الهجوم على إیران.. إصرار إسرائیلی
الهجوم على إیران.. إصرار إسرائیلی
کشفت شبکة "إیه. بی. سی" الأمریکیة، عن سیطرة حالة من القلق الشدید على کبار القیادات العسکریة فی الولایات المتحدة الأمریکیة مع تزاید الاعتقاد فی إمکانیة توجیه إسرائیل ضربة عسکریة ضد منشآت إیران النوویة قبل نهایة العام الجاری، وأوضحت الشبکة الإخباریة فی تقریرها أن المسئولین الأمریکیین یعتقدون فی إمکانیة إقدام إسرائیل على هذه الخطوة فی حالة تخطی إیران أحد خطین أحمرین، الخط الأول یتمثل فی نجاح مفاعل ناتاز( نطنز ) الإیرانی فی إنتاج کمیة من الیورانیوم عالی التخصیب تکفی لتصنیع قنبلة نوویة. ونقل التقریر عن أحد المسئولین العسکریین إیضاحاته بأن الخط الأحمر فی هذا الخصوص لیس وصول إیران إلى مرحلة الإنتاج الفعلی، ولکن قبل وصولها إلى هذه المرحلة، ومن المعروف أن التقدیرات الأمریکیة والإسرائیلیة ترجح تمکن طهران من إنتاج کمیة کافیة من الیورانیوم المخصب لتصنیع قنبلة بحلول نهایة العام الجاری أو مع مطلع 2009 المقبل.
أما الخط الثانی، فیتمثل فی تسلم إیران نظام الدفاع الجوی " إس. إیه – 20" الروسی الصنع، الذی أبرمت طهران بالفعل صفقة بشأنه مع الحکومة الروسیة، وحذر المسئولون الأمریکیون من أن إسرائیل ستحرص على مهاجمة طهران قبل إحلال هذا النظام الدفاعی الجدید وتشغیله، وأشار تقریر "إیه. بی. سی" إلى قلق المسئولین الأمریکیین من أن قیام إسرائیل بهذه الخطوة قد یدفع إیران إلى مهاجمة المصالح الأمریکیة والإسرائیلیة کرد فعل انتقامی، کما أعرب المسئولون الذین شملهم التقریر عن قلقهم من إمکانیة مهاجمة إسرائیل منشآت إیران النوویة قبل تولی الرئیس الأمریکی الجدید مهام منصبه، وفی تعلیقهم على المناورات والتدریبات العسکریة التی قامت بها القوات الإسرائیلیة فی مطلع یونیو الماضی فی البحر المتوسط، أکد المسئولون الذین التقتهم شبکة "إیه . بی . سی" الإخباریة الأمریکیة أن ذلک لم یکن مجرد اختبار على ضرب إیران، بل إن هذه المناورات کانت بمثابة تدریبات أساسیة، تمهیدًا لمهاجمة إیران.
لماذا تصر إسرائیل على ضرب إیران مبکرًا؟ بینما تفضل الولایات المتحدة الانتظار أو استخدام أسلوب آخر. من جهة الولایات المتحدة، فإن الإدارة الحالیة لم تعد قادرة على اتخاذ قرار بهذه الخطورة؛ نظرًا لنفاد الوقت بالنسبة لها، وکذا فإن الولایات المتحدة تفکر بأن من الممکن عقد صفقة مع طهران، بعد ذلک تعید تنظیم المنطقة واقتسام الکتلة، وهی تعتمد فی ذلک على جهود الأحزاب الشیعیة الموالیة لها فی إیران، والتی تمتلک علاقات قویة مع طهران، ومن ثم فیمکنها أن تلعب دورًا فی تقریب وجهات النظر بین الطرفین، وفی تلک الحالة فإن الولایات المتحدة یمکنها أن تحقق انسحابًا آمنًا من العراق، وأن تستفید بالجهود الإیرانیة والشیعیة فی القضاء على حرکة طالبان فی أفغانستان، والجماعات السنیة المسلحة فی العراق، ولکن هذا بالطبع سیتم على حساب حزب الله.
ومن ناحیة أقرب، فإن الولایات المتحدة لیست فی عجلة من أمرها، لأن القوة الإیرانیة النوویة أو غیر النوویة لن تطال الولایات المتحدة فی المستقبل القریب على الأقل، ومن ثم فهی تفضل مثلاً، العمل على إسقاط أو إضعاف النظام الإیرانی من الداخل، وفی هذا الصدد، فإن مجلة أمریکیة نشرت، أن الکونجرس الأمریکی قد وافق سرًا على تخصیص 400 ملیون دولار لتمویل عملیات سریة جدیدة ضد النظام الإیرانی، وقالت المجلة نفسها: إن الرئیس بوش حریص على حل موضوع البرنامج النووی الإیرانی وفق السبل الدبلوماسیة.
الولایات المتحدة تدرک أیضًا أن هجومًا أمریکیًّا على إیران لن یکون حاسمًا؛ لأن القدرات النوویة الإیرانیة ربما تکون موزعة فی أکثر من مکان، بعضها غیر معروف حتى الآن، وکذلک فإن الهجوم الأمریکی على إیران سیقوّی النظام الإیرانی، ویوحد الداخل الإیرانی خلفه، وفضلاً عن ذلک فإن إیران تمتلک زوارق وصواریخ بحریة قادرة على إنزال خسائر کبیرة بالتواجد البحری الأمریکی فی الخلیج ( الفارسی ) وفی غیر الخلیج( الفارسی ) ، وذلک سیؤدی إلى تعطیل تدفق البترول إلى درجة لا یحتملها الاقتصاد الأمریکی ولا الاقتصاد العالمی، کما یؤدی إلى زیادة الاحتجاج الدولی ضد الولایات المتحدة، وکذلک فإن هجومًا أمریکیًّا على إیران سوف یجعل القوى الشیعیة فی العراق تقلب ظهر المحبة للحلیف الأمریکی، وربما تستهدف القوات الأمریکیة فی العراق، مما یزید المصاعب الأمریکیة بصورة غیر محتملة على الإطلاق.
وهکذا، فإن مشکلة أمریکا الآن لیست ضرب إیران، بل محاولة منع إسرائیل من هذا الأمر، وإسرائیل تعتمد فی هذا الصدد على قدرتها على امتصاص الضغط الأمریکی فی هذا الوقت؛ نظرًا لوجود فترة انتقالیة أمریکیة بین إدارتین، وحاجة الحزبین الکبیرین فی الولایات المتحدة إلى نفوذ وأموال اللوبی الصهیونی فی واشنطن.
إسرائیل من ناحیتها، ترى أن من الضروری ضرب إیران الآن ولیس غدًا؛ لأنه لو نجحت إیران فی بناء نظام دفاعی، فإن ضربها بالنسبة لإسرائیل سیکون أمرًا مستحیلاً، وکذا امتلاکها بالفعل قنبلة ذریة، سیجعل من المستحیل على إسرائیل مجرد التفکیر فی ضرب إیران، وهذا معناه ببساطة بالنسبة لإسرائیل مخاطر وجودیة، لأن وجود رادع نووی لدى أی دولة من دول المنطقة سیجعل الرادع النووی الإسرائیلی بلا قیمة، وهذا معناه بدایة النهایة لإسرائیل، وإسرائیل لا تستطیع ولا تحتمل الانتظار حتى تأتی إدارة أمریکیة جدیدة قد تغیر السیاسات أو حتى تصل إلى صفقة مع إیران.
وعلى کل حال فإن إسرائیل من ناحیتها تحاول تهیئة المسرح للضربة الإسرائیلیة لإیران، فهی فتحت مجالاً للمفاوضات مع سوریا بوساطة ترکیة، وأوعزت إلى سارکوزی أن یسمح بزیارة الرئیس السوری بشار الأسد إلى باریس، ومن ثم إعطاء مکاسب سیاسیة للنظام السوری تمنعه عملیًّا من التضامن مع طهران فی حالة الضربة الإسرائیلیة لإیران. وکذلک عقدت صفقة تبادل الأسرى مع حزب الله حتى تجعل الحزب فی موقف لا یسمح بالتدخل ضد إسرائیل فی حالة ضرب إیران؛ لأن الداخل اللبنانی لن یکون مستعدًا للقبول بقیام حزب الله بذلک، وإلا کان حزبًا إیرانیًّا، ولیس لبنانیًّا. نفس الأمر فی موضوع التهدئة مع حماس بضمان مصری، وهکذا فإن إسرائیل بالفعل تجهز المسرح لضربة محتملة لإیران، یرى المراقبون أنها سوف تتم فی الفترة الانتقالیة بین الإدارتین الأمریکیتین الحالیة واللاحقة.
ولکن السؤال الجوهری الآن، هل ستکون هذه الضربة کافیة لإجهاض المشروع النووی الإیرانی؟ أم أنها سوف تزید الطین بلة بالنسبة لإسرائیل وأمریکا معًا !!.
( للدکتور محمد مورو )
ن/25