سارکوزی عرٌاب للتطبیع مع إسرائیل

سارکوزی عرٌاب للتطبیع مع إسرائیل
منذ أن تسلم الرئیس نیکولا سارکوزی مقالید الحکم فی قصر الالیزیه وهو یبدو مندفعا بحماس یحمل الدولة الفرنسیة بکل تراثها وتاریخها وما لها من ماض یمکن وصفه بمحاولة الاستقلال أو محاولة وأوالابتعاد عن المعسکر أو "الحضن" الأمیرکی والتمیز لیس فقط بمواقف فرنسا لا بل وحتى من خلال الدفع بالقارة الأوروبیة باتجاه مواقف لا تتماها بالضرورة مع الموقف الأمیرکی وخاصة فیما یتعلق بالمواقف السیاسیة والمفصلیة الأکثر إثارة للجدل سواء على مستوى العالم بشکل عام أو على مستوى المنطقة بشکل خاص، وقد أثارت محاولات التمیز تلک أکثر من مشکلة ما بین الدولة الفرنسیة والولایات المتحدة الأمیرکیة وخاصة فی عهد الرئیس الأمیرکی الحالی جورج بوش.
سارکوزی الذی یحاول کما یبدو أن یغیر وجه فرنسا التقلیدی لم یکتف بهذه الاندفاعة باتجاه الحضن الأمیرکی لا بل هو أیضا ما فتئ یأخذ بفرنسا فی اتجاه حضن آخر أکثر بغضا بالنسبة لشعوب المنطقة ألا وهو الحضن الإسرائیلی، وقد کان لمواقفه خلال زیارته إلى دولة الاحتلال واحتفاله بذکرى تأسیسها على أشلاء الشعب الفلسطینی والکلمة التی ألقاها من على منبر الکنیست من الدلالات والإشارات ما یکفی لیعلم العالم بان فرنسا سارکوزی لم تعد فرنسا شیراک ولا میتران ولا فرنسا بومبیدو ولا دیغول قبل هذا وأولئک، لقد کرر سارکوزی ما قاله سیده بوش الذی قال ما معناه أن إسرائیل إذا ما تعرضت لخطر ما فهذا یعنی وقوف 370 ملیون أمیرکی إلى جانبها"، سارکوزی قال وبالفم الملیان بان فرنسا تقف قلبا وقالبا مع دولة الاحتلال وان فرنسا ستدافع عن إسرائیل إذا ما تعرضت لأی عدوان وقد ظهر وکأن هذه هی الفکرة الأهم التی تشغل کل تفکیره وانه أراد أن ینقلها إلى العالم من على منبر الکنیست فی إشارة واضحة إلى أنه أتى لیعلن عن حلف جدید مع دولة الاحتلال.
محاولات الرئیس الفرنسی لیبدو محایدا أو متوازنا -إذا جاز التعبیر- فی ما أعلنه فیما یختص بالموضوع الفلسطینی خلال زیارته للاحتفاء بإنشاء الکیان العبری ربما انطلت على البعض إلا أنها بالضرورة لم تکن کذلک على کثیرین غیرهم، فهو وبرغم العبارات الطنانة والرنانة التی أطلقها إلا انه فی واقع الأمر لم یخرج عن العمومیات فی ما ذهب إلیه وهی عبارات فیها الکثیر من الدبلوماسیة أکثر مما فیها من الواقعیة کما أنه وفیما قاله للفلسطینیین لم یذهب إلى ما هو أبعد مما ذهب إلیه سیده بوش فیما یتعلق بالدولة الفلسطینیة غیر واضحة المعالم کما انه لم یردد سوى نفس الکلمات التی یتم تردیدها خلال الزیارات لتی یقوم بها کثیر من ساسة الغرب إلى المنطقة، وهی على أی حال لم تَرْقَ أبدا إلى حد الفعل أو الدعوات الحقیقیة إلى عمل ملموس على الأرض یعکس حقیقة مواقف هؤلاء الساسة ومنهم سارکوزی، وقد سمع الشعب الفلسطینی وقادته هذا الکلام على مدار سنوات الاحتلال إن لم یکون على مدى سنوات النکبة.
ما قاله الرئیس الفرنسی وهلل له بعضا من ساسة فلسطین لن یترجم إلى واقع، تلک الأقوال لم تذهب بتأثیرها ولن تذهب إلى ابعد من فترة أیام الزیارة، وها هو السید سارکوزی الذی لم یقم بأی شیء عملی تجاه أبناء فلسطین وقضیتهم العادلة ولن یقوم یترجم انتماءه لدولة الکیان العبری بعقد مؤتمر ما سمی الاتحاد المتوسطی أو الاتحاد من اجل المتوسط، وهو عندما نجح الیوم بجمع قادة حوالی أربعین دولة قال بان هذا یعتبر نجاحا استراتیجیا لأنه یجمع بین العرب وإسرائیل وهو لم یقل بأنه نجاح استراتیجی لأنه یجمع بین أوروبا والعرب أو بین ترکیا وأوروبا ولا بین أی طرف وآخر بل هو کذلک لأنه فقط جمع بین دولة الاحتلال ودول العربان، وهو عندما نجح فی الإتیان بعشرة من دول "العربان" فی باریس فهو إنما یحقق تطبیعا مجانیا على حساب الشعب الفلسطینی وقضیته، وهذا المؤتمر لا یختلف فی مجانیته عن مجانیة التطبیع فی انابولیس التی هلل لها من هلل وقال فیها من قال ما قال، وأنها سوف تکون واحدة من الفتوحات التی ثبت قبل أن "ینفض السامر" بأنها لم تکن إلا فشلا آخر للعربان وأنهم إنما تتم قیادتهم إلى حیث یشاء السید الأمیرکی، والآن إلى حیث یشاء التابع الجدید " الفرنسی" هذه المرة.
لا نعتقد بان هنالک أهدافا للرئیس الفرنسی خاصة فی ظل تبعیته لبوش سوى أن یحاول أن یجعل من دولة الاحتلال کائنا طبیعیا فی المنطقة خاصة وأننا لا نعتقد بان سارکوزی وبغض النظر عما یقال من طموحات له معنی بقیادة أوروبا أو بتشکیل کیان أوروبی مواز للولایات المتحدة، خاصة فی ظل تبعیة لها یقودها هو بنفسه. أن یأتی الرئیس الفرنسی بهذه البلدان ممثلة بقادتها مطواعة إلى باریس لکی تکون الوجوه مقابل الوجوه والعیون فی العیون هو هذا الذی یرومه سارکوزی وذلک من أجل أن یتم "کسر الحاجز النفسی" کما سماه السادات، ذلک عندما یتعود المواطن العربی المغلوب على أمره أن یرى عبر الشاشات زعماءه وهم یجلسون على الطاولة نفسها مع من هم من المفروض أنهم أعداء الأمة لتصبح بعد ذلک المصافحات والقبل والأحادیث العابرة ثم الطویلة و من بعد ذلک الزیارات المتبادلة شیء طبیعی فلا تصدر صرخة احتجاج هنا ولا ململة واضطراب هناک.
المؤسف أن الدول العربیة التی ما أن یتم توجیه الدعوة لها- الحقیقة أنها یطلب إلیها ویتم توجیه الأوامر لها من السید- للانخراط فی تکتل دولی هنا أو تجمع إقلیمی هناک حتى ترکض بدون استفسار أو تساؤل أو احتجاج، وتنساق بلا إرادة وتوقع على کل ما یطلب منها، وهی نفس الأمة التی لم تستطع أن تحقق الحد الأدنى من التضامن أو توقیع الاتفاقیات فیما بینها منذ قامت الجامعة العربیة عندما یتعلق الأمر بدولها أو بشعوبها عدا الاتفاقات الأمنیة والقمعیة للشعوب طبعا وربما بعض الاتفاقات الشکلیة التی لا تسمن ولا تغنی من جوع.
عندما نقول هذا الذی نقول فلیس لأننا ضد التعایش مع الشعوب الأخرى، أو لأننا لدینا من العقد التی تجعلنا نرفض الآخر، لکن لأننا مللنا هذا الخنوع الذی تبدیه امة العربان ولأننا نعتقد بان لکل شیء لا بد من ثمن یتم دفعه، وعلى هذا الأساس فإذا کانت للسید سارکوزی طموحات نجهلها نحن أو ربما معلومة کما یعتقد البعض، فعلیه أن یقدم شیئا بالمقابل أن یدفع ثمنا لتلک الطموحات، لا أن نکون مطیة له ولما یطمح إلیه، وإذا کانت إسرائیل ترغب فی أن تکون دولة طبیعیة وان لا تبقى سرطانا یهدد قلب الأمة فعلیها أن تتوقف عن نهجها بالسیطرة ومحاولات إخضاع الآخر وأن تتوقف عن تهدید دول المنطقة وشعوبها،علیها أن تدفع ثمنا بالمقابل، هذا الثمن أو هذه الأثمان لا بد للعربان أن یطالبوا بها، لا أن تظل رقابهم " مدنقة" وقلوبهم راجفة واجفة، ونفوسهم خانعة مستکینة ولا نسمع منهم همهمة، صرخة أو کلمة احتجاج واحدة، أو أن یساق القادة "العظام" إلى حیث علیهم التوقیع على ما هو مطلوب منهم ومن ثم العودة إلى الدیار لیبشروا شعوبهم "بفتوحاتهم الجدیدة".
( للکاتب والصحفی الفلسطینی رشید شاهین )
ن/25