qodsna.ir qodsna.ir

العرب لن ینقذوا البشیر

العرب لن ینقذوا البشیر

 

یعقد وزراء الخارجیة العرب اجتماعاً طارئاً الیوم بناء على دعوة من السودان، لبحث طلب المدعی العام فی المحکمة الجنائیة الدولیة باعتقال الرئیس السودانی عمر البشیر بتهمة ارتکابه جرائم ضد الانسانیة فی دارفور. السید عمرو موس امین عام الجامعة العربیة، الذی سیترأس هذا الاجتماع، قال ان القادة العــــرب لن یتخـــلوا عن الرئیس السودانی، ولکنه لم یقل لــنا کیف سیساعد هـــؤلاء زمیلاً لهــــم ربما یتعـــرض للخـــطف، ومن ثم الأسر، فی أی لحظة یغادر بها بلاده، تماماً مثلما تعرض الوزیر السابق محمد هارون المطلوب بالتهم نفسها، لمحاولة خطف فاشلة قبل أشهر.

نستطیع ان نقول، وبکل ثقة، وبناء على تجارب سابقة، ان هؤلاء الزعماء لن یفعلوا للرئیس السودانی ای شی، هذا اذا لم یتآمروا مع الولایات المتحدة، ورئیسها لتسهیل عملیة اعتقاله وتسلیمه فی حال اقرار المحکمة المذکورة لطلب المدعی العام، وأخذها بقرائنه والوثائق المقدمة من جانبه لتأکید اتهاماته، فارضاء أمریکا یتقدم على الکثیر من القیم الأخلاقیة عند هؤلاء.

الرئیس الأمریکی لم یقل کلمته بعد بشأن هذه المسألة، وقال انه ینتظر ردود الفعل على طلب الاعتقال، وهذا ما شجع بعض الحکومات العربیة على اصدار بیانات الإدانة والرفض، من اجل اظهار تضامنها مع الرئیس السودانی، وقبل ان یغیر الرئیس الامریکی رأیه ویتخذ موقفاً مؤیداً للطلب المذکور.

الأمة العربیة تتلاشى وتتحلل، بعد ان تحولت الى جثة شبه هامدة بسبب زعمائها الحالیین، لأن هؤلاء یتعمدون إذلالها والحاق اکبر قدر من الاهانات بها باستسلامهم الکامل للاملاءات الامریکیة والاسرائیلیة، ولولا وجود بعض البؤر المضیئة المتمثلة فی حرکات المقاومة فی العراق ولبنان وفلسطین لفتحنا السرادقات لتقبل العزاء فیها.

نحن کعرب نملک کل أسباب القوة والتأثیر ولکن زعماءنا لا یریدون استخدامها او توظیفها فیما یخدم هذه الأمة وقضایاها، ویرکعون صاغرین امام السیدة کوندولیزا رایس طلباً لرضاها، ناهیک عن رئیسها جورج بوش الإبن ونائبه دیک تشینی.

ثلاثة ملیارات دولار تدخل جیوب الحکام العرب یومیاً کعوائد نفط وغاز، ومع ذلک ما زلنا نحتل مرتبة متدنیة بین جمیع الأمم فی الصحة والتعلیم والمواصلات، ولا نملک جیشاً واحداً نستطیع ان نفتخر به وبأسلحته وانضباط جنوده وضباطه. ونحن هنا لا نتحدث عن الدیموقراطیة والحریات واحترام حقوق الانسان.

الغالبیة الساحقة من المواطنین العرب یعیشون على اقل من دولارین فی الیوم، وتفتک بهم الأمراض والبطالة والفساد، ومن یجرؤ على الشکوى والاحتجاج فإن مصیره الاعتقال والتعذیب، وتلفیق تهم قد تبقیه فی السجون ما تبقى من عمره.

کنا نقول ان اسرائیل تحکم العالم من خلال المال وتحکّم الیهود الداعمین لها بالاقتصاد العالمی، ها نحن نملک من الأموال السهلة اضعاف ما یملکه الیهود، فماذا نحن فاعلون بها، هل طورنا صناعة عسکریة، حدیثة، او برامج نوویة تحقق لنا التوازن مع اسرائیل وایران، هل بنینا مستشفیات وجامعات عصریة محترمة ومتطورة؟ ثم أین تأثیرنا فی السیاسات الدولیة؟ صفر وللأسف الشدید.

سنقف الى جانب الرئیس البشیر لیس لأنه بالضرورة بریء وانما لأن المحکمة انتقائیة، وأولویاتها مقلوبة. ولأن بلاده مستهدفة، ولأنه هو شخصیاً مستهدف لأنه شق عصا الطاعة على الولایات المتحدة وعارض بقوة غزوها للعراق، ولیس بسبب ملف دارفور، تماماً مثلما جر استهداف الرئیس العراقی السابق صدام حسین لأنه فعل الشیء نفسه، وأراد تطویر صناعة عسکریة تحقق التوازن الاستراتیجی مع اسرائیل وایران، وهو التوازن الذی یتباکى الزعماء العرب على غیابه خاصة مع ایران.

لا نعرف ماذا سیبحث وزراء الخارجیة العرب فی اجتماعهم الیوم، ولکننا نعرف مسبقاً مفردات البیان الذی سیصدرونه، فهو البیان نفسه الذی اصدروه عندما فرضت امریکا الحصار على لیبیا، وبعدها على الأراضی الفلسطینیة المحتلة، ولکنهم لم یجرؤوا حت على اصدار مثله اثناء غزو العراق واحتلاله الذی شارک معظمهم فیه، وفتحوا قواعدهم واراضیهم، وما زالوا، للقوات الأمریکیة لکی تطیح بنظامه.

الزعماء العرب لم ینتصروا لرئیس عربی اعتقل وأهین، وأعدم بعد محاکمة هزلیة، ولم یحرکوا ساکناً عندما قطعت اسرائیل الدواء والغذاء والوقود عن ملیون ونصف الملیون عربی فی قطاع غزة، ولم یجرؤوا حتى على الاتصال هاتفیاً بزمیل آخر لهم هو الرئیس الفلسطینی الشهید یاسر عرفات، یمثل شعباً مقاوما، ورفض کل الضغوط والمغریات الامریکیة للتنازل عن المقدسات المسیحیة والاسلامیة فی القدس المحتلة.

فهذا التاریخ غیر المشرف للغالبیة الساحقة من هؤلاء لا یجعلنا نتفاءل بأنهم سیفعلون شیئاً للرئیس البشیر اذا ما واجه مصیر عرفات وصدام حسین، ولذلک نتمنى على الرئیس السودانی ان لا یطلب العون من هؤلاء، وان یطالب وزیر خارجیته بالانسحاب من اجتماع وزراء الخارجیة العرب حتى یکشف عورات الجمیع دون استثناء.

واذا رفض وزیر الخارجیة السودانی نصیحتنا هذه وهو قطعاً سیرفضها لأنه لم یتشاور مع أحد حول کیفیة التعامل مع ملف التمرد فی دارفور، وقرر المشارکة فی الاجتماع، فإننا نقترح علیه ان یمتحن معدن الزعماء العرب، بمطالبتهم بالتقدم الى المحکمة نفسها بطلب اعتقال کل من جورج بوش وتونی بلیر وایهود اولمرت بتهم ارتکاب جرائم فی حق الانسانیة، وتشکیل لجنة من وزراء خارجیة المملکة العربیة السعودیة ومصر والأردن تکون مسؤولة عن التقدم بالطلب المذکور نفسه، وجمع الأدلة والوثائق التی تدین هؤلاء. واذا کانوا یخشون الاقتراب من بوش فلیبدأوا بأولمرت او بلیر الذی تحول من مجرم حرب الى صانع سلام تفرش له الحکومات العربیة السجاد الأحمر.

فلیس من الصعوبة ایجاد الأدلة التی تدین بوش وبلیر، فجرائمهما مستمرة أمام اعیننا فی العراق. اما اولمرت ومن قبله شارون فإن شهادات الأمم المتحدة ومبعوثیها، وآخرهم القس الجنوب افریقی دیزموند توتو حول مجازر اسرائیل فی قطاع غزة ولبنان موثقة وسهلة المنال.

عندما نرى  قراراً بتشکیل هذه اللجنة، ومن وزراء الدول الثلاث حلیفة واشنطن، ومحور ارتکاز 'حلف الاعتدال' العربی نستطیع ان نقول للرئیس البشیر اطمئن، فخلفک أمة عریقة لا تقبل بإهانة زعمائها، ولکنهم لن یشکلوا هذه اللجنة، بل لن یتجرأوا على الهمس بها، ولهذا ننصح الرئیس السودانی بالصلاة لکی یرفض قضاة المحکمة المذکورة قرار المدعی العام، وان لم یرفضوا فهناک الکثیر الذی یمکن قوله فی حینه.

( المقال لـعبد الباری عطوان  فی القدس العربی )

ن/25

 


| رمز الموضوع: 141087