاقات الدبلوماسیة بین دمشق وبیروت ، هذا بجانب احتمال عودة العلاقات الدافئة بین مصر وسوریا ، ولکن هل کان لابد من اتحاد یضم إسرائیل ویعید أمجاد أوروبا الاستعماریة ، لحل الخلافات العربیة العربیة ؟.

( الموضوع  لـجهان مصطفى  فی موقع محیط )

م/ن/ 25