لماذا کل هذا التباکی على إلغاء بلیر زیارته لغزة
لماذا کل هذا التباکی على إلغاء بلیر زیارته لغزة
لم أجد مبررا یمکن أن اقتنع به کما شعرت باستغراب یمکن أن ادعی بأنه شدید لکل هذا العویل و "الولولة" التی قام بها قادة حرکة المقاومة الإسلامیة حماس لأن "السید" رئیس الوزراء البریطانی السابق المبعوث الحالی اللجنة الرباعیة للشرق الأوسط قام بإلغاء الزیارة التی کان من المفروض أن یقوم بها إلى قطاع غزة لافتتاح مشروع له علاقة بالصرف الصحی بشمال القطاع قامت به وکالة غوث وتشغیل اللاجئین الفلسطینیین.
الحکومة المقالة برئاسة إسماعیل هنیة التی جهزت نفسها للزیارة من النواحی الأمنیة ونشرت عناصرها فی الشوارع التی من المتوقع أن یسلکها بلیر وبمجرد انتشار خبر إلغاء الزیارة سارعت إلى ما یمکن تسمیته "إدانة" أو استنکار الموضوع ولم یتوان الناطق باسم الحکومة المقالة السید طاهر النونو عن الإدلاء بتصریحات تتعلق بإلغاء الزیارة، ومن الغریب أن النونو قال بان بلیر ألغى الزیارة نتیجة لضغوط إسرائیلیة نجحت فی منعه من الاطلاع على ما سماه حجم الکاثرة فی قطاع غزة بسبب الحصار الظالم المفروض على القطاع وانعکاساته ونتائج الجرائم التی قام بها الاحتلال فی غزة. نحن هنا لا نرید الخوض فی موضوع لماذا ألغى بلیر الزیارة ولا نستغرب أن تکون إسرائیل وأجهزتها الأمنیة قد ضغطت بقوة فی هذا الاتجاه، لکن ما نرغب فی الحدیث عنه لماذا کل هذا العویل وهذا الشعور بالخسارة لان الزیارة لم تتم.
الحکومة اتهمت کذلک أطرافا أخرى لم تسمها مارست ضغوطا مماثلة- ونعتقد بان التلمیح معروف المقاصد ومن هی تلک الجهات التی مارست هذه الضغوط- حتى لا یطلع بلیر على مستوى الإدارة والتنظیم والأمن فی قطاع غزة إذ اتخذت الحکومة کل التدابیر والإجراءات الأمنیة لتأمین زیارة بلیر، الحکومة قالت بأنها کانت تأمل فی أن یرى بلیر بنفسه الآثار الکارثیة لجرائم الاحتلال وحصاره الظالم لقطاع غزة بمساندة أمریکیة وبعض الإطراف فی المجتمع الدولی.
التعامل مع زیارة بلیر من قبل السادة فی حرکة حماس بهذه الطریقة وکأنه سوف "یشیل الزیر من البیر" أو أن وصوله إلى قطاع غزة یشکل فتحا جدیدا ربما شبیه بفتوحات صلاح الدین کان مفاجأة للکثیرین، فهذا "البلیر" التابع لسیده الأمیرکی جورج بوش الذی کان رئیسا لوزراء بریطانیا والذی وصفه الکثیر من المحللین والساسة بأنه وظف نفسه کموظف فی وزارة الخارجیة الأمیرکیة، و وصفته الصحف البریطانیة کأنه " جرو" یرکض خلف سیده بوش لیس سوى بلیر نفسه قاتل أطفال العراق، وهو الذی ساهم فی فرض الحصار الظالم على هذا البلد وبالتالی یحمل فی عنقه حیاة ملیون طفل وامرأة وشیخ ومریض عراقی قضوا خلال فترة الحصار الظالم على العراق، عدا عن أولئک الذین سقطوا بعد احتلال العراق، وهو من مارس جنوده کل أنواع الجرائم هناک وتم عرض بعضها وشاهدها العالم عبر الفضائیات ولم تعد سرا خافیا على أحد.
نستغرب هذا العویل وهذا التباکی على إلغاء الزیارة، فهل من ساهم فی قتل أطفال العراق بتلک الطریقة ومن ساهم فی فرض الحصار على العراق سیهتم کثیرا بما هو حاصل فی قطاع غزة وما ینتجه حصار مماثل من مآس هناک، وهل یعتقد السادة فی حرکة حماس بان بلیر سوف یتعامل مع الطفل الفلسطینی بطریقة أفضل أو فیها من الإنسانیة أکثر مما تعامل بها مع أطفال العراق، وهل اعتقدوا بأنه سیتحدث بموضوعیة عن المآسی التی یعیشها أهل القطاع، وهل سیتحرک ضمیر السید بلیر هکذا فجأة عندما یصل إلى القطاع.
غریب أمر السادة فی حماس وغریب هذا العویل وهذا التباکی على إلغاء الزیارة، کنا نتوقع من قادة حماس أن یقولوا لبلیر أنْ لا مرحبا بک فی قطاع غزة وان یذکروه بأنه وسیاساته وسیاسة بریطانیا منذ ما یقارب القرن من الزمان هی سبب مصائب الشعب الفلسطینی وان أحد أهم أسباب الکارثة الفلسطینیة هو ذلک الوعد المعروف لإقامة دولة للیهود فی فلسطین، وکنا نتوقع أن یطالبه السادة فی حماس أن یقدم اعتذارا عما قامت به بلاده ضد أبناء الشعب الفلسطینی لا أن یتم التلمیح بان زیارته سوف تکون الرافعة التی ترتکز علیها القضیة الفلسطینیة ومعاناة أبناء فلسطین.
بلیر أیها السادة لم یقم بشیء یذکر لقضیتکم عندما کان یملک القرار وعندما کان صاحب فعل ویمکنه أن یصنع بعضا من التغییر، وهو لم یفکر أبدا بان یقوم بأی فعل تجاه قضیتکم فهل کنتم تعتقدون بأنه قادر على الفعل عندما أصبح على هامش الفعل أو القرار، أو لیس هو مندوب اللجنة الرباعیة التی تشترط علیکم ما تشترط أو لیست اللجنة الرباعیة التی یمثلها بلیر هی ذاتها التی تقف دونکم وما تطمحون، وحتى لو افترضنا أن بلیر أتى إلى غزة فهل کنتم تعتقدون بأنه سوف یقول ما ترغبون أو ما تشتهون، وحتى لو قال ما ترغبون وما تحبون سماعه فهل کان هذا سیغیر من الأمر شیئا. ثم لماذا حسن النیة هذا بالسید بلیر، ولماذا الافتراض بان بلیر کان سیقول ما ترغبون سماعه، من کان یضمن بان بلیر لن یقول بان ما یجری فی قطاع غزة سببه وجود حرکة حماس فی القطاع وسیطرتها علیه، من کان یضمن بأنه لن یطالبکم فی التخلی عن المقاومة – الإرهاب بحسب فهمه- والاعتراف بإسرائیل وغیر ذلک من الشروط المعروفة.
الاعتقاد بان قدوم بلیر یعنی المساهمة فی کسر الحصار على غزة فیه مبالغة غیر مبررة وغیر مفهومة ذلک أن بلیر لم یکن یفکر بذلک ولا نعتقد بأنه یکترث له وحتى لو أتى واطلع على ما رغبتم أن یطلع علیه وحتى لو أعلن عن أن هنالک وضعا کارثیا فی القطاع، فمن یقول بان أحدا سوف یستمع إلیه ومن یقول بان أقواله سوف تهز ضمیر العالم النائم خاصة وان ضمائر عربانکم لم تهتز وهی وبحسبکم – أی العربان- الأقرب إلیکم تساهم فی فرض الحصار علیکم، إذن لماذا الافتراض بان ما سیقوله سوف یکون وصمة عار فی جبین إسرائیل وانه سوف یکون – البلدوزر- الذی سیفتح ثغرة کبیرة فی الحصار.
الرهان على بلیر وتلک التصریحات التی صدرت عن الحکومة المقالة ومن یمثلها لم تکن سوى واحدة من المحاولات التی تقوم بها حرکة حماس من اجل الإثبات للعالم بأنها حرکة تستحق الاعتراف بها – ونحن لسنا ضد هذا الاعتراف لکن على أن یقال هذا فی العلن بمعنى أن تقول حماس ذلک بدون مناورات وأنها ترغب بشکل کبیر أن یتم الاعتراف بها- وأنها أرادت من بلیر أن یرى کما قالت حجم الکارثة فی القطاع، وهی لا تختلف کثیرا عن زیارة السید کارتر ولن تکون أکثر من ذلک وهو – بلیر-على أی حال قال بأنه ذاهب إلى القطاع من اجل مهمة محددة وحتى لو تحدث عن الکارثة فی القطاع فلن تغیر أقواله فی الواقع شیئا، فلقد قال غیره عن جنین وعن غزة أکثر مما کان من الممکن أن یقول، فماذا حدث، وهل تغیر شیء على ارض الواقع وهل تحرکت ضمائر العالم والسؤال الأخیر هو هل بلیر لا یعلم حجم الکارثة التی تقع فی قطاع غزة وهل بلیر لا یعرف حجم البلطجة الإسرائیلیة ضد أبناء الشعب الفلسطینی، نعتقد بان هذا التباکی لا یبتعد کثیرا عن الحسابات الفئویة الضیقة ومن اجل ادعاء انتصارات وانجازات هی فی الواقع لا انجازات لأنها لن تحقق شیئا على صعید تخفیف المعاناة عن أطفال غزة.
( للکاتب والصحفی الفلسطینی رشید شاهین من بیت لحم )
ن/25