إسرائیل تجثو

إسرائیل تجثو
کتب البروفیسور عبد الستار قاسم فی مقال استلمته وکالة قدسنا :
کابرت إسرائیل ومعها أعوانها من الحکام العرب والمسؤولین عام 2006، وحاولت جاهدة أن توهم نفسها بتحقیق إنجاز من خلال قرار الأمم المتحدة رقم 1701. حاولت القول بأن حرب تموز قد أتت بالجیش اللبنانی إلى الحدود الافتراضیة الاستعماریة بین فلسطین ولبنان، وإن قوات الأمم المتحدة قد أصبحت أکثر عددا وعدة مما یعنی أن الحرب قد حققت على الأقل بعض أهدافها. أما أعوانها العرب فما زالوا یجادلون ضد حزب الله ویصرون على الهزیمة، ذلک لأن أی انتصار عربی فی أی میدان من میادین الحیاة وفی مواجهة الغزاة والطامعین عبارة عن هزیمة لهم.
أما الآن وبعد خروج سمیر القنطار ورفاقه فلم تجد إسرائیل سوى أن تذرف الدموع وتعترف بکل أطیافها بالهزیمة، وتتهاوى فی اتهامات داخلیة متبادلة بین مختلف السیاسیین والتجمعات السیاسیة. إسرائیل لا تستطیع أن تخفی الهزیمة الآن أو أن تتحایل علیها، ولا تملک إلا أن تقر نهائیا بأن حرب عام 2006 لم تکن سوى هزیمة فتحت أبوابا لهزائم أخرى. حصلت عملیات تبادل أسرى فی السابق لکن هذا التبادل لا مثیل له على الإطلاق على الرغم من أنه لیس الأکبر. هذا التبادل عبارة عن استکمال لحرب أحدثت خللا کبیرا فی میزان القوى التقلیدی، وهو استکمال لهزیمة عسکریة أدخلت المنطقة فی معادلات جدیدة؛ وهو عبارة عن تتویج لانتصار حزب الله الذی رفض العربان من أنظمة وأذناب أن یعترفوا به.
شاهد العالم عبر شاشات التلفاز ومختلف وسائل الإعلام المشادات الکلامیة فی إسرائیل والاتهامات والاتهامات المضادة. ولا ضرورة هنا للتذکیر بها أو إعادة إبراز المشاهد. المهم هنا هو أن إسرائیل لم تعد تتحدث عن الانتصارات وإنما عن الهزائم، وهی لا تتحدث بغبطة وفرح وإنما بحزن وألم، ولا تتکلم بثقة وثبات وإنما برخاوة واهتزاز، ولا تکرر علینا عبارات العنفوان والقوة، وإنما نسمع منها عبارات التشکک والضعف، ولا تعلو على الناس بالغطرسة والکبر والاستعلاء، وإنما تنحنی مکرهة ذلیلة.
إسرائیل تضعف یوما بعد یوما، وما یحققه حزب الله وفصائل المقاومة فی مواجهتها یضعها تدریجیا ضمن حجمها الصغیر الذی یجب أن تکون فیه. إنها توقن الآن بأن انتصاراتها لم تکن بسبب قوتها وإنما بسبب ضعف العرب واهتراء حکامهم، وأن سیطرتها على میادین المعارک سابقا لم یکن بسبب جبن العرب وإنما بسبب خیانات قیاداتهم. ولهذا هی تدرک الآن أنها تتقلص، ویدرک العدید من مفکریها ومثقفیها أن مرحلة العد التنازلی قد بدأت منذ فترة، والتسارع نحو الکارثة یأخذ مجراه.
إسرائیل الآن تواجه أناسا یحبون ربهم ویعشقون الشهادة ویرفضون إدارة الظهر للرصاص. لم تعد تلک المواجهات المستندة على فن الهریبة قائمة، وعلى إسرائیل الآن أن تواجه أناسا یأبون ترک مواقعهم إلا للتقدم. لقد تغیرت الأمور، والمنطقة العربیة الإسلامیة تشهد حمْلا جدیدا سیتمخض عن مولود یحمل فی داخله التغییر الجوهری على مختلف مستویات الحیاة، ولا شبه بینه وبین حمْل رایس وولادتها التی لم تحصل. وفی المقابل، سیشهد الداخل الإسرائیلی تحولات جوهریة أیضا، إنما فی الاتجاه المعاکس. التنظیمات العربیة-الإسلامیة ستشهد المزید من الصعود، وستشهد إسرائیل المزید من التدهور.
إسرائیل تسیر فی الاتجاه المعاکس لعدة أسباب منها انتشار الفساد فی کل رکن وزاویة فیها، وغیاب الانضباط فی صفوفها العسکریة والمدنیة، والمیل نحو الرفاهیة، والترهل فی مسائل الالتزام والعمل الجماعی، والحرص المفرط على حیاة المقاتل الذی ینتهی إلى جبن، وانتهاء مرحلة تکوین الدولة منذ أکثر من عشرین عاما وغیاب القادة التاریخیین.
إسرائیل أُذلت الآن، وهی تجد نفسها مهانة هینة أمام العالم الذی طالما أشاد بها وظن أنها القوة التی لا تُهزم. الآن هی عبارة عن قزم أمام حزب صغیر الحجم وینتشر على مساحة جغرافیة صغیرة، ولا تستطیع أن تجد امام اصدقائها ما یبرر لها هذا التقزم. وفی هذا أمران: إما أن تستکین إسرائیل لوضعها الحالی وتقرر التوقف عن العدوان، أو أن تهاجم فی محاولة یائسة منها لاستعادة هیبتها. لهذا الاحتمال مبرراته وأخطاره، ولذاک ایضا مبرراته وأخطاره. ومهما یکن خیار إسرائیل فإنها تبقى امام خطر کبیر. هی لا تستطیع ضمان النتائج إن هاجمت، ولا تستطیع التکهن بتطور قوة أعدائها إن هی انتظرت. حتى أنها لم تعد قادرة على الاعتماد على الولایات المتحدة الأمریکیة لأن ما فی أمریکا یکفیها.
فماذا ننتظر؟ تقدیری أن حزب الله معنی بتغییر وجه المنطقة، وهذا التغییر لن یتأتى إلا بإلحاق هزیمة میدانیة إندحاریة بجیش إسرائیل. ربما ینتظر حزب الله هجوما إسرائیلیا، لکن ماذا هو فاعل إن لم تهاجم؟ أمام حزب الله الطریق مفتوحة الآن للانتقام لاستشهاد الحاج عماد مغنیة. من المحتمل أن الحزب قد انتظر من أجل إتمام عملیة التبادل، ولا أظن أن الحزب لن یفی بوعده هذه المرة. سینتقم حزب الله للشهید مغنیة، وسیکون انتقامه قاسیا جدا، وسیضع إسرائیل أمام مهانة ومذلة جدیدة. تقدیری وفق ما أجمع من معلومات متناثرة هنا وهناک فی وسائل الإعلام أن حزب الله یملک القدرة الآن على الحرکة المیدانیة على الأرض بفضل قدرته على شل الطیران الإسرائیلی ولو جزئیا، وإذا أراد لوجه المنطقة أن یتغیر فإنه سیجد نفسه أمام ضرورة القیام بعمل عسکری متحرک.
حزب الله یملک أسلحة وتکتیکا عسکریا یجعله قادرا على امتصاص الضربات العسکریة الإسرائیلیة الأولى، ومن ثم رد الضربة، وهذا ما یشکل رادعا قویا لإسرائیل، لکننا لا نعرف تماما عن التکتیک العسکری الذی یمکن أن یتبعه إذا قرر أن یکون هو صاحب الضربة المتحرکة الأولى. وفی کل الأحوال، سوریا لا یمکن أن تبقى هذه المرة خارج العمل المیدانی.
علینا ألا نستهین بقوة إسرائیل، لکن علینا ألا نبالغ بها، وعلینا أن نحسب بدقة کل عناصر القوة لدیها، لیکون استعدادنا دقیقا. ستستخدم إسرائیل قوة نیران هائلة فی أی حرب قادمة، إنما علینا أن نتذکر أنها لم تأل جهدا ولم تدخر سلاحا فی حرب تموز 2006. أضافت إسرائیل إلى ترسانتها المزید من الأسلحة بخاصة فی مجال الطیران، لکن لیس من المتوقع أن تُحدث هذه الأسلحة اختراقا فی جبهة مثل الجنوب اللبنانی. فی المقابل، أضاف حزب الله إلى ترسانته وسائل قتالیة جدیدة وفتاکة، وستشکل عناصر مفاجآت للجیش الإسرائیلی. هذا فضلا عن تکتیکات عسکریة جدیدة لن یکون من السهل على إسرائیل التکیف معها میدانیا بسرعة.
ن/25