البشیر أکل یوم أکل ...
البشیر أکل یوم أکل ...
او لیس هذا هو المثل العربی القائل اکلت یوم اکل الدب الابیض أو الاحمر والاصفر او بأی لون کان، فلا یهم اللون هنا ولا یهم الاسم، المهم ان الدب تم اکله، المشکلة انه مثل عربی على حد علمی وفیه من الحکمة ما یکفی لکل من یرید ان یفهم ما یعنیه، شخصیا لست مستهجنا ولا حزینا أو أسفا ولا مندهشا او متفاجئا بطلب مدعی عام المحکمة الجنائیة الدولیة لویس مورینو اوکامبو إصدار مذکرة التوقیف بحق الرئیس السودانی عمر حسن البشیر، ولا نبالغ لو قلنا اننا ربما لدینا رغبة قد تکون کبیرة وجامحة بأن نرى المزید من "دببة" امة العربان هکذا مطاردین بمذکرات مماثلة حیث نعتقد بان هؤلاء یستحقون ما هو اکثر من مذکرات التوقیف.
المظاهرات التی خرجت فی السودان تذکرنا بتلک النی خرجت فی أکثر من عاصمة عربیة عندما کان الامر یتعلق "بقائد" البلاد، هذه المظاهرات التی فی المعظم لیست عفویة ولا شعبیة لا تدلل على "عشق" للقائد الهمام او الرئیس الفذ بقدر ما تکون مرتبة من قبل أجهزة الامن والمخابرات فی هذا البلد او تلک الدولة.
أن تحاول اجهزة هذا النظام او ذاک تحریک شوارع المدن فیها لا یعنی أبدا أن الرئیس او القائد "الهمام والملهم الفذ" هو محط اعجاب الجماهیر التی لن تتردد فی الانفضاض من حوله عندما تحین الساعة، وهی قد تخرج فی مظاهرات فیها من الحشود اکثر بکثیر من تلک التی خرجت مؤیدة من قبل، وعلى هذا الاساس فان هذه "الحرکات" والمظاهرات التی تبدو کانما هی داعمة للرئیس او القائد لم تعد تنطلی على أحد، وخروج الجماهیر إلى الشوارع والاحتجاج بهدوء او بصخب– حتى وإن کان عفویا وبدون ترتیب من أجهزة القمع فی هذه العاصمة او تلک- لا یعنی بالضرورة أن القائد " الملهم" اصبح محبوب الجماهیر أو معبودهم.
قد یخرج الناس فی مظاهرات ملیونیة وفی اکثر من مدینة او عاصمة ولایام او اسابیع عدیدة، لکن هذا لا یعنی بالضرورة ان هذا الخروج مخصص للتضامن مع الرئیس او القائد، وهو لیس بالضرورة عشقا لصاحب السیادة الافخم، بقدر ما هو غضبا مکنونا فی الصدورعلى الولایات المتحدة الامیرکیة وحلفائها سواء فی الغرب او فی الشرق، وهو نوع من الاحتجاج ضد السیاسات الاستعماریة وسیاسات التسلط ومحاولات اخضاع الشعوب والسیطرة علیها وعلى مقدراتها وعلى السیاسات التی تمتهن کرامة الرئیس لیس لانه الرئیس بقدر ما هو رمز للبلاد، وبالتالی فان محاولة اهدار کرامته هی اهدار لکرامة الوطن التی یابى هذا المواطن ان تمس، برغم قبول الرؤساء فی العادة وفی الاجمال بان تهدر کرامة الوطن والمواطن والرئیس نفسه، وقد یکون خروج الجماهیر للشوارع تفریغ للغضب الذی هو فی الاساس موجه تجاه الرئیس ولکن تاتی الفرصة لیتم تنفیس هذا الغضب من خلال محاولة امتهان کرامة الرئیس نفسه -کما حصل مع السید البشیر- من جهات خارجیة.
لا نعتقد بان لنا مواقف عدائیة أو شخصیة من سیادة الرئیس عمر البشیر نفسه، لکن بالمجمل نعتقد بانه جزء من النظام العربی الرسمی الذی لا نحمل او نکن له أی مودة أو ثقة، لاننا نعتقد بان النظام العربی الرسمی الذی یجثم على صدر الامة هو سبب تخلف هذه الامة، ولاننا نعتقد بان هذا النظام هو الذی اوصل شعوب هذه الامة إلى هذا المستوى من المهانة والذل والتخلف والتبعیة، وهو الذی ربط البلاد والعباد ومستقبل الاجیال بید الاجنبی، وهو الذی ضحى بکل ما یمکن من اجل ان یحافظ على البقاء فی موقع السلطة.
ان یصبح الرئیس السودانی مطاردا فهذا بالنسبة لنا شیء مخز حیث لم یحدث سابقا ان صدرت مذکرة توقیف بحق رئیس لا زال فی موقع السلطة وبالتالی تبقى الامة بقادتها مضربا للامثال وحقلا للتجارب الاولى على کل الاشیاء غیر المشرقة او المشرفة. وهو کذلک دلیل ساطع لقادة هذه الامة ان العالم فیه من النفاق ما لا یمکن تصوره، وان البقاء یس لاصلح کما هی القاعدة بل للاقوى فی ظل عصر العولمة هذا، کما انه دلیل على ان کل او اغلب المنظمات ااممیى هی لیست سوى ادوات بید الامیرکی.
نحن نعتقد بانه کان حریا بالسید مدعی عام المحکمة الجنائیة الدولیة لویس مورینو اوکامبو ان یوجه مثل هذه المذکرة ضد الرئیس الامیرکی بوش على کل ما ارتکبت یداه وقواته ضد اطفال ونساء وشیوخ العراق وافغانستان وفلسطین ولبنان، او ضد قادة الدولة العبریة الذین مارسوا کل انواع المجازر فی لبنان وفلسطین والاردن وسوریا ومصر، وکان حریا به ان یصدر مثل هذه المذکرة ضد مادلین اولبرایت التی لم تتردد بالقول ان الثمن الذی دفعه اطفال العراق فی سنوات الحصار ثمنا مقبولا ومناسبا اوأن یصدر مثل هذه المذکرة ضد من ضرب ملجا العامریة فی بغداد فحوله الى مقبرة لمن فیه، او أن تکون لدیه الجراة لاصدار مثل تلک المذکرة ضد من قصف قانا و قتل قوات الامم المتحدة واطفال لبنان تحت انظار وبصر العالم او من قام بقصف مدرسة بحر البقر ومن قتل الجنود المصریین الاسرى خلال حرب حزیران یونیو عام 1967 المذلة.
التعامل بهذه الطریقة مع رئیس دولة عربیة لیست التجربة الاولى برغم ان السید البشیر کان قد حاول ان "یمسح جوخا" لکی یرضى عنه سید الکون عندما قامت اجهزة مخابراته بتسلیم المناضل الاممی کارلوس الى فرنسا، وکان قبله او بعده من سلم اوجلان وکان غیره قد اغتال ابو نضال البنا، وکان غیره على استعداد ولا زال لقمع کل القوى المقاومة للهیمنة والتسلط الامیرکی والغربی الاستعماری على مقدرات الامة لا بل الأمم ودول العالم، لکن این أصبحت کل تلک الخدمات التی تم تقدیمها هکذا بشکل مجانی، من قال بان الخنوع هو الذی سیحمی الانظمة والقادة ومن قال بان تسلیم رقاب الشعوب بهذا الشکل المذل سوف یکون سببا للاستمرار فی سدة الحکم.
السید البشیر لم یأکل البارحة او ما قبل البارحة وهو لم یأکل قبل سنة او سنوات عدة، فالبشیر أکل عندما ارتضت الامة ان تقف فی خندق حفر الباطن وعندما ارتضت للجندب العربی ان یقف کتفا بکتفمع الجندی الامیرکی فی الحرب على العراق فی المرة الاولى عام 1991، والبشیر أکل عندما ذهب نائب الرئیس العراقی عزة ابراهیم الى النمسا من اجل العلاج "وملص بجلده" والبشیر أکل عندما أکل الرئیس العراقی الراحل صدام حسین عندما تم تقدیمه على سبیل الاضحیة صبیحة العید،وهو أکل عندما لم یجرؤ ای من قادة الامة العظام ان یتصل بزمیل ورفیق لهم على مدى عشرات السنین وهو محاصر فی المقاطعة فی رام الله، وهو أکل عندما تم فرض الحصار على الشعب الفلسطینی وحکومة حماس التی اختارها الشعب الفلسطینی طواعیة مختارا وبدون ضغوط،البشیر لم یأکل البارحة یا سادتی، ومن اعتقد بانه ناج من "المقصلة" من قادة الامة فهو واهم، فلا احد محصن امام "الغول" الامیرکی وسیتم أکل المزید من "الدببة" إذا ما استمر حال الامة على ما هو علیه وسیلحق بالبشیر وصدام وعرفات المزید من الرؤساء والقادة ان لم یلتفتوا الى شعوبهم التی سوف تکون حصنهم المنیع امام ای محاولة للمساس بهم، حصونکم ایها القادة هی شعوبکم ولیس الاجنبی الذی لن یتردد فی جلبکم الى المنصة التی وقف علیها صدام، لکن هل ستکون وقفتکم بمثل وقفته، على رای مظفر النواب الذی طارده الراحل " إنی فی شک من بغداد إلى جدة".
( المقال للصحفی الفلسطینی رشید شاهین )
ن/25